خيارات المعارضة المصرية

- ‎فيمقالات

تبدو المعارضة لنظام عبد الفتاح السيسي في مصر قوية على المستوى الشعبي ضعيفة على المستوى التنظيمي، ظهر ذلك في انفجار موجة الغضب الشعبية الأخيرة بدءا من 20 سبتمبر الماضي، والتي استمرت أكثر من أسبوع وعمت قرى وأحياء شعبية في العديد من المحافظات، ولم تتوقف إلا بعد ظهور القوى الأمنية الغاشمة من ناحية وبعد غياب الأفق أمام المتظاهرين من ناحية أخرى.

وكشفت تلك الموجة عن غياب المعارضة المنظمة، واقتصر الظهور الإعلامي على دعوات فردية من شخصيات معارضة، مثل الفنان والمقاول محمد علي والجوكر، وبعض الدعوات عبر الفضائيات المناهضة للانقلاب، في حين غاب تماما أي جسد سياسي معارض منظم عن المشهد الذي كان بأمسّ الحاجة إليه.

لقد نجحت المعارضة المنظمة المناهضة للنظام والتي جسدها تحالف دعم الشرعية لفترة طويلة في إرباك النظام في السنوات القليلة التالية للانقلاب، حتى وإن لم تتمكن من إسقاطه، لكنها نجحت في إبقائه في حالة من عدم الاستقرار، حتى إن قائد النظام لا يعرف له عنوان سكن، وحين كشفت قنوات أنصار الشرعية في تسريبات لها عن مكان إقامة سري للسيسي اضطر لتغييره على الفور.

وظلت مظاهرات أنصار الشرعية تجوب شوارع العديد من المناطق المصرية حتى العام 2017، وتراجعت تدريجيا حد التلاشي بعد ذلك بسبب القبضة الأمنية الشديدة التي جعلت القتل وفي الحد الأدنى الحبس والإخفاء والمطاردة هي ثمن المشاركة في تلك المظاهرات، وهو ما تسبب في سجن آلاف النشطاء الذين كانوا ينظمونها ويسيرون فيها، واضطرار الآلاف غيرهم للهجرة من مصر.

وبغياب مظاهرات أنصار الشرعية خلا الشارع المصري من أي حراك إلا في لحظات استثنائية، مثل مظاهرات الدفاع عن تيران وصنافير، ومظاهرات جزيرة الوراق.. الخ.

يبحث الشارع المصري اليوم عن معارضة منظمة ليلتف حولها، ويلبي نداءها فلا يجد، وقد أثبت الشارع أنه ليس منفصلا عن رموزه الوطنية المقيمة خارج مصر أو ما يسمى بمعارضة الخارج، وفشلت وسائل الدعاية السيساوية في التفريق بين الداخل والخارج، وهو ما ظهر في مظاهرات 20 أيلول/ سبتمبر هذا العام والعام السابق، والتي تمت بناء على دعوات صدرت من الخارج. كما تبنى المتظاهرون في الداخل شعارات وهتافات ووسوما نشرها معارضو الخارج، وهو ما يثبت أنه لو كان هناك كيان منظم للمعارضة المصرية، محل ثقة وتقدير الشعب المصري، فإنه سيلقى من الاستجابة أضعاف ما لاقته النداءات الفردية.

تبدو معارضة الخارج حاليا في أضعف حالاتها رغم الفرص المتاحة أمامها للتحرك، لكن فريقا من المحسوبين عليها أصبح عالة عليها، وخصما منها، بل وداعما للنظام ولو بطرق غير مباشرة أو غير مقصودة؛ حين يقوم هذا البعض بتسريب صور وأخبار اجتماعات خاصة إلى الأذرع الإعلامية لنظام السيسي التي تتفاخر بأنها نجحت في اختراق حسابات وجلسات هؤلاء المناهضين للنظام، وتظهر هذه الأذرع لمشاهديها وكأن الأمر اختراق أمني كبير عبر زرع أجهزة تنصت أو تصوير سرية، وتلمح إلى دور لأجهزة المخابرات في تعقب هؤلاء المعارضين، وقدرتها من ثم على إعادتهم إلى مصر في أكياس (أجولة) أو صناديق خشبية، رغم أن الأمر أهون من ذلك بكثير، وهو قيام بعض الأشخاص المأزومين بإرسال تلك الصور والأخبار، أو أنها منشورة بالفعل على صفحات التواصل الاجتماعي.

