على غرار العلاقة العاطفية التي نشأت بين الكيان الصهيوني وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي بمصر، وزينها نظام الانقلاب باستيراد الغاز من الكيان مقابل 15 مليار دولار، قال كاتب إسرائيلي إن إسرائيل ومصر تعيشان مرحلة من الشراكة الاستراتيجية التاريخية، التي تعتبر خطوة مهمة جديدة في تأسيس وتطوير العلاقات بين الجانبين، داعيا العاهل الأردني أن يقتدي بالسيسي في هذه العلاقة، ويضعها أمام عينه.
وقال الكاتب الإسرائيلي آيال زيسر في مقاله بصحيفة “إسرائيل اليوم” إن هذه العلاقة في ظل وجود جملة من المصالح السياسية والأمنية بين القاهرة وتل أبيب، خاصة في الحرب على التيارات الإسلامية، وتوافق الرؤى في الملف السيناوي، بعد فترة لم تستطع مصر ترجمة هذه المصالح المشتركة مع إسرائيل إلى خطوات عملية على الأرض، واكتفت بالحفاظ على سلام بارد، لكن اليوم لم تعد القاهرة مردوعة من تسخين هذه العلاقات.
وأوضح زيسر، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في الجامعات الإسرائيلية، أنه قبل أسبوعين فقط قدمت إسرائيل دعما للجيش المصري في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، مما يعبر عن تنسيق غاية في العمق بين الجيشين الإسرائيلي والمصري، الذي لم يكن في السابق ليخطر على البال بهذه الصراحة والجرأة، وهو اليوم تعاون عسكري ينضم إلى نظيريه في المجالين الأمني والاقتصادي.
وأضاف أن هذه الشراكة دفعت إسرائيل لأن تسمح لمصر بنشر قوات عسكرية غير مسبوقة في سيناء، بما يخالف اتفاق كامب ديفيد، زاعما أن الصراع الذي تخوضه مصر ضد تنظيم الدولة في سيناء، يضاف لصراعها الداخلي مع الإخوان المسلمين، وتعاملها مع حركة حماس في قطاع غزة.
وأكد أن صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية، تعتبر ردا مصريا على الضغوط التركية الساعية لكي يكون لها موطئ قدم في حقول الغاز المنتشرة بمنطقة شرق البحر المتوسط، لكن المفاجئ هو رد فعل السلطات المصرية على الكشف عن هذه الصفقة.
وأعلن الكاتب الإسرائيلي عن انبهاره بجرأة عبد الفتاح السيسي حين لم يعرب عن اعتذاره عن توقيع الصفقة مع إسرائيل، ولم يتردد، أو يبد تلعثما في الكشف عنها، بعكس ما كان عليه الوضع لدى سلفه نظام مبارك، كما أن السيسي لا يتردد بالاعتراف بقيام التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل، بل إنه يطلب تثقيف الشعب المصري على السلام والأمن مع إسرائيل، وهو ما لم يجرؤ الرؤساء المصريون السابقون على القيام به.
واعتبر زيسر أن السلوك القيادي للسيسي في الآونة الأخيرة، يعتبر نموذجا للقائد الذي يتعامل مع أزمات المنطقة، مطالبا الملك الأردني بالتعلم منه.
التصدير فوق هضبة الحب
يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت تصريحات وزير الطاقة والموارد المائية الإسرائيلي، ياؤول ستينتز، أن السيسي وافق على استيراد الغاز من الكيان الصهيوني، تحت ضغوط إسرائيلية، حيث قال ياؤول: «اكتشاف حقل الغاز المصري؟ إنه تذكير مؤلم لنا بأنه بينما تغط إسرائيل في النوم، وتتلكأ في الموافقة على خارطة طريق الغاز، وتؤخر مزيدا من التنقيب، فإن العالم يتغير أمامنا بما في ذلك تأخرنا في تفعيل خيارات تصدير غازنا».
قبل أيام قليلة من ذهاب كلاوديو ديسكالزي”، الرئيس التنفيذي لعملاق الطاقة الإيطالي “إني” (ENI) لريس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، كان الأول قد سبق زيارته لتل أبيب بزيارة للقاهرة، قابل فيها السيسي، وكان لقاؤهما على خلفية عام جيد بين الثنائي المصري الإيطالي، بدأته “إيني” باتفاق لاستثمار خمسة مليارات دولار على مدار أربع سنوات حتى 2019، ثم عُدل الاتفاق بعد أربعة أشهر فقط عند اكتشافات “إيني” في حقول أبو ماضي بحيز الإسكندرية في يوليو، قبل أن تقع بعدها بأقل من شهر، في أغسطس، على ما أسمته بـ«اكتشاف سيغير اللعبة» كليا.
وبعد سيطرة إسرائيل، على حقلي “تمار” و”ليفياثان”. ولأن الحقلين معا يحتويان على احتياطات تقدر بـ25 تريليون قدم مكعب، وهي كمية غاز تتجاوز احتياجات الكيان المحتل في العقود القادمة بمراحل، كانت الخطة الإسرائيلية تقديم نفسها كمُصدر للغاز الطبيعي لجيرانها العرب ولأوروبا، خاصة مع تلميحات إيرانية مستمرة بالرغبة في تصدير الغاز للأردن ومصر.
وعندما وصل “ديسكالزي” لتل أبيب حمل معه هدفا واحدا وهو إنشاء منطقة استثمارات غاز مصرية إسرائيلية مشتركة، وكان هدف لقائه بنتنياهو كما أعلن هو بنفسه، الوصول لتفاهمات تفضي لوضع “إيني” كوسيط رئيس في مستقبل غاز المتوسط بين الجارين. وتم اتفاق مبدئي، في نوفمبر 2015، لتصدير الغاز الإسرائيلي للقاهرة بقيمة 10 مليارات دولار، في فترة ما بين 10 و15 عاما.
وعندما أتى كنز “إيني” الذهبي متمثلا في حقل “ظُهر”، أكبر حقل غاز طبيعي مصري اكتشف في البحر المتوسط حتى الآن، اهتزت الأحلام الإسرائيلية بتحولها لمصدر الغاز الأول في الشرق الأوسط، وتحويل مصر لمحطتها الخاصة لذلك، إلا أنه اهتزاز لم يدم بأي شكل، وأثبتت الأحلام الإسرائيلية كفاءتها مرة أخرى.
وعندما ظن الإسرائيليون أن مشاريع تصديرهم للغاز لمصر ستتوقف لأجل غير مسمