غارة روسية تضرب «القاهرة».. وأمريكا تتوعد السيسي

- ‎فيتقارير

حالة من الارتباك تسيطر على مكونات دولة العسكر، على خلفية أزمة اتفاق القاهرة على شراء طائرات روسية من طراز “سوخوي 35″، والذي يأتي ضمن صفقة عبد الفتاح السيسي مع مجرم الحرب الروسي، فلاديمير بوتين، للاعتراف بالانقلاب وتجاهل دماء الأبرياء في ربوع مصر، وتأمين الاستيلاء على السلطة من غدر أمريكي إبان حقبة الرئيس السابق باراك أوباما.

إلا أن السحر انقلب على رأس السيسي، في أعقاب وصول “العميل” دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ليجد نفسه في مرمى نيران غضب واشنطن حال الإصرار على إتمام الصفقة، على غرار التهديد الأمريكي لأنقرة، في وقت سابق، بعقوبات قاسية لتجنب إتمام صفقة منظومة الصواريخ الروسية.

ويدرك السيسي أنه لا يملك استقلالية الإدارة التركية، وندية الرئيس رجب طيب أردوغان في التعامل مع القوى العظمي، والتي وثّقها في أكثر من مناسبة، تارة بإسقاط طائرة روسية اخترقت المجال الجوي، وتارة أخرى بالمضي قدما في الاستحواذ على “إس 400″، متجاهلة التهديد الأمريكي، بينما قائد الانقلاب يقف في المنتصف تابعًا ذليلًا لا يقوى على خسارة بوتين، ولن يتحمل غضب واشنطن.

غضب البنتاجون

ووجّهت الولايات المتحدة رسالة تهديد لنظام السيسي، عبر وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر، من إتمام صفقة المقاتلات الروسية، وأكدت أن إصرار العسكر على ضم “سوخوي 35” إلى سلاح الجو المصري، قد يعرضها لعقوبات قاسية، فضلا عن تجميد اتفاقات دفاع مع مصر.

وأزاحت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الستار عن رسالة تحذير مهينة لوزير دفاع الانقلاب محمد أحمد زكي، من عواقب تلك الصفقة، وهو الأمر الذي أحدث ارتباكا شديدا داخل معسكر السيسي، بعد أن وجد نفسه بين شقي الرحى، بخسارة أحد الحليفين المتغطرسين في حال إتمام الصفقة أو إلغائها.

ويعول السيسي على إمكانية تغاضي ترامب عن الاصطدام بالقاهرة في الوقت الراهن، تجنبا لخسارة أحد أبرز حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، في ظل التغير المتسارع في المنطقة وتزايد النفوذ الروسي في سوريا وليبيا، وهو الرهان الذي يستبعد تدخلا خشن ضد نظام الانقلاب.

وهمس المقربون من السيسي في أذنه، بأنه يمتلك بعض الأوراق التي تدحض فكرة توقيع عقوبات أمريكية، أهمها على الإطلاق الحفاظ على دعم العسكر لصفقة القرن، إلا أن الرهان يبقى خاسرا إذا ما تجلى أن مصادر غضب واشنطن في وزارة الدفاع، في ظل مشهد ملتبس في بلاد العم سام حول التحقيقات في علاقة الرئيس الأمريكي مع روسيا، ليطول ضغط البنتاجون والسيسي وترامب معًا، خاصة مع الضغوط الإعلامية الممارسة على الصفقة.

وكشفت مصادر صحفية عن أن اتساع دائرة الضغوط الإعلامية، أجبر الإدارة الأمريكية على اتخاذ موقف أكثر تشددا مع العسكر، وهو ما ينذر بأن شهر العسل بين ترامب وتابعه قد ينهار قريبا، بعدما تكلفت فاتورة الدفاع عنه لفترات طويلة، في ملفات حقوق الإنسان وقمع التظاهرات وذبح أي تصور لديمقراطية وليدة في مهدها.

تكرار الأخطاء

ويبدو أن إدارة ترامب أبلغت مصر أنها لن تتهاون في الإصرار على صفقة الطائرات الروسية، واعتبرت أن نظام العسكر لم يستوعب بعد تجاوز واشنطن عن أخطاء الماضي، وعلى رأسها الحصول على أسلحة من كوريا الشمالية، التي تصنفها الولايات المتحدة بأحد محاور الشر في العالم.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد كشفت، في وقت سابق، عن أن الانقلاب اعترف بمحاولة شراء 30 ألف قنبلة صاروخية كانت مخبأة على متن سفينة شحن كورية شمالية في عام 2016، قبل أن تحبطها الاستخبارات الأمريكية، وهو الأمر الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه “أكبر عملية ضبط لأسلحة في تاريخ العقوبات ضد بيونج يانج”.

وتأزمت العلاقات العسكرية المصرية-الأمريكية، قبل أن يقدم السيسي قرابين الولاء من جديد للبيت الأبيض، والقبول صاغرا ببنود صفقة القرن، وخلق منطقة عازلة على الشريط الحدودي مع غزة، والتنازل عن القضية الفلسطينية برمتها، والصمت على نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس.

أزمة ثقة

خبير شئون الشرق الأوسط، جونتر ماير، أوضح في مقابلة مع “دوتش فيله” الألمانية، أن السيسي طلب من أمريكا الحصول على أحدث طراز من مقاتلات F-35 وتم رفض هذا الطلب، قبل أن يسلّم هذه الطائرة إلى السعودية.

وظن السيسي أنه رئيس دولة يمتلك الإرادة، فقرر الاتفاق على شراء 20 طائرة طراز SU-35 الروسية مقابل ملياري دولار، للرد على أزمة الثقة مع واشنطن التي لا تفرض في أسلحتها المتطورة سوى لدول حلف شمال الأطلسي “المقربين”، أو لإسرائيل، لضمان تفوق تل أبيب العسكري على دول المنطقة.

وأشار ماير إلى أن واشنطن تخشى من حصول دول المنطقة على أنظمة روسية، ما يُمكن روسيا من جمع معلومات تقنية بشأن الأسلحة الأمريكية، الأمر الذي يزيد من مخاطر تطوير موسكو لقدراتها الدفاعية لمواجهة التقنيات العسكرية المتطورة لعدوها الأبرز.

حسابات مقعدة

ولا يمكن لنظام العسكر أن ينسى إقدام أمريكا على فرض عقوبات على القاهرة، وهو ما يدحض استبعاد تكرار الأمر، أو عدم أخذ التهديدات على محمل الجد، بعد قرار واشنطن تجميد صفقات الأباتشي عقب انقلاب 30 يونيو، والامتناع عن صيانة المقاتلات الأمريكية.

وهو ما قد يدفع السيسي إلى استغلال الهالة الإعلامية المصاحبة للصفقة، للحصول على أكبر المكاسب من واشنطن نظير التنازل على سوخوي، مع محاولة تجنب الغضب الروسي في ملفات أخرى، على رأسها التدخل العسكري في ليبيا، بتقديم دعم لوجيستي والسماح باستخدام القواعد والمطارات العسكرية المصرية، وكذلك دعم موسكو في حرب الإبادة التي تمارسها في سوريا.

الصفقة التي كشفت عنها صحيفة “كوميرسانت”، باتت وكأنها غارة روسية تضرب النظام الفاشي، ووضعت السيسي في موقف لا يحسد عليه، خاصة إذا تعلق الأمر بعصابة تقتات على المعونة الأمريكية، وتكتسب سيادتها المنقوصة من رضا العم سام والصهاينة، وهو ما يدفع نحو خيارين أحلاهما مر، إما بإلغاء صفقة الطائرة الملقبة بـ”الفارس المدرع”، لإرضاء واشنطن، أو التمسك بإتمام الصفقة، وتقديم مزيد من التنازلات في ملفات أخرى لتجنب السخط الأمريكي، ليبقى نظام السيسي تابعًا ذليلًا بلا كرامة أو سيادة أو إرادة.