ومثال ذلك ما حدث مؤخرا في لقاء لوزير الداخلية التركي مع وفد من ممثلي المصريين في تركيا حول تسهيل إجراءات الإقامة لهم، ولم يكن اللقاء سريا، وقد تم نشر صوره على مواقع وصفحات معروفة، ولم يكن لأجهزة الأمن المصرية أي دور في ما اعتبر اختراقا للاجتماع.. الخ. ومثال ذلك أيضا ما تم بثه من مراسلات هاتفية لبعض الإعلاميين أو النشطاء، حيث أن الأمر لم يكن اختراقا لهذه الهواتف، بل إن هناك من قام بإرسالها بطرق مباشرة أو غير مباشرة إلى تلك الأذرع الإعلامية من بعض أطراف هذه المراسلات لتصفية حسابات مع آخرين.

على مدار السنوات السبع الماضية بذل الكثير من المخلصين جهودا كبيرة لتوحيد الكيانات والشخصيات المناهضة والمعارضة للنظام، وكانت النتائج ضعيفة بتكوين كيانات تمثل البعض وليس الكل. حدث ذلك في تجارب التحالف الوطني لدعم الشرعية، وإعلان بروكسل، وبيان القاهرة، والمجلس الثوري المصري، والجبهة الوطنية ومجموعة العمل الوطني، والحركة المدنية الديمقراطية، ومبادرة وطن للجميع، وحركة قادرين، ومجموعة الحكومة الموازية.

ووصل الأمر بتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم إلى أن تركت بعض الكيانات التحالف الوطني للشرعية، كما انسحب الكثيرون من المجلس الثوري، رغم أن الكيانين يغلب عليهما تمثيل القوى الإسلامية. وفي المقابل، فإن القوى الليبرالية التي بقى جسمها الرئيس داخل مصر لم تنجح في تأسيس كيان جامع ومستقر لها، وكانت تجربتها اليتيمة في الحركة المدنية الديمقراطية التي لم تصمد كثيرا أمام الخلافات الداخلية، كما أن رموز تلك القوى التي فرت إلى الخارج لم تنجح في تأسيس كيان جامع لها، وفي الوقت نفسه ترفض حتى الآن (في غالبها) التعاون مع الإسلاميين في أي عمل مشترك مقاوم للنظام.

مع تصاعد القمع الأمني، وشموله لأطياف ظلت في مأمن منه لفترات طويلة، وخاصة من القوى الليبرالية واليسارية، وامتلاء السجون بنزلاء من كل الأطياف، اضطرت الأحزاب العاملة في الداخل للانكفاء على نفسها، أو قبول الفتات الذي يعرضه عليها النظام بتخصيص مقاعد محدودة لها في قوائم انتخابية يجري ترتيبها داخل أقبية المخابرات، كما اضطر الكثير من رموزها للخروج من مصر ليلحقوا بمناهضي الانقلاب في الخارج.

ولم يعد أمام هذه المعارضة بجناحيها الإسلامي والعلماني من خيار سوى التوافق على عمل مشترك وفق القاعدة الذهبية "نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، وليكن الهدف الوحيد أمامها هو تخليص مصر من نظام السيسي الجاثم على صدرها، والمفرّط في أرضها ومياهها وثرواتها، والقاتل والقامع لشعبها.

أما من يريد الاتفاق على رؤية كاملة للمستقبل كشرط مسبق للتعاون، فإنه عمليا لا يريد حدوث اتفاق أو تعاون، لأنه يعلم من خبرة السنوات الماضية أن هذا أمر صعب المنال، فلكل كيان أو حزب توجهاته ورؤاه للمستقبل، والفيصل فيها هو الشعب، بعد تحديد قواعد نزيهة للممارسة الديمقراطية التي تفتح الباب لتمثيل الجميع مهما صغرت أحجامهم.

نحن نقترب الآن من الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير، وهذا تاريخ ذو دلالة رمزية يستحق من كل قوى الثورة أن تستعد له بما يليق به، وليس أنسب للاحتفال به من اجتماع وتوحد أبناء يناير مجددا على مبادئ تلك الثورة، العظيمة، واستلهام روح ميدان التحرير الذي جمع كل الأطياف؛ من مسلمين ومسيحيين، وإسلاميين وعلمانيين، وشباب وشيوخ، ورجال ونساء، وعمال ورجال أعمال، ونخب ومثقفين وفنانين.. الخ، وليس أنسب من ذكرى يناير لإعلان كيان جامع للمعارضة المصرية يكون عونا للشعب، وهاديا لحراكه، وصوتا معبرا عنه في المحافل الدولية وعبر وسائل الإعلام المختلفة في ظل تعتيم إعلامي واسع يفرضه النظام في الداخل. فهل يفعلون؟!
——–
نقلاً "عربي21"