مكة و”أبو مكة” ورادس: أين القمة؟

- ‎فيمقالات

انعقدت ما تشبه القمة في مكة المكرمة، وأقيمت ما تشبه المباراة في ملعب رادس، معقل النادي الترجي التونسي، وكان لابد أن يتم إعلان فوز صاحب الأرض، بأية وسيلة، حتى لو لم تكتمل المباراة، أو تتوافر ملامح الحد الأدنى من القمم السياسية.

قد يكون ذلك مفهومًا في مباريات كرة القدم، كما جرى في النهائي الأفريقي الأكبر بين الترجي التونسي والوداد المغربي، وبدرجة أقل في النهائي الكبير بين الزمالك المصري والنهضة المغربي، حيث زئير الجمهور صاحب الأرض يبث الرعب في قلوب حكم المباراة، فيميل كل الميل أو بعضه، وكأنه حتمي أن يسفر اللقاء عن فوز المضيف.

لكن أن يقع ذلك، وعلى نحو أكثر وضوحًا وفجاجةً في قمة سياسية، من المفترض أنها مخصصةٌ لقضايا العالم الإسلامي كله، فهذا هو الغريب والعجيب، والمشين أيضًا، أن يجري تفصيل القمة على مقاسات الدولة المضيفة (السعودية)، وأن تتم هندسة القرارات والنتائج على هوى صاحب الملعب، فيتحول الاجتماع الأممي إلى ما يشبه “المهرجان”، لإعلان الولاء والتأييد لملك السعودية وابنه.

كانت قمة مكة (الإسلامية) أشبه بمباراةٍ سبقتها تجربتان استعداديتان، في المكان ذاته، إذ انعقدت قمّتان، عربية وخليجية، قبلها بسويعات، من أجل تهيئة الوفود للنتيجة التي تريد السعودية الوصول إليها من القمة المتمّمة، وهي تفويض دونالد ترامب بضرب إيران، فجاء الشكل العام وكأننا نتابع اجتماعًا استثنائيًا لمجلس الوزراء السعودي، يترأسه شكليًا الملك، ويحدّد قراراته، فعليًا، ابنه ولي العهد، في حضور رؤساء وحكام دول عربية وإسلامية، بدا بعضهم في لحظةٍ وكأنهم أمراء مناطق في السعودية، جاءوا للمبايعة.

في الكلمة التي ألقاها أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، السعودي يوسف العثيمين، جاء المحتوى أشبه ببيان حالةٍ يلقيه موظف في وزارة الخارجية السعودية، أو الديوان الملكي، حيث استغرقت عبارات الشكر والثناء والإشادة والمبايعة ومباركة الجهود لسيده خادم الحرمين، وسيده ولي عهده، الدقائق الثلاث الأولى من 13 دقيقة هي عمر الكلمة التي غلبت على دقائقها الأخرى عبارات تثمين الجهود الحثيثة التي تقوم بها السعودية لخدمة العالم الإسلامي، وإدانة الهجمات على منشآت الضخ البترولي، السعودية والإماراتية، والإشادة بمهرجانات مقاومة التطرّف والإرهاب التي أقيمت في مصر والإمارات.

في استعراضه مشكلات شعوب العالم الإسلامي وهمومها، تحدث العثيمين عن معاناة المسلمين في جامو وكشمير وناغورنوكاراباخ، ولكن يبدو أنه تناسى أو تجاهل أن هناك مسلمين يعانون أشد المعاناة في سورية التي هاجر نصف سكانها بحثًا عن اللجوء، في ظل توحش النظم المستفيدة من المشروع الإقليمي، للقضاء على ثورات الشعوب العربية، وهو المشروع الذي تقوده السعودية، وتحشد له كل إمكاناتها.

كما لم يتوقف أمين عام التعاون الإسلامي عند مأساة الشعب اليمني الذي يموت أطفاله بالكوليرا وبالقصف السعودي والإماراتي، على نحو ليس أقلّ كارثيةٍ مما ينتج عن ممارسات مليشيات الحوثيين، لكنها عين الحكم التي ترى من زاوية صاحب الأرض، وتصفر على إيقاع جماهير صاحب الضيافة، في الملاعب العربية فقط.

والنتيجة، أن قمة مكة (السعودية) انحدرت إلى ما دون مستوى قمة رادس (التونسية) فيما جاءت قمة (أبو مكة) في مدريد أجدى وأهم وأنفع للناس.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها