هل تسلّم “حميدتي” من السيسي “مانيفستو” ركوب الثورة؟

- ‎فيتقارير

"حميدتي يتفق مع السيسي على تسليم شخصيات إسلامية مطلوبة أمنيًّا إلى القاهرة".. بهذا العنوان أطلّت مواقع وصحف السودان بل والصحف الانقلابية في مصر، لتقطع أي انتظار من نائب المجلس العسكري أن يكون شيئا آخر غير أنه عسكري، ينحدر من بيئات لا تعرف سوى لغة المصالح المادية، وعلى استعداد لتقديم أوراقه نظير مصلحة مقابلة.

الزيارة كانت حديث المحللين والكتاب المصريين والسودانيين على السواء، فزيارة الفريق محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس العسكري في السودان الشقيق، والشهير بحميدتي، يومي 28 و29 يوليو الماضي، ولقائه عبد الفتاح السيسي سفيه الانقلاب، تؤكد أن الإسلاميين والثوار السودانيين هناك ليسوا في مأمن من غدر "حميدتي" وقيادات المجلس العسكري هناك، فهم يستهدفون القضاء على ثورة الشعب السوداني عبر الاحتيال عليها وركوبها".
وأن عسكر السودان "بعد المذابح المروعة التي نفذوها بحق الثوار والمعتصمين، يتحينون الفرصة لتكريس حكمهم ليبطشوا بالجميع دون استثناء، ولعل في تجربة الثورة المصرية خير دليل وبرهان لأشقائهم في السودان، ما يتوجب على الثوار الوحدة والترابط والاعتصام بالقيم الإنسانية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، بعيدًا عن الانتماءات الفكرية.

تسليم المصريين

وأكدت ورقة تحليلية نشرها موقع "إخوان أونلاين" بعنوان "قراءة في زيارة «حميدتي» للقاهرة.. انعكاسات تستهدف الإخوان والثورة"، أن زيارة "حميدتي" للسيسي شددت على ضرورة تسليم الخرطوم "العناصر المطلوبة أمنيًّا من الإسلاميين" إلى القاهرة، وبصفة خاصة من المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمين"، تفعيلا لاتفاقيات التعاون الأمني بين البلدين، والتي وُقّعت في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ولم تدخل حيز التفعيل المستمر بصفة رسمية.

وقال الحقوقي أحمد مفرح: إن تبعات اتفاق "تسليم المطلوبين أمنيًّا" بين محمد حمدان "حميدتي"، نائب رئيس المجلس العسكري بالسودان، والمنقلب عبد الفتاح السيسي، يمكن أن تكون تكليفات صدرت لمليشيات الجنجويد في السودان، التي تتبع حميدتي مباشرة، بتتبع واختطاف شباب المعارضة المصرية وقيادات الإخوان الموجودين داخل السودان، وتسليهم للنظام المصري.

الحقوقي أحمد مفرح حذر، قبل يومين، من تبعات اتفاق "تسليم المطلوبين أمنيا"، بين حميدتي والسيسي، قائلا: "هل ستقوم مليشيات الجنجويد في السودان بتتبع واختطاف شباب المعارضة المصرية وقيادات الإخوان الموجودين داخل السودان وتسليهم للنظام المصري كما يتتبع شباب المعارضة السودانية ويقتلهم ويقبض عليهم؟".

وعن الخطوات التي يجب اتخاذها لمقاومة مثل هذا الاتفاق، أشار إلى عدد من الوسائل "أولا: الإسراع إلى تشكيل لجنة لحصر الشباب والمهددين بالترحيل والبدء في عمل لجان لدراسة الحالات. وثانيا: الحالات التي من الممكن أن تخرج إلى دول أخرى عليها أن تفعل ذلك، والحالات التي لا تستطيع الخروج يتم حصرهم".

وطرح تشكيل مجموعة عمل من المنظمات والجهات المعنية لتسريع العمل بالإجراءات، والبدء في كتابة ملفات الحالات لتكون جاهزة للتحرك في أسرع وقت إذا ما تم القبض على أيٍّ من الحالات التي سيعمل عليها نظام الجنجويد. وقال: "أعتقد أنَّ نظام السيسي قدم قوائم بالأسماء إليه ليتم اعتقالهم وتسليمهم".

وأشار إلى أن "ما يجعل هذا الاتفاق مهمًا هو أن نظام الجنجويد في السودان لا يوجد لديه ملفات يتعامل بها مع الدول المحيطة ومع النظام الدولي إلا الانبطاح ليتم قبوله".

وقال: "أعتقد أن ملف المطلوبين "قربان محبة" للسيسي ليقدم المساعدة السياسية لنظام الجنجويد".

إشغال عن الهدف

فيما أشار الناشط السياسي السوداني صلاح النور أحمد، في تصريحات صحفية، إلى أنه لا يعتقد أن المجلس العسكري بالسودان سيستغل هذه الورقة في الوقت الراهن لسببين: الأول، لا يمكن للمجلس العسكري أن يقدم واحدة من أقوى كروت الضغط لديه بلا مقابل"، مشيرا في الوقت نفسه إلى "أن معظم قيادات جماعة الإخوان غادروا السودان".

وأضاف: "المجلس العسكري لديه ما يشغله من ملفات داخلية ساخنة، ولا يمكن أن يفتح على نفسه بابا آخر لصراع طويل، لا سيما أن معظم قوى الثورة السودانية تعتبر أن النظام المصري يمثل رأس الرمح في الثورات المضادة".

ثلاثة عناوين

ثلاث قضايا بعضها يمثل مصالح للسيسي في السودان كشفتها صحافة الانقلاب، ومنها توظيف نفوذ نائب رئيس المجلس العسكري السوداني بشأن استئناف المفاوضات الثلاثية مع اثيوبيا بشأن ملف سد النهضة، ووعد حميدتي بتفويض لجنة تضم مدير الاستخبارات، ووزير الخارجية، للمشاركة في تحديد موعد "قريب" خلال أغسطس الجاري.

وعوضا عن دعم سيسي الانقلاب المطلق للمجلس العسكري في السودان، وبقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، لحين احتواء الغضب الشعبي، أبدى السيسي رغبته في استضافة لقاءات حوارية بين المجلس العسكري وقوى المعارضة تعوض تجاهله، وبروز الدور الإثيوبي في التوافق في السودان.

أما الملف الثالث الذي تباحث فيه السيسي وحميدتي فيتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين ودراسة عودة انعقاد اللجان الوزارية بين البلدين، لإظهار أن الأوضاع الحكومية في السودان مستقرة، وأن المشروعات المشتركة قابلة للتنفيذ كالربط الكهربائي، والتعاون الأمني الحدودي، والتبادل التجاري، وإلغاء القيود على الصادرات المصرية.

شكل الزيارة

ومن حيث الشكل تأخرت زيارة حميدتي للقاهرة، وهي التي توقعها الخبراء والمراقبون مبكرًا، وأرجعت ذلك إلى تعقد العلاقة بين المجلس وثلاثي الثورة المضادة الإقليميين، مصر والإمارات والسعودية.

الدول الثلاث تتفق على الخطوط العريضة في السودان مثل إقصاء الإسلاميين ودعم العسكريين وتحجيم الحراك الثوري، ولكن لكل منها رجاله في المجلس العسكري؛ فعندما كان رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان يزور مصر، كان نائبه حميدتي يزور السعودية في نهاية شهر مايو 2019.

بُعد آخر يتعلق بشركات استخراج الذهب التي يمتلكها حميدتي وتبيع إنتاجها في الإمارات، فمعظم الخام يُصدَّر إلى دبي، حسبما ورد في تقرير لموقع "لو بلوج" الأمريكي. مع اشتباه بأن موالين للنظام يستثمرون مكاسب غير شرعية في ممتلكات كبيرة في السودان وفي العقارات السكنية في دبي وماليزيا.

ولأن مصر لا تستطيع أن تنافس السعودية والإمارات في هذا الشكل مع العلاقات، من جانب انعدام القدرة على الاستمرار في مثل هذه العلاقات المادية وهي الفقيرة والمديونة حتى النخاع.

الأكثر إهانة

الكاتب الصحفي وائل قنديل اعتبر جلوس محمد حمدان دقلو (حميدتي) بقصر الاتحادية، مرتديا حلة عسكرية مرصعة برتبة الفريق، الصورة الأكثر إهانة لتاريخ العسكرية.

وهو من ارتكب "جرائم حرب في دارفور، ليضع السلاح في أيديه، ويطلقه زعيمًا لمليشيا من الرعاة تنفذ له مذابح جماعية وفظائع إبادة وتطهير عرقي، ضد سكان إقليم دارفور".

وقال الكاتب الليبرالي رئيس تحرير "العربي الجديد": "لا أعلم ما هو شعور عسكري حقيقي، سابق أو حالي، خاض حروبًا ومارس العسكرية في ميادينها الحقيقية، وهو يطالع صور لقاء شخصين، أحدهما مقطوع الصلة تمامًا، عمليًا ونظريًا، بالعسكرية، والآخر لم يشارك في حربٍ طوال حياته، إلا حربه على المدنيين في ميدان رابعة العدوية وسيناء.

الخلاصة فضحت زيارة السيسي ونظامه، والذي يروج دائما بأن وظيفته هي مواجهة المليشياوية، لكنه يلتقي زعيم أكبر مليشيات سودانية "الجنجويد" متهمة بارتكاب فظائع وانتهاكات ومذابح وحشية.