لماذا لا يعتقل أردوغان قائد الأسطول الأمريكي ويتعلم من السيسي؟

- ‎فيتقارير

“كما تدين تدان”.. بهذه العبارة يصف أردوغان قرار تجميد ممتلكات وزيري الداخلية والعدل الأمريكيين في تركيا، ويؤكد أن بلاده لا تقبل تهديدًا في التعامل معها، وفيما يبدو أن الطريق الذي سيقطعه أردوغان في ترويض ولجم الرئيس الأمريكي شاق وطويل، بيد أن السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، اختصر ذلك الطريق بشهادة الإعلامي “محمد الغيطي”، حين استغل وجود الأسطول السادس الأمريكي داخل المياه الإقليمية المصرية، إبان انقلاب 30 يونيو 2013، وأعطى أوامره للضفادع البشرية بأسره، فهل يتعلم أردوغان من “نصاحة” و”فهلوة” السفيه السيسي.. والغيطي؟

أنقرة ليست في حاجة إلى دروس من جنرال فاشل دخل بيت الطاعة الأمريكي مثل السفيه السيسي، ولا من إعلامي مطبل مثل الغيطي، وتبدو مصرة على السير في طريق التوازن– قدر الإمكان– الذي رسمته لنفسها، والذي أفادها حتى الآن كما أسلفنا، ولا تريد العودة للاحتكار الغربي لبوصلة سياستها الخارجية، كما أنها تدرك أيضا خطورة التقارب الشديد مع موسكو، ما يرشح سياستها الخارجية للبقاء ضمن إستراتيجيتها الحالية، مع نقلات تكتيكية تناسب كل ملف على حدة وفق الظروف والمعطيات المتوفرة له في حينه.

تعدٍ سافر

مبدئيا، تنبغي الإشارة إلى أن التقييمات التي ذهبت إلى استشراف القطيعة والمواجهة بين أنقرة وواشنطن فيها مبالغة كبيرة، ولا تعكس واقع العلاقات في الفترة الأخيرة، ولا الأسس التي تقوم عليها، وحتى قبل أيام قليلة فقط، سادت تفاؤلات بانفراجة نسبية في العلاقات التركية الأمريكية التي تعاني من أزمات متعددة ومتزامنة في السنوات الأخيرة، حيث عيّنت واشنطن أخيرا سفيرا جديدا لها في أنقرة بعد شهور من شغر المنصب، وسلمت أنقرة أولى طائرات F35 رغم معارضة الكونغرس، فضلا عن اتفاق الطرفين بخصوص منبج.

إفراج السلطات التركية قبل يومين عن القس الأمريكي أندرو برونسون، المعتقل منذ 2016، بتهمة التعاون مع الكيان الموازي المتهم بالمسئولية عن المحاولة الانقلابية الفاشلة، ونقله إلى إقامة منزلية إجبارية، صبَّ في نفس معنى الانفراجة وتوافقات الطرفين، والمطالبات الأمريكية بالإفراج عن القس رغم نظر القضاء التركي للقضية تعد تعديًا سافرًا على السيادة التركية ومؤسساتها العاملة، كما أنها تعد تعديًا على قيم الديمقراطية الراسخة والتي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية وحاربت من أجلها، لذا فإن التعدي على هذه المبادئ هو إذنٌ بقرب انهيار دولة ترامب، يقول المفكر الغربي الشهير مونتسكيو: “يبدأ انهيار الدول مع انهيار المبادئ التي أسست عليها”.

تحدي العقوبات

لكن مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، أطاح بكل ذلك فيما يبدو حتى الآن، حين اعتبر ما حدث “غير كاف”، وهدد أنقرة بعقوبات اقتصادية إن لم تفرج عنه سريعًا، المعنى ذاته كرره ترامب، في تغريدة له على موقع تويتر، مهددًا تركيا بـ”عقوبات كبيرة” بسبب الاعتقال طويل الأمد لبرونسون مطالبًا بـ”الإفراج الفوري” عنه، وهي تصريحات رفضتها تركيا على ألسنة عدد من المسئولين، في مقدمتهم الناطق باسم الرئاسة ورئيس البرلمان ووزير الخارجية، وبمعنى واحد تقريبا هو “رفض الإملاءات” والتهديدات.

أمريكا لا تحترم نفسها

طريقة الإدارة الأمريكية في تناول قضية القس، ذهبت بالعلاقات الأمريكية التركية إلى منحى أبعد بكثير عما رسمته العلاقات التاريخية بين الدولتين، والتي لا يمكن وصفها إلا بالاستراتيجية، وهو ما يضع علامات استفهام كثيرة على تعاطي إدارة ترامب مع الملفات والعلاقات المستقرة للإدارات الأمريكية المتعاقبة، بل وحتى تعاطيها مع مبادئ الديمقراطية وسيادة الدول، التي تحترم قضاء الدول ولا تتدخل في أعمالها.

القس المتهم موقوف بموجب مذكرة استيقاف ويحاكم أمام قضاء طبيعي وفق الدستور والقوانين التركية التي ارتكب على أراضيها الجرم، والحديث عن التدخل في أعمال القضاء هو حديث يبعد كثيرا عن دول المؤسسات وإدارتها، فلا يمكن فهم مطالبة ترامب للرئيس التركي بالتدخل لحل أزمة القس المتهم إلا على أحد وجهين: إما أن الرئيس الأمريكي يستهين بمؤسسات الدولة التركية، أو أنه يرى في نفسه من القوة بمكان يسمح له بأن يأمر فيطاع.

أزمة القس الأمريكي تتعدى مطالبات رسمية مشابهة للحكومة التركية بتسليم زعيم التنظيم الموازي في تركيا والهارب في بنسلفانيا، والذي يلقى حماية الدولة في أمريكا، وعلى الرغم من أن فتح الله جولن متورط في عملية الانقلاب الفاشلة التي جرت في تركيا في تموز 2016 مطلوب للعدالة، إلا ان السلطات الأمريكية لم تسلمه لتركيا رغم المطالبات التركية التي تعددت من وزير العدل ووزير الخارجية، وحتى وصل الأمر إلى مطالبة رئيس الجمهورية بتسليمه.