هل انتصر السيسي في معركة التعديلات؟

- ‎فيمقالات

ها هي هزلية التعديلات الدستورية في مصر تلملم أوراقها، وهاهم المصريون أمام دستور جديد على مقاس السيسي، حيث كان الدستور قبل التعديلات “ضيقا جدا عليه”؛ لأنه كان محملا ببعض من روح يناير التي وضعت حدا للديكتاتورية المقننة. ومع انتهاء هذه الهزلية، يحتفل المنتصرون بنصرهم (الوهمي)، ويزداد المناهضون الصامدون ثقة في أنفسهم، فقد واجهوا قمع السلطة حين تخاذل أو صمت غيرهم، وقد دفعوا الثمن من أنفسهم وأموالهم وحريتهم، ولم يثنهم كل ذلك عن مواصلة مقاومتهم بطرق متنوعة، تشتد حينا وتخفت حينا.

انتهى استفتاء “الكرتونة” بالنتيجة المحددة سلفا، وبالمظهر المرسوم مسبقا.. رقص كالعادة أمام اللجان، وتوزيع لكراتين (صناديق) الأغذية للفقراء نظير حضورهم وتصويتهم بـ”نعم”، وهي كراتين تم تجهيزها من جيب المواطن نفسه ومن ميزانية الدولة، وهي واحدة من سلة رشاوى قدمتها السلطة لحشد المصوتين؛ كان أبرزها إعلان السيسي نفسه عن زيادات للرواتب والعلاوات، تبدأ في تموز/ يوليو تموز المقبل. وفي المقابل، لوحت السلطة بسيف العقوبات والغرامات ضد المتغيبين، وحرمان أصحاب المعاشات من صرفها، وهذا ما يفسر غلبة كبار السن (العواجيز) على الحضور في اللجان.

قبل الاستفتاء، ظهر شرخ كبير بين دعاة المقاطعة ودعاة التصويت بالرفض، وكان ظهور حملة باطل بمثابة نقطة التقاء (ولو مؤقتا) للطرفين، حيث اعتبرت الحملة كلا الخيارين اجتهادا وطنيا، وأن المساحة التي تجمع الجميع هي رفض هذه التعديات واعتبارها باطلة، ونجحت الحملة في استقطاب أصوات متنوعة بمئات الألوف، وساهم في تسويقها العديد من الشخصيات العامة والفنانين، مثل عمرو واكد وخالد أبو النجا (وإن كان هذان الفنانان ساهما أيضا في توتير العلاقة مجددا مع الطرف الإسلامي، عبر اتهاماتهما وانتقاداتهما المتتالية للإخوان التي دفعت الآخرين للرد عليهم).

لم يكن متوقعا أن توقف هذه الحملة (باطل) التعديلات، ولا أن تسقط نظام السيسي، ولكنها نجحت في إقامة جسر جديد للتواصل، ومناخ أقل تلوثا بين فرقاء الثورة؛ الذين تشاركوا في رفض هزلية التعديات الدستورية، ونجحوا في كشف زيف هذه الهزلية، وبالتالي تأكيد سقوط شرعية السيسي.

النقاش حاليا حول تحويل هذه الحملة إلى منصة دائمة للحوار بين الفرقاء السياسيين، بهدف الوصول إلى مبادئ مشتركة ومشروعات عمل مشتركة تعزز التقارب بينهم، وصولا إلى مشروع سياسي وطني جامع للتخلص من حكم العسكر واستعادة المسار الديمقراطي الذي أنتجته ثورة 25 يناير.

المعركة مع نظام السيسي ليست محض معركة محلية تقتصر على النظام ورافضيه، ولكنها معركة كبرى إقليمية ودولية حول حرية واستقلال شعوب المنطقة، وحقها في تقرير مصيرها، واختيار حكامها والتمتع بثرواتها، وتنمية أوطانها. وتلعب دول محور الثورة المضادة دورا شيطانيا نيابة عن مراكز الشر العالمية الكبرى؛ في وأد ثورات الرييع العربي، وحرمان الشعوب العربية من التمتع بالحرية والكرامة والنماء؛ لأن تمتع الشعوب بهذه الحقوق سينعكس سلبا على حكام محور الثورة المضادة الذين يخشون من رياح الديمقراطية والحرية والشفافية.. إلخ. وفي ظل هذا الوضع، فإن معركة التعديلات الدستورية في مصر لم تكن سوى جولة صغيرة على طريق طويل ومتشعب للنضال داخل مصر وخارجها.

يركز محور الثورة المضادة الآن على إجهاض الثورتين السودانية والجزائرية. وقد سارعت دول الشر إلى السودان، وقدمت له المعونات العاجلة، في محاولة للتقرب إلى السودانيين الذين لم ينسوا لهذه الدول دعمها من قبل لنظام البشير، ورغم أن المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة رفضوا دخول شاحنة غذائية إماراتية، إلا أن المعلومات تشير إلى قبول بعض الكيانات الثورية لدعم إماراتي كبير، ناهيك عن الدعم المقدم للمجلس العسكري الحاكم. وعلى كل حال، فإن الأمور لم تنته في السودان، ولا تزال الثورة في الميدان تحقق كل يوم انتصارا جديدا، كما أن ثورة الجزائر استعصت حتى الآن على مؤامرات دول الشر، وتشهد مظاهراتها وعيا كبيرا تجاه نوايا ومؤامرات تلك الدول مضافا إليها فرنسا. أما ليبيا، فهي التي تشهد المعركة الكبرى بين قوى الثورة والثورة المضادة المحلية والإقليمية والدولية، ورغم الدعم القوي الذي تتلقاه قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من مصر والإمارات وفرنسا، إلا أنها لم تفلح في تحقيق هدفها الذي كان مقررا تنفيذه خلال 48 ساعة، وهو احتلال طرابلس وإعلان حفتر رئيسا لليبيا.

وإلى جانب استمرار المقاومة في مصر وليبيا والانتصارات الأولية في الجزائر والسودان، وطبول الحرب التي تدق ضد إيران، فإن الخطوات تتسارع لتنفيذ صفقة القرن عقب شهر رمضان الكريم. ومن المفترض أن لنظام السيسي دورا مهما في هذه الصفقة؛ التي كان السيسي نفسه أول من أعلن مسماها ودعمه لها في لقائه مع ترامب في الثالث من نيسان/ أبريل 2017. ومقابل هذا الدور الوضيع الذي سيكون على حساب تراب وسيادة مصر، فإن السيسي حصل على دعم أمريكي لتمرير التعديلات الدستورية التي تطيل بقاءه في الحكم.

في ضوء هذا الوضع الإقليمي والدولي الملتهب، والذي يستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة عموما بفرض صفقة القرن، وما يلزمها من تغييرات سياسية واقتصادية وثقافية، فإن على القوى المناهضة لنظام السيسي أن تدرك أن معركتها ضده هي جزء من معركة واسعة في المنطقة كلها، وأن أي انتصار أو انكسار يتحقق في مكان آخر مثل السودان أو الجزائر سينعكس حتما على الحالة المصرية. ولذا، فإن المعارك المستمرة حتى وإن كانت صغيرة أو متوسطة، مثل معركة التعديلات الدستورية ضد السيسي مهمة لإرهاقه من ناحية، ولإشغاله بنفسه من ناحية أخرى، وفي ذلك دعم للموجة الجديدة من ثورات الربيع العربي التي ستنعكس إيجابا في النهاية على الوضع في مصر حال انتصارها، وستمثل حصارا ضاغطا على نظام السيسي وداعميه، وحافزا جديدا للشعب المصري للتحرك لنيل حقوقه أسوة بأشقائه السودانيين والجزائريين.

هل انتصر السيسي في معركة التعديلات الدستورية؟ طبعا هو تمكن بأساليب القهر المعروفة في المرور بمسروقاته (التعديلات). والحقيقة أنه لم يكن بحاجة عمليا لها لأنه حاكم عسكري لم يحترم الدستور يوما، بل إنه وصل إلى الحكم منقلبا على الدستور، وظل متجاوزا ومنتهكا للدستور الذي صنعه على عينه طيلة السنوات الماضية، وكان يمكنه أن يستمر في السلطة قهرا ودونما حاجة إلى دستور، ولكن في المقابل، فقد خرج السيسي من هذه المعركة بخسائر كبيرة تمثلت في فقدانه للقوى السياسية التي دعمته من قبل، ونظرة واحدة إلى استفتاء كانون الثاني/ يناير 2014 واستفتاء نيسان/ أبريل 2019 توضح تغير الخارطة السياسية، فالذين وضعوا دستور 2014، وحشدوا الشعب والعالم لصالحه، من ساسة وفنانين ومثقفين ونشطاء، هم أنفسهم الذين تحركوا في الاستفتاء الأخير للتصويت ضد التعديلات، وهم أنفسهم الذين أصبحوا يصفون السيسي بفاقد الشرعية، منضمين بذلك للقطاع الأكبر من مناهضي السيسي منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وبالتالي، فإن خروج هذه القوى وأنصارها من معسكر داعمي السيسي هو سقوط لآخر أوراق التوت التي كان يستتر بها أمام العالم.

الانتصار الزائف للسيسي في جولة التعديلات الدستورية ليس نهاية المطاف، بل ينبغي أن يكون بداية لعمل مشترك جاد للخلاص منه، فما حدث في معركة التعديلات، من رشاوى وتزييف وضغوط على المواطنين وترهيبهم، ومسارعة في الانتهاء من الاستفتاء دون التقيد بآجال دستورية، وأخيرا العزوف الشعبي الكبير عن المشاركة.. الخ، يؤكد أن النظام فاقد للثقة في نفسه، وأنه يعتمد فقط على قوته العسكرية، وليس القبول الشعبي، وأنه خرج من هذه المعركة أكثر عزلة على المستوى الشعبي، وأكثر شعورا بفقدان الشرعية، وبالتالي فهي فرصة لتوحيد جهود كل المناهضين والمعارضين للسيسي ليميلوا عليه ميلة واحدة.
================
نقلا عن “عربي21”

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها