كتب محمد مصباح:
قال د.نادر الفرجاني -أستاذ العلوم السياسية والمفكر المصري- "إن الانقلاب هو نقيض الدولة المدنية الحديثة وعدو الآلية الديمقراطية للتداول السلمي للسلطة، وأن السيسي محترف انقلابات، وانقلابه العسكري الدموي في 2013 ليس الوحيد، بل سبقه انقلابان شارك في التدبير لهما، الأول في فبراير 2011 بتنحية مبارك، والثاني بالانقلاب على طنطاوي وعنان، حيث كوفئ وقتها بالتعيين مكان طنطاوي.
وكتب فرجاني عبر صفحته الشخصية بالفيسبوك: "كما في عهد حكم المماليك، الانقلابية داء توطّن في المؤسسة العسكرية في مصر، تصاعدت وتيرته مؤخرا والسلطان البائس يحمل الرقم القياسي العالمي في حياكة الانقلابات، لاتطلبوا انقلابا آخر ولا تقبلوا به".
وأضاف: "في الدولة المدنية الحديثة لا يُسمع عن جريمة الانقلاب العسكري، فالقوات المسلحة ليست إلا مكونا من مكونات السلطة التنفيذية للدولة تخضع لعلاقات التوازن والمساءلة في إطار الدولة المدنية ككل، والقيادات العسكرية تحديدا تأتمر بأمر رئيس السلطة التنفيذية المنتخب عادة في انتخابات حرة ونزيهة بالتشاور مع السلطة النيابية-التشريعة، وفي مجالات معينه مثل إعلان الحرب تعلو إرادة السلطة النيابية، وعلى الأغلب يكون وزير الدفاع سياسي مدني".
وتابع "وكما يعرف من قرأ تاريخ مصر، تاريخ حكم المماليك لأرض الكنانة ليس إلا تاريخ انقلاب مملوك على مالكه السابق بعد أن جمع من العُدة، عدد المماليك التابعين له والعتاد، ما يكفي للتغلب على حاكمه السابق بقوة السلاح".
ثم أضاف "في التاريخ المعاصر، منذ أن نجح انقلاب يولية 1952، وحقق إبتداء بعض إنجازات مهمة في مجال الاستقلال الوطني مثل إنهاء الملكية وجلاء جيش الاحتلال وفي ميدان الإصلاح الاجتماعي مثل الإصلاح الزراعي ونشر خدمات التعليم والرعاية الصحية، أُحدثت في تاريخ مصر المعاصر فكرة انقلاب قيادات المؤسسة العسكرية على رئاستها. وعلى الرغم من أن التفاصيل مازالت محاطة بستر التعتيم والكتمان، فالراجح أن لم يُتوف رئيس الانقلاب الأول إلا وكان عليه أن يخمد محاولة انقلاب، من نائبه الأول ووزير دفاعه ورفيق عمره ليس إلا، إثر هزيمة القوات المسلحة في حرب يونية 1967 إنتهت بما روج له على أنه “إنتحار” ذلك الأخير".
وأردف "توالت الانقلابات العسكرية في مصر وتسارعت وتيرتها مع الاستسلام للمخطط الصهيوني تحت المسمى المخادع "السلام" الذي فرض الشعب، العارف بعدوه الإستراتيجي، أن يكون سلاما رسميا باردا بين سلطة الحكم التسلطي الفاسد وعدو الشعب والأمة التاريخي".
وتابع "مرة أخرى، وعلى الرغم من الغموض والتعتيم المكثفان، أظن أنه يجدر بنا اعتبار إغتيال أنور السادات- بيد ضابط من المخابرات الحربية صُرف له سلاح وذخيرة حية في عرض عسكري معروف أنه تُمنع فيه الذخيرة كلية- كان على الأرجح انقلابا من داخل المؤسسة العسكرية، تحديدا بواسطة المخابرات الحربية. وهناك من يزعم أن مغتال السادات مازال حيا يرزق ويعيش مكرما".
وأضاف "ويحوز السلطان البائس حاكم مصر الحالي، رئيس المخابرات الحربية السابق، الرقم القياسي العالمي في المشاركة في حياكة الانقلابات بثلاثة انقلابات خلال عدة سنوات قليلة، وإن كان الأول والثاني منها يصنفان ضمن انقلابات القصر الصامتة، بينما الثالث، والأخير حتى الآن، في يولية 2013، كان انقلابا عسكريا ودمويا بكل معنى الكلمة".
ثم أضاف "الانقلاب الأول الذي شارك في حياكته كان في فبراير 2011 الذي أزيح فيه اللامبارك الأول بعد أن امتطت المؤسسة العسكرية الموجة الأولى من الثورة الشعبية العظيمة بدعوى حمايتها بينما كان الغرض الحقيقي والمخفي هو العمل على إجهاضها وعقاب الشعب على اندلاعها".
وتابع "ولا يصح هنا، على الإطلاق، القول بأن المؤسسة العسكرية كانت تناهض توريث الحكم لإبن اللامبارك الأول حرصا على الديمقراطية، فالقول الأصح أن غرض المؤسسة العسكرية كان استمرار توريث رأس السلطة داخل المؤسسة ذاتها لضمان امتداد استبدادها بالبلاد والعباد. ويلفت النظر هنا أن تنحية، وليس تنحي، اللامبارك الأول جرى لصالح المؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس الأعلى القوات المسلحة، في إجراء لا سابقة له في الدستور والقانون، وليس لنائبه الذي عينّه قبل أسابيع قليلة. وهل يمكن فصل ذلك الإجراء الشاذ عن محاولة إعتيال نائب رئيس الجمهورية، الرئيس السابق للمخابرات العامة، الغريم التقليدي للمخابرات الحربية في السعي لسيطرة المؤسسة العسكرية على مصر وأهلها؟
الانقلاب الصامت الثاني للسلطان البائس جاء ضد رئيسيه السابقين في المجلس الأعلى القوات المسلحة، طناوي وعنان، في خدمة حكم جماعة الإخوان والذي كوفئ عليه بتعيينه وزيرا للدفاع بدلا من الأول.
وكأنه لا يطيق إلا أن ينقلب على رؤسائه، شن السلطان البائس انقلابه الأكبر والأخير على رئيسه المدني في 3 يولية 2013، والباقي تاريخ معروف للكافة".
ثم تابع "ولأنه محترف انقلابات، فهو من ناحية يصعب الانقلاب عليه. وقد أمن نفسه بأعلى درجات التمكين ليس فقط في القوات المسلحة ولكن أيضا في جميع مؤسسات الدولة التي أخضعها لمشيئته التسلطية ولو بتفريغها من مضمونها حتى التدمير".
واختتم "نهاية، من حيث المبدأ، ولأن منطق الانقلاب العسكري هو انتزاع السلطة السياسية بالقوة الغاشمة، وعادة ما يغري أيضا بالسيطرة على الجانب الآخر للقوة في المجتمعات البشرية أي الثروة، فإن الانقلاب هو نقيض الدولة المدنية الحديثة وعدو الآلية الديمقراطية للتداول السلمي للسلطة.. فلا تطلبوا انقلابا، يأسا من صلاح الحال تحت حكم السلطان البائس، وإن كان لكم حق في استبعاد اي إصلاح جاد ما لقي السلطان البائس حاكما ولا تقبلوا، من حيث المبدأ، بانقلاب آخر إن قام".