شواهد وأدلة تعصف بأكاذيب إعلام العسكر حول علاقة البشير بالإخوان

- ‎فيتقارير

بدأ تحالف الثورات المضادة في الوطن العربي، بتشغيل الماكينة الإعلامية المنتشرة في دولة الإمارات والسعودية ومصر، من أجل دق أول إسفين للثورة المضادة بين جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السياسية والثورية والشعب السوداني بشكل عام، من أجل إحداث فتنة مبكرة بين التيارات الثورية في السودان، على غرار ما حدث في مصر وتونس وليبيا من خلال زرع نفس سيناريو الثورة المضادة في مصر، بالحديث عن ركوب جماعة الإخوان موجة الثورة في السودان وعدم مشاركتها، رغم إعلان جماعة “الإخوان” والبيان الرسمي الصادر منذ أول يوم في الاحتجاجات، بوقوف الجماعة بكافة أعضائها وقوتها مع الثورة ضد استبداد العسكر في السودان.

بل إن جماعة الإخوان في مصر قامت بعمل عشرات التقارير المثبتة، في دعم الثورة السودانية، والإشارة إلى الانتهاكات التي كان يقوم بها عمر البشير ضد الشعب السوداني، رغم المزاعم التي تزعم انتماء البشير لجماعة الإخوان المسلمين.

وعلى الفور بدأت ماكينة تحالف الشر (مصر- الإمارات- السعودية) من خلال الفضائيات والمواقع الإخبارية، بالإشادة بدور الجيش السوداني، وانحيازه للجماهير، واستخدام نفس مفردات انقلاب عبد الفتاح السيسي، حيث استخدمت صحيفة “اليوم السابع” مصطلحات انقلاب السيسي مثل “خارطة الطريق”، و”مرحلة انتقالية”، و”الرئيس المعزول”، وقالت الجمعة: “المجلس العسكري السوداني يرسم خارطة طريق المرحلة الانتقالية”.

ووصفت البشير بنفس وصف الرئيس محمد مرسي، قائلة: “السودان يطوي صفحة البشير.. والتحفظ على الرئيس المعزول”، فيما أشادت بما أسمته استجابة الجيش للشعب، واستغل إعلام السيسي الموقف للهجوم على جماعة الإخوان المسلمين.

واستخدمت صحيفة “المصري اليوم”، لفظ وزير الدفاع السوداني “اقتلاع النظام”، وكتبت الجمعة: “الجيش السوداني يقتلع البشير والمتظاهرون يقولون نريدها مدنية”، دون الإشارة إلى رفض المتظاهرين بيان الجيش واعتباره انقلابًا عسكريًّا.

وزعمت فضائية “إكسترا نيوز” أن عزل البشير خسارة جديدة لما يسمى بـ”الإسلاميين وجماعات الإرهاب والإخوان”، وأن الجيش اقتلع نظام حكمهم الفاشي، وتصدى لمليشيات الخارج، وأجهض خططهم ومحاولاتهم توجيه المتظاهرين ووقف سيناريو الفوضى والتخريب، وأن الشارع السوداني رفضهم.

3 أدلة تعصف بالأكاذيب

وبحسب مراقبين، فإن هناك 3 أدلة تعصف بأكاذيب إعلام العسكر حول علاقة البشير بالإخوان:

أولا: أن البشير كان ينتمي إلى أفكار حسن الترابي، وهو الجناح الذي انشق عن الإخوان باكرًا، ثم انقلب البشير نفسه على الترابي بعد ذلك.

ثانيا: ليس للإخوان عضو واحد في البرلمان ولا رئيس بلدية واحدة بالنظام الحاكم.

ثالثا وهو الأهم: أن الإخوان شاركوا في الاحتجاجات الشعبية ضد نظام البشير، وأصدروا بيانات رسمية تؤكد هذا الموقف، كان آخرها يوم الخميس الماضي.

الترابي والبشير والإخوان

في عام 1949 ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في السودان، بعد زيارة قام بها جمال الدين السنهوري، ونشطت مجموعات الإخوان في الجامعات خلال الأربعينات. وفي 1954 تم إنشاء منظمة موحدة تتبنى أفكار الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وبالرغم من انضمام حسن الترابي في أول وهلة لجماعة الإخوان وهو أستاذ عمر البشير، إلا أنه سرعان ما أعلن انشقاقه مبكرا جدا، مع فصيل أبو بكر كرار.

ومع محاولة الانقلاب الأولى ضد الرئيس جعفر النميري، قام بها العميد محمد نور سعد سنة 1976 بدعم ليبي، شارك فيه أعضاء في التنظيمات الكبرى في السودان مثل حزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي، وحسن الترابي، بدأ الترابي الانشقاق فعليًّا والحرب على جماعة الإخوان المسلمين، حيث قام بحل الجماعة، مدعيا أنه أمينها العام، إلا أن الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، الذي شغل منصب المراقب العام للجماعة، رفض حل الجماعة وأصر على تواجدها في السودان بدعم الجماعة الأم في شتى بقاع الأرض، وعلى رأسها مصر، ورفضت جماعة الإخوان المشاركة في الحكم مع الرئيس نميري، وأعلنت أن الترابي لا يمثلها وليس له علاقة بجماعة الإخوان المسلمين.

قام الترابي في عام 1986 بتشكيل ما يسمى بـ”الجبهة الإسلامية القومية”، وهو التنظيم الذي جرى الخلط بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، وفي عام 1991 حدث انشقاق آخر في جماعة الإخوان المسلمين مع انتخاب الشيخ سليمان أبو نارو رئيسا لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنّ الكثيرين ظلوا مع القيادات التقليدية، وبعد أكثر من 10 سنوات قامت جماعة أبو نارو بحل نفسها وتغيير اسمها إلى جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة، بينما كان لا يزال الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد وقتها مراقبا عاما للإخوان المسلمين.

وفي عام 1989 تمكنت الجبهة الإسلامية، بقيادة عمر حسن البشير، تلميذ الترابي، من السيطرة على مقاليد السلطة فيما عرف باسم ثورة الإنقاذ، وتم تغيير الاسم إلى حزب المؤتمر الوطني. ثم خان البشير نفسه أستاذه حسن الترابي، حيث تعرض حسن الترابي للسجن على يد البشير، بعد أن أبعده عن مركز القرار، وكون الترابي حزبا معارضا باسم المؤتمر الشعبي.

وفي 1999 شكل الترابي حزب المؤتمر الشعبي، بعد المعركة مع البشير، وخروج الترابى بمجموعة من الحزب الحاكم لتكوين حزبه المعارض، والذي كان الأشد خصومة حتى اليوم. ليكون انشقاق الترابي عن البشر هو عنوان لانشقاق الشخصيتين عن جماعة الإخوان المسلمين.

بدايات التمرد

وبدأ التمرد على أفكار وتوجهات الجماعة من جانب الترابي مبكرا، حيث تبنى البشير والترابي أفكارا تتحرك بناء على مصالحهما الشخصية بعيدا عن أفكار وتوجهات الجماعة، وظهر ذلك مبكرا في عام 1968 حينما أراد الترابي أن يختطف جماعة الإخوان لحسابه الشخصي بعيدا عن منهج الجماعة، وكان أخطر ما واجهها هو تصاعد الخلافات الداخلية التي تسببت فيها التركيبة الجديدة للجبهة بفكر الترابي المختلف عن منهج الجماعة، فقد برز خلاف بين تيارين: الأول عرف بتيار التربية وكان أقرب إلى نهج الإخوان التقليدي الذي يدعو إلى التركيز على العمل الدعوي وحسن اختيار الأعضاء الممثلين لها، وبين التيار السياسي الذي يميل إلى الاستكثار من الأنصار ويركز على النتائج بقيادة الترابي.

وقد تصاعدت الخلافات حتى بلغت مرحلة الانشقاق بعد فشل المدرسة التقليدية في إزاحة الترابي من القيادة في مؤتمر عقد في أبريل عام 1969. ولكن الانشقاق تأجل بسبب قيام انقلاب مايو عام 1969، الذي جاء بحكومة يسارية معادية للإسلاميين زجت بهم في السجون ودخلوا معها في معارك استمرت حتى عام 1977، حين عقدت المعارضة صفقة المصالحة الوطنية مع حكومة الرئيس جعفر النميري، وشارك الإسلاميون في السلطة بقيادة الترابي، فيما رفضت ذلك جماعة الإخوان المسلمين.

وقد فجرت هذه الصفقة الخلافات داخل الحركة مجددا، وانتهت في عام 1980 بإعلان انشقاق الترابي، واستمرت مجموعة أخرى في قيادة جماعة الإخوان المسلمين، وتبنت النهج التربوي وانضمت رسميا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وقد كان من أبرز زعماء هذا التيار صادق عبد الله عبد الماجد، أحد أبرز زعماء الحركة، وقد كان أيضا يتولى تحرير صحيفة التنظيم في الخمسينات والستينات، والحبر يوسف نور الدائم، وهو محاضر لغة عربية في جامعة الخرطوم.

وقد انتقد هؤلاء نهح الترابي في القيادة وخاصة البراغماتية التي تميز بها، والتي رأى فيها هؤلاء ضربا من الانتهازية، ودعوا إلى التركيز على انتقاء الأعضاء وتربيتهم وسلوك الطريق الشاق الطويل إلى الإصلاح.

ومع انقلاب البشير على النظام الحاكم يونيو 1989، ظلت جماعة الإخوان على ارتيابها في مناهج الترابي، أستاذ البشير وتوجهاته الفكرية. وبالطبع رفضت جماعة الإخوان المسلمين النظام السياسي العسكري الاستبدادي الذي حكم به البشير، وقامت بالاعتراض رسميا على سياساته، لتكون أول المؤيدين للثورة السودانية والإعلان عن ذلك رسميًّا منذ أول يوم، رغم حبس عدد من قياداتها.