«صراخ الغوطة».. هل يزعج الضمير العالمي والعربي النائم؟

- ‎فيتقارير

أصبح التعبير عن العجز هو أقصى ما أمكنها أن تنجزه “الأمم المتحدة”، العاجزة عن الحيلولة دون إفناء من تبقى من أهل الغوطة بيد البطش الروسي-الأسدي، حتى بياناتها عجزت عن القول والكلام، ومنظماتها تطالب بضبط النفس، إنه العجز العالمي المنكشف أمام دماء وأشلاء أبناء الغوطة.

“لم يعد هناك كلمات تنصف الأطفال القتلى، ولا أمهاتهم، ولا آباءهم، ولا أحباءهم”، هنا ينتهي البيان الذي أصدرته “اليونسيف”، أكبر منظمة معنية بالطفولة العالمية، تظهر عجزها عن الوقوف في وجه قتلة العصر، الذين حولوا أطفال سوريا إلى وليمة يتناوبون على هتك طفولتهم، ونهش لحمهم ذويهم.

مجزرة القرن

«نعيش أسوأ أيام حياتنا في الغوطة».. هكذا اختصرت مديرة مستشفى الغوطة الشرقية أماني بالور ما تتعرض له المنطقة الواقعة شرق العاصمة السورية دمشق من قصف مكثف خلال الأيام القليلة الماضية، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 275 مدنيا منذ بداية التصعيد يوم الأحد الماضي.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن 58 طفلاً و42 امرأة بين القتلى، إضافة إلى إصابة أكثر من 1200 شخص في القصف المستمر الذي يشنه طيران النظام السوري، حسب سكان ونشطاء، ويوضح المرصد أن حصيلة القتلى هي الأكبر منذ القصف الكيماوي الذي وقع في الغوطة الشرقية في عام 2013 وأدى إلى مقتل ما يقرب من 1400 شخص.

ونقلت شبكة «سي إن إن» الأمريكية عن مديرة مستشفى الغوطة وهي أيضا طبيبة أطفال قولها: «إننا، في الغوطة، نتعرض للقصف منذ أكثر من خمس سنوات، وهذا ليس بجديد علينا.. لكننا لم نشهد قط شيئا مثل هذا التصعيد».

“إنه العار”

جملة قالها وزير فرنسي قبل أيام، معقبًا على عجز المجتمع الدولي إزاء المذبحة، وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر -في تغريدة لها- إنها تحتاج إلى الدخول فورا إلى الغوطة الشرقية بسوريا، ووصفت الأوضاع هناك بأنها تمثل الإنسانية بأقبح صورها.

كما طالبت اللجنة بالسماح بنقل المساعدات إلى الغوطة خاصة للمصابين في حالة خطيرة ممن يحتاجون إلى العلاج في الجيب الخاضع لسيطرة المعارضة، القريب من دمشق.

وقالت المتحدثة باسم اللجنة يولاندا جاكيمي “ندعو كل من يقاتلون إلى ضبط النفس واحترام القوانين الإنسانية الدولية عند استخدام أسلحتهم، ونتوقع أن يزداد الوضع سوءا”.

ويعيش حوالي 400 ألف مدني في الغوطة الشرقية الواقعة ضمن مناطق “خفض التوتر”، التي تم التوصل إليها خلال مباحثات أستانة، العام الماضي، بضمانة من تركيا وروسيا وإيران.

“ما يحدث الآن ليس مجرد تصعيد بل انتقام وتطهير عرقي”.. هكذا جاء تعليقات النشطاء على المجزرة المروعة التي ينفذها بشار بحق أبناء الغوطة.

وارتبط اسم الغوطة الشرقية بما يعرف بـ”مجزرة الكيميائي” عام 2013، والتي قتل فيها نحو 1300 مدني بعد أن قصفتها قوات النظام بالسلاح الكيميائي، لكن عداد الموت لم يتوقف فيها منذ سيطرة المعارضة عليها عام 2012.

نظام دموي

على الرغم من تمكنه من السيطرة على بعض مدن الغوطة وبلداتها في السنوات الماضية عبر ما تسميه المعارضة بـ”اتفاقات التهجير” بعد القصف والحصار، فإن نظام الرئيس بشار الأسد والمليشيات الموالية له فشلت في اقتحام معظم مناطق الغوطة أو السيطرة عليها عسكريا.

ودفع النظام السوري بقوات من الحرس الجمهوري تارة وقوات النخبة في الجيش تارة أخرى فضلا عن مشاركة مقاتلي حزب الله اللبناني في مرات عديدة في محاولات اقتحام الغوطة لكن دون جدوى، غير أن النظام يحضر منذ أيام لحملة كبرى عليها بقيادة الجنرال في الحرس الجمهوري سهيل الحسن.

ويأتي هذا القصف في إطار حملة جوية ضارية تشنها الطائرات الروسية والسورية على معظم بلدات الغوطة المحاصرة التي تضم نحو أربعمائة ألف شخص يعيشون في أوضاع شديدة السوء، فيما تتواتر تقارير عن حشود عسكرية تمهيدا لهجوم واسع على الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها فصائل أبرزها جيش الإسلام وفيلق الرحمن.

كما أنه يأتي في وقت تحدث فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن احتمال تطبيق سيناريو الحملة العسكرية على معاقل المعارضة في مدينة حلب، والتي قتل فيها آلاف المدنيين، وانتهت أواخر 2016 بتهجير السكان ومسلحي المعارضة.

كما أن المبعوث الدولي إلى سوريا ستفان دي ميستورا حذر من أن التصعيد في الغوطة قد يتحول إلى تكرار ما حدث في حلب التي كانت المعارضة المسلحة تسيطر على أحيائها الشرقية. يأتي ذلك فيما اكتفت الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة بالتعبير عن قلقها مما يجري في غوطة دمشق.

جرائم حرب

من جهة أخرى، قالت منظمة العفو الدولية إن «جرائم حرب فظيعة» ترتكب في الغوطة الشرقية بمعدل غير مسبوق.

ونقلت صحيفة «الغارديان» عن الباحثة في المنظمة ديانا سمعان قولها: «الناس لا يعانون فقط من الحصار المستمر منذ سنوات وإنما محاصرون الآن في سيل من الهجمات اليومية تقتلهم وتصيبهم عمدا، ما يمثل جريمة حرب فظيعة».

ونقلت الصحيفة عن أحد الأطباء في الغوطة قوله «إننا نشهد مجزرة القرن الحادي والعشرين. وإذا كانت مجزرة تسعينات القرن الماضي هي سربرينيتشا، ومجزرة الثمانينات هي حلبجة وصبرا وشاتيلا، فإن الغوطة الشرقية هي مجزرة القرن الحالي».

ويروى الطبيب قصته مع طفل تعرض للقصف قائلا: «جاءني قبل قليل طفل أزرق الوجه وبالكاد يتنفس، وفمه مليء بالرمال، قمت بتفريغه بيدي. لا أعتقد أن ما نفعله تحويه كتب الطب، طفل مصاب يتنفس برئتين تملأهما الرمال. تستقبل طفلاً عمره عام تم إنقاذه من الحطام ويتنفس رمالا».

وواصل النظام السوري قصفه على الغوطة الشرقية، وذكر المرصد أن قوات موالية للنظام أطلقت الصواريخ وأسقطت براميل متفجرة من طائرات هليكوبتر على بلدات وقرى بالمنطقة الريفية التي تقع خارج دمشق.