تقشفوا بينما نكدس المال.. ماذا يحدث في سوق مشايخ السيسي على الفضائيات؟

- ‎فيتقارير

مثل المسلسلات والأعمال الدرامية، تعتبر البرامج الدينية علامة من علامات البيزنس في شهر رمضان الكريم، إذ تدخل غالبية القنوات السباق الرمضاني كل عام، وقد تزينت خريطتها بمجموعة من برامج مشايخ ودعاة العسكر، التي أصبحت وسيلة للربح، أكثر من كونها وجبة توعوية ودينية تشبع رغبة المشاهد، مع تحقيق الانتشار ونسب المشاهدة العالية، اعتمادًا على أن بوصلة الجمهور تتجه صوب البرامج الدينية أكثر من غيرها على مدى أيام الشهر الكريم.

وأعلنت مجلة “فوربس” في وقت سابق أن صافي ربح الداعية عمرو خالد بلغ 2.5 مليون دولار خلال العام السابق فقط، وخلال تقريرها، أكدت المجلة أن مصادر دخل الدعاة تأتي بالدرجة الأولى من الإنتاج التليفزيوني والبرامج التي تبثها عديد من المحطات في العالم العربي ويتابعها ملايين المشاهدين، الذين يتوقف كثير منهم أحيانًا، خصوصًا عندما تطول الفواصل الإعلانية، ليتساءل: إلى أين تذهب كل تلك الأموال التي تُراكمها متابعتهم؟ وهل ينظر هؤلاء الدعاة للمادة بالطريقة نفسها التي يدعون إليها في برامجهم؟

الثراء بعد الدعوة.. أموال دعاة الدين

الداعية المصري عمرو خالد حقق ربح وصل لـ 2.5 مليون دولار العام الماضي.. معلومات هامة حول سُبل جني الأرباح لدى الدعاة الجددالتلفزيون العربي – ترفيه

Gepostet von ‎التلفزيون العربي‎ am Montag, 28. Mai 2018

دعاة العسكر

وفي الوقت الذي تزعم فيه قنوات المخابرات المصرية وعلى رأسها قناة “DMC” أنها لا تهدف إلى التربح من وراء برامج الدعاة، يدعي الكاتب الصحفي محمود مسلم رئيس المحطة، بالقول أن البرامج الدينية قليلة التكلفة، ولا تهدف للربح على الإطلاق، وأن القناة تقدمها طوال العام، ومن ثم فمن باب أولى أن تكون موجودة خلال الشهر الكريم أيضًا، مؤكدًا أن هذه البرامج تهدف لنشر الوعي الديني الصحيح، من خلال دعاة أفاضل ومستنيرين.

وترتجف أوصال الإنسان كل يوم لحجم المكاسب التي يحققها دعاة ومشايخ العسكر، ولعائدات الصفقات التي يوقعونها مع الفضائيات التلفزيونية، فإذا كان دعاة الأمس بالكاد فقراء عصرهم وزمانهم وغالبيتهم عُرفت بالزهد في الحياة إلا للضروريات منها فقط، فإن دعاة العسكر باتوا يصنفون في خانة الطبقة المخملية، تأتيها الدولارات من كل حدب وصوب مقابل فتوى أو حلقة دعوية.

وبتنا نعيش حين حلول كل شهر رمضان حالة غريبة نتيجة “ضوضاء الفتوى الفضائية”، فارتبط الإفتاء بين الحداثي والتراثي، وتسابق المفتون كل من وجهة نظره فاتيا في أمر أو قضية؛ غالبيتها من القضايا التافهة، تملئ الآن القنوات الفضائية العالمية بفتاوى دينية أشبه بالأكلات السريعة “البيتزا” و”ماكدونالدز”، بعدما تحولت فتاوي عدد من الدعاة بـ180 درجة مقابل ملء حساباتهم المصرفية بملايين الدولارات، وخصوصا الذين كانوا في خانة التشدد أمثال عائض القرني.

عدد من المتتبعين لبيزنس برامج الدعوة أكدوا أن موضة الدعاة المعتدلين ظاهرها تثقيف الناس بالدعوة إلى الإسلام وباطنها المتاجرة وجلب المزيد من الإعلانات الفاحشة الثمن، خاصة بعدما روضت عدة أصوات إما بالترغيب وملء أرصدتهم بالملايين من الدولارات وإما بالترهيب الاتهام بالتطرق والإرهاب.

وأوجد سماسرة “البيزنس الإسلامي” مفتون على شاكلة “الإسلام الأمريكي” أو ما يمكن تسميته أيضا بـ”إسلام المارينز” الذين توزعوا عشية رمضان على عدد من القنوات الفضائية بدعم من السفارات الأمريكية لتفسير النوازل على مقاس الإسلام الأمريكي.

وصار من المألوف أن نسمع بعقد صفقات “البزنس الإسلامي” بالملايين عند حلول كل شهر رمضان لدعاة مشهورين موسومين بالوسطية والاعتدال من أمثال القرني والعريفي وخالد عمرو وغيرهم، حتى أن عمرو خالد حصل على خمسة مليون جنيه مصري في برنامج يتحدث عن التقشف والصبر على الابتلاء، وبدا واضحًا أن عمرو خالد ينصح المصريين بالجوع والصبر على القمع بدلا من الثورة على الظلم الذي بات يمثله العسكر.

وحصل عمرو خالد المؤيد لانقلاب 30 يونيو 2013، على مليون جنيه مقابل برنامجه “نبي الرحمة والتسامح”، الذي عرض العام الماضي على “mbc”، وينافسه آخرون مثل معز مسعود، الذي كان يتقاضى نفس الأجر تقريبًا، لكنه اتجه مؤخرًا إلى الإنتاج بنفسه عن طريق مؤسسته «أكاميديا»، التي تبيع برامجه للفضائيات.

الأمر نفسه ينطبق على الداعية اليمني الحبيب علي الجفري، الذي يستضيفه العسكر دائما في المحاضرات التثقيفية للجنود والضباط ويمتلك مؤسسة “طابة”، وهي المسئولة عن إنتاج كل حلقاته ومحاضراته وبيعها، ويرفع الدعاة الذين يتعاملون مع الفضائيات الخاصة شعار: مكسب يساوي مكسب.

شيوخ المخابرات!!

أما خالد الجندي فقد ترك قناة “صدى البلد”، التي كان يتقاضى منها 150 ألف جنيه شهريًّا، لينتقل إلى العملاق المخابراتي مجموعة قنوات «dmc»، التي أكدت مصادر أن ميزانيتها وصلت إلى مليار جنيه ، وهي حاليًا المنافس الأقوى لـ«mbc» من حيث العمليات الإنتاجية، وفي القلب من تلك العمليات أجور العاملين.

وأوضحت مصادر أن الجندي يتقاضى أجرًا يقترب من ضعف راتبه في “صدى البلد”، نظير برنامجه “لعلهم يفقهون”، وقد سبق أن أعلن عائض القرني الذي قدم اعتذارا مؤخرًا إلى الأمير محمد بن سلمان، أن أجور الدعاة في الفضائيات السعودية تتراوح بين 30 إلى 70 ألف ريال سعودي نحو 177 ألف دولار عن كل 30 حلقة في رمضان.

الباحثة هنادي رشدي سلطان أعدت كتابا بعنوان “البعد الاقتصادي للسياسة الإعلامية”، لفتت فيه إلى أن نسبة تفضيل المشاهدين للبرامج الدينية بلغت 59% من عينة بحث ميداني أجرته، متفوقةً على البرامج الحوارية التي تفضلها نسبة 57%، ومن الطبيعي أن تنعكس نسب المشاهدة على الإعلانات، ممَّا يجعل من تلك البرامج استثمارًا مربحًا.

من جهته يقول أشرف الكردي، منتج برامج عمرو خالد والذي أنتج سابقًا للحبيب علي الجفري ومعز مسعود، إنه جنى أرباحًا كبيرة من البرامج الدينية، خصوصًا تلك التي قدمها عمرو خالد، ويحرص دعاة ومشايخ العسكر، على متع الدنيا، ويقيمون في أرقى الفنادق، ويهتمون بمظهرهم، فعمرو خالد مثلًا سبق له أن أجرى عملية زرع شعر، وكذلك الداعية مصطفى حسني، والأخير أثار أزمة حين ارتدى تي شيرت ماركة «Philipp Pleinn» يصل ثمنه إلى 20 ألف جنيه .

أما معز مسعود فيعيش حياة النجوم بشكل حرفي، لِم لا وقد اتجه سابقًا إلى السينما بمشاركته في إنتاج فيلم “اشتباك”، الذي اختاره مهرجان “كان” السينمائي ضمن أفضل 10 أفلام في 2017، وكان طريفًا أن نشاهد الداعية الديني على السجادة الحمراء في فرنسا، فضلا عن تكرار زيجاته من الفنانات.

أما خالد الجندي، الذي بدأ حياته خطيبًا في مسجد شعبي بحي السيدة زينب القاهري، فقال في حوار صحفي إنه يمتلك ثلاث سيارات، كما كان يعتزم شراء سيارة مرسيدس إضافية، وقد دافع باستماتة عن حقه وغيره في تقاضي أجر مقابل الفتوى، وبات الدعاة في زمن العسكر أصحاب رسالة مثل الفنانين وكل قادة الرأي، يبيعون هذه الرسالة للإعلام ويكسبون المال وبجانبه الشهرة.