بيان الأزهر عن “جمعة الغضب”.. كيف طوَّع السيسي “العمائم” لخدمة نظامه

- ‎فيتقارير

البيان الذي أصدره الأزهر تعليقا على مظاهرات "جمعة الغضب" والذي هاجم الانتفاضة الشعبية التي خرجت في كل محافظات مصر تهتف بسقوط الطاغية عبدالفتاح السيسي ووقف جميع صور الظلم التي تمارسها سلطات الانقلاب بحق الشعب المصري يمثل برهانا جديدا على أن السيسي تمكن من تطويع الأزهر وكل أجنحة المؤسسة الدينية لخدمة أجندة نظامه السياسية والاقتصادية حتى لو كانت بالغة الظلم والإجحاف بحق عشرات الملايين من المواطنين.

البيان الذي أصدره الأزهر، برئاسة أحمد الطيب، يزعم فيه أن دعوات التظاهر "هدامة، وهادفة إلى زعزعة استقرار مصر، والإخلال بالنظام العام". ولم ينس البيان أن يشيد البيان بمشروعات السيسي الوهمية حيث جاء في البيان أيضا: "ما يتم إنجازه من مشروعات تنموية مختلفة على أرض الواقع لهو مؤشر واضح في سير مصر نحو الاتجاه الصحيح الذي سوف يؤتي ثماره في القريب العاجل بإذن الله على كافة الأصعدة". ودعا "الأزهر" الشعب المصري إلى الوقوف صفا واحدا خلف الوطن وقياداته، و"تفويت الفرصة على أصحاب الأجندات الخارجية المغرضة".

عنق الزجاجة

وكان قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي قد وعد الشعب المصري مرات عدة بالخروج من عنق الزجاجة وتحقيق الرفاهية للشعب، أول هذه  الوعود الزائفة كان أثناء ترشحه للرئاسة في 2014 مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي؛ حيث تعهد أن  يرى الشعب مصر مختلفة بعد ستنين فقط؛ لكن الشعب في 2016 واجه زلزالين مدمرين الأول، هو التفريط في جزيرتي "تيران وصنافير" في إبريل. والثاني هو الاتفاق مع صندوق النقد في نوفمبر، والذي أفضى إلى سقوط عشرات الملايين من الشعب تحت خط الفقر. وكان آخر هذه الوعود الزائفة في 30 يونيو 2020م، حيث قال نصا "سترون مصر تانية خالص"، وما رآه الشعب هو فرض إتاوات باهظة على أكثر من 20 مليون أسرة بدعوى أن منازلهم بدعوى أنها مخالفة بخلاف هدم عشرات المساجد رغم أن السيسي سن قانونا خاصا لتقنين أوضاع الكنائس المخالفة!

المثير والصادم في بيان الأزهر والذي يأتي متسقا مع بيانات دار الإفتاء ووزارة الأوقاف أنه يناقض بيان الأزهر نفسه في  عهد الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وجاء في البيان حينها الذي أصدره أحمد الطيب: "يؤكد الأزهر أن المعارضة السلمية لولي الأمر الشرعي جائزة ومباحة شرعا، ولا علاقة لها بالإيمان والكفر، وأن العنف والخروج المسلح معصية كبيرة ارتكبها الخوارج ضد الخلفاء الراشدين ولكنهم لم يكفروا ولم يخرجوا من الإسلام". وتابع البيان حينها: "هذا هو الحكم الشرعي الذي يجمع عليه أهل السنة والجماعة".

وكانت مجلة فورين بوليسي، قد نشرت في سبتمبر 2014 تقريرا لـ"روبرت سبرنجبورج" -وهو أستاذ العلوم السياسية بقسم شؤون الأمن القومي في الكلية البحرية الأمريكية وباحث متخصص في العسكرية المصرية بعنوان "التديين للسياسة"، توقع فيه أن يخضع السيسي المؤسسة الدينية لخدمة أجندته السياسية لشرعنة نظامه ومنح البركة لممارساته الدكتاتورية؛  يقول الكاتب إنه "يتوقع أن يستخدم السيسي الدين لإضفاء صبغة شرعية على حكمه الدكتاتوري، وهو ما لم يلحظه المراقبون الغربيون" على حد قوله. ويضيف: "أصبحت المؤسسات الإسلامية في مصر في عهد السيسي أكثر من مجرد أدوات دعم للنظام؛ بل أضحت جزءًا من الطغيان نفسه، ومن المفارقات في حملة السيسي ضد التطرف الإسلامي، أن هذه الحملة نفسها هي نوع من التطرف الديني".  

استخدام الدين

المشكلة أن هؤلاء الذين هاجموا التيارات الإسلامية وقالوا "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، لا يجدون غضاضة الآن في استخدم الدين لدعم السياسات الجديدة المتبعة وتبرير القمع باسم الله، كما كانت تفعل الكنيسة في دعمها لملوك الغرب في العصور الوسطى، ولا يعترضون على "تديين" السياسة، ما يصبغ هالة دينية "شرعية" على كل ما يصدر عن السيسي وحكومته.

ولم تشهد مصر فترة مثل تلك التي أعقبت انقلاب  3 يوليو 2013 في توظيف السلطة  المؤسسة الدينية وخطابا دينيا تبريرا لجرائمها ومواقفها المشينة، واضطلعت المؤسسة الدينية الرسمية وشيوخها أو كهنتها بجزء كبير من تلك المهمة في تديين الخطاب السياسي.  ومن أبرز هذه الشواهد التسريبات التي جرت في أكتوبر 2013، حيث وقف المفتي السابق والشيخ الصوفي الشهير علي جمعة، أمام قادة الجيش والشرطة، وفي مقدمتهم رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي ليقول: «لقد تواترت الرؤى بتأييدكم من قبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن قبل أولياء الله»، وأخذ يردد بحماسة: «الدين معك والله معك والرسول معك والمؤمنون معك». لم يدع جمعة مجالًا لأية معارضة للطريق الجديد الذي يتشكل؛ فتلك المعارضة لن تكون بحسبه معارضة لبشر، وإنما هي معارضة للاختيار النبوي واختيار الأولياء، الذي تجلَّى في الأحلام الليلية، كما قال جمعة.

ولا يعرف التاريخ الإسلامي ما يسمى بالمؤسسة الدينية أو الكهنوتية على غرار الكنيسة في العصور الوسطي، وبالتالي فكرة العلمانية لم تكن مطروحة في السياق الحضاري الإسلامي ، لأن وجه الخطر فيها غير مطروح ، لكن ظهور الدولة القومية الحديثة ، أنهى هذه الاستقلالية للعلماء والفقهاء، وأنتج في دول العالم الثالث المسلمة ظاهرة المؤسسة الدينية وما يشبه الكهنوت الديني الذي يخضع لسيطرة السلطة وتستخدمه السلطة لتعزيز هيمنتها وقهرها للناس ، وهو الأمر الذي يستوجب  ــ بحسب الكاتب جمال سلطان ــ اجتهادا جديدا وشجاعا في الفكر الإسلامي ، لرفع الإصر عن الناس ، وتحريرهم من هذا "الكهنوت" الديني المبتدع ، والذي يعوق تطلعات الشعوب للحرية والكرامة والنهوض، وتحرير الإسلام ذاته من تغول السلطة المستبدة التي صنعت المؤسسة الدينية لتكون خادما لها ومبررا لطغيانها وجرائمها ودعما لبقائها في السلطة قهرا واستبدادا.