يقينك ثورة.. وثورتك يقين

- ‎فيمقالات

هم الآن يسخّرون كل أسلحتهم الفتاكة لإحراق مساحات اليقين في ضميرك .. يشعلون حرائق في كل بؤرةٍ من بؤر التذكّر والإيمان بأنك، ذات يوم، استطعت، حين أردت وعزمت ومضيت في طريق وعرة باتجاه حلمٍ كان مستحيلًا.

وأنت تستقبل العيد التاسع ليوم انتصارك على ضعفك وعجزك وخوفك، من المهم أن تشحذ ذاكرتك، وتسترجع التفاصيل، وتسأل نفسك أين كنت ليلة الخامس والعشرين من يناير/ كانون ثاني 2011؟ لم يكن هناك في تلك الليلة سوى مكانين وموقفين، مكان صغير تقف فيه أقلية تتهجّى حروف الحلم، وتنثر ورود الأمل، بيقين أن فجرًا سيأتي، لترفع فيه أذان الثورة، وأن الله لن يضيعها .. كانت أقلية موقنة، منذ البداية، أن نضال أسلافها وآبائها لا بد أن يتواصل ويكتمل ويثمر، هذا النضال الممتد منذ تظاهرات الطلبة في عام الضباب 1972 طلبًا للثأر واسترداد الكرامة المهدرة في صيف العام 1967، مرورًا بانتفاضة الشعب في وجه سارقيه 18و19 يناير 1977 ثم الغضب النبيل ضد الانسلاخ من الجسد العربي والالتحاق بالمشروع الصهيوني، مع هبوط أنور السادات في كنيست العدو، ثم المقاومة الشعبية للتطبيع على مدار الثمانيات، والمعارضة الجسورة لفساد التسعينات ونهب مصر بالخصخصة، ثم مع بداية الألفية وقيام مشروع وطني ضد توريث الحكم وضد مصادرة الأمة المصرية لمجموعة الأوليغارك النهّابين، وهو المشروع الذي أخذ أشكالًا عدة، من حركة كفاية، وكفاح النبيل عبد الوهاب المسيري، ثم عمال المحلّة، وولادة حركة 6 أبريل.

كانت القلة المحبة لمصر حقًا تدرك أن هذا الشعب ليس بعاطل أو غافل أو منفصل عن الحلم، بل ينتظر الفرصة لينفجر، وهو ما كان.

في المكان الآخر، الأوسع، والموقف الآخر، الأعرض، كانت الأكثرية تسخر وتتندر على هؤلاء المجانين الواهمين الذين يظنون أن شعبًا سوف يستجيب لدعواتهم للخروج طلبًا للحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، في يوم عيد الشرطة التي لا تترحم ولا تتهاون مع كل من يقترب من سور قصر الحاكم الذي تضاعف عدد قوات الشرطة في عصره، حتى زاد عن ثلاثة أضعاف تعداد الجيش. كانت الأكثرية موزّعة بين الشفقة والتندّر على هؤلاء المساكين المبتلين بالحلم في زمن بلا أجنحة وبلا خيال.

لعلك تذكر أن أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن يقدم على الخروج ضد النظام في ذلك اليوم أكثر من عشراتٍ من المصريين الذين كانوا يخرجون في الوقفات والتظاهرات الصغيرة على امتداد سنوات مضت.. وتذكر كذلك أنه، عند منتصف نهار ذلك اليوم المشهود، كان حبل النكتة والسخرية قد امتد بطول البلاد على الواهمين الذين دعوا إلى ثورة وسط شعبٍ لا يمكن أن يثور. وأظنك، مثل كثيرين، أصابهم الذهول حد الجنون، حين جاءت الأخبار أن نحو خمسين ألفًا من المجانين الواهمين الحالمين نجحوا في ملامسة أرض ميدان التحرير، وأنهم تواعدوا على إعادة المحاولة في الثامن والعشرين من الشهر ذاته، لكنهم حين عادوا كانوا بعشرات، بل بمئات الآلاف، في مشهدٍ أشعرك بالخجل من ذاتك، إن كنت، في ذلك الوقت، من هؤلاء الجالسين للفرجة على أريكةٍ وثيرة، كأنك تشاهد مسرحية كوميدية.. أو جعلك تشعر بالفخر، وتمتلئ بالثقة وتقرّر الالتحاق بمن سبقوك، إن كنت من الذين تعاطفوا مع هؤلاء المجانين، من دون أن تقوى على مشاطرتهم الحلم.

كل سنة وأنت طيب وحر وحالم. وبهذه المناسبة، لن نكفّ عن تذكيرك بأنك تستحق حياة أفضل وأكرم مما أنت فيه .. لن نملّ من الطرق على أبواب ضميرك، لتدرك أنك لست فقط تستحق، بل أيضًا تستطيع الحصول على دولةٍ تجد فيها حياة أغنى وأرقى، بدلًا من موت أرخص.

العجز ليس قدرًا، والجبن ليس اختيارك، لكنك تنتظر تلك اللحظة التي تتصالح فيها مع إنسانيتك.