بالفقر والقمع.. هكذا يشجع العسكر المصريين على الانتحار

- ‎فيتقارير

من سنن الله في أرضه أن يملي للظالم ويأخذه في أشد لحظاته غرورا وزهواً، وربما بلغ السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي هذه اللحظة من الغرور أو اقترب منها كثيراً، يؤكد ذلك مشهد انتحار فتاة الاثنين الماضي، أمام قطار مترو الأنفاق بالقاهرة، وهو ما بات يثير تخوفات من تعدد الأسباب التي تدفع الشباب للهروب من واقعهم تحت حكم الانقلاب للموت، وما زاد من هذه التخوفات انتشار الانتحار بين المصريين منذ انقلاب 30 يونيو 2013.

ازدياد ظاهرة الانتحار في مصر لا تحتاج إلى تفسير، فسبب الانتحار الغالب هو عدم قدرة هذا الشخص على تحمل الضغوط الاقتصادية الهائلة الناتجة عن الغلاء الفاحش وتدني الأجور في هذه الفترة، والمنتحر يقوم بالانتحار عقابا لنفسه على عدم قدرته على التحمل والتدهور الاقتصادي، فلماذا يقوم المصريين بعقاب أنفسهم على جريمة لم يرتكبوها؟.

يقول الناشط خالد اريكسون:” أول أمس شاب بالشرقية في الثلاثين من عمرة يشعل النار في نفسه أمس ربه منزل تنتحر تحت عجلات المترو بمحطة الزهراء وشاب من المنصورة يلقي بنفسه في النيل اليوم فتاة في الإسكندرية تنتحر وفتاة أخري تلقي بنفسها تحت عجلات المترو الجميع يشتركون في سبب واحد للانتحار ضيق ذات اليد وعدم القدرة علي توفير متطلبات الحياة”.

مضيفاً:”الكلام ده معناه أن الناس يأست من تحسن الأوضاع ومبقتش قادرة تستحمل وللأسف الناس دي ملقتش حد يساعدها أو يقف جنبها ، إحنا بقينا وحشين أوي ومعظمنا بيقول يالله نفسي صحيح لكل اجل كتاب ولكل شئ سبب بس كان ممكن 200 جنيه أو 500 أو 1000 كانوا اقنعوا أي حد فيهم يعدل عن فكرة الانتحار بس هقول إيه اجلهم كده، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من أيد السيسي بكلمه أو فعل ربنا ينتقم منكم يا ظلمه”.

الانتحار أو القهر

الكثير ممن كانوا فوق خط الفقر تهاووا إلى ما دونه بعد الموجة الأخيرة من اشتعال الأسعار وارتفاع سعر البنزين والكهرباء والغذاء، وقد قال إريك أوفر في كتابه “المؤمن الصادق” أن من يستطيع الثورة ويريدها ويناضل لتحقيقها؛ هو ذلك الذي سقط في الفقر بعد أن كان بعيدا عنه، إلا أن فقراء مصر الجدد على الأقل من نشاهدهم ينتحرون قرروا إنهاء حياتهم بدلا من التمرد على الانقلاب، وهذا له بعض أسباب.

البطش الأمني لا يعني السجن فقط، فلا مشكلة عند الكثير من المناضلين أو الرافضين للانقلاب، من أن يقضوا حياتهم أو جزءا منها بالسجن، ولكن المشكلة في التعذيب وانتهاك الأعراض والإذلال والتضييق على الأسر، بل وأحيانا تدمير حياتها، كل هذه الأمور تجعل تكلفة الموت أقل من التمرد، وقد نجح الانقلاب في نشر تلك الصورة الذهنية مما يرفع من تكلفة المقاومة ورفض الانقلاب.

كما استطاع الانقلاب تأميم المؤسسات الدينية لصالحه وحولها لنموذج كنسي مشابه للعصور الوسطى، فأصبحت المحلل الديني للاستبداد، وهذه القوى تحمل رصيدا كبيرا لدى قطاعات واسعة من المصريين، ربما بدأت في التآكل، إلا ان انهيارها يحتاج إلى وقت وضغط كبيرين، وأصبح الخطاب الرسمي لها هو داعم للاستبداد وضد المقاومة باسم الله والدين، وهذا يحتاج لتفتيت من الجذور.

وأرجع خبراء السياسة وعلم الاجتماع والطب النفسي، الذين تحدثت إليهم “عربي21″، تزايد حالات الانتحار، خاصة بين الشباب؛ لغياب الأمل والتفاؤل لديهم، في ظل ما تشهده مصر من انسداد سياسي، وتأزم اقتصادي، واتساع دائرة الفقر، لتلتهم معظم الطبقة الوسطى بالمجتمع المصري.

المخرج الوحيد

من جانبه، يؤكد أستاذ الطب النفسي، سامح عيسى، أن ارتفاع حالات الانتحار خلال الفترة الماضية له أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية، جميعها تمارس ضغوطا على المواطن المصري، موضحا أن كثرة أعداد الشباب وتنوع دياناتهم وثقافاتهم ومستواهم الاجتماعي، وكذلك تنوع المربعات السكنية التي ينتمون إليها، يشير إلى خطورة هذا التطور.

ويوضح عيسى أن الموضوع وإن كان لم يصل لحد الظاهرة، إلا أن الشواهد التي تحيط به تطلق جرس إنذار خطير لتطور عملية الانتحار واقترابها من الظاهرة، خاصة أن زيادة وتيرتها وتزامنها نذير خطر، حيث أصبحت أقرب لعملية هروب في اتجاه الموت، بعد غياب الأمل، وتوقع الفشل، وعدم وجود دلائل لتغيير المستقبل الذي ينشده المنتحرون، سواء كانوا شبابا أو فتيات أو حتى كبار السن.

ويستدل عيسى بالجريمة التي ارتكبها نجل أحد الممثلين المشهورين قبل أيام، والذي قتل زوجته وأبناءه، بعد أن وجد في ذلك المخرج الوحيد من حالة التأزم الاقتصادي التي يعيشها ولا يرى لها حلا، وهو ذاته ما تشير إليه التحقيقات الأخيرة في حادثة رجل الأعمال الذي قتل كل أسرته بمدينة الرحاب الغنية، والتي كانت حديث المجتمع المصري قبل شهر.

ويري أستاذ الطب النفسي أن خطورة تزايد حالات الانتحار تشير كذلك إلى ارتفاع نسبة الاكتئاب داخل المجتمع المصري، وبالتالي فإن انتشار وتوسع الاكتئاب نتيجة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية يمكن أن يكون له تأثيرات متعددة على المجتمع، مثل ارتفاع حالات الطلاق، وتأخر سن الزواج، والهجرة غير الشرعية، والعزلة، والخوف الدائم من الفشل، الذي ينتهي في النهاية لمحاولة الهروب من الواقع المؤلم لواقع آخر قد يكون الموت من بين اختياراته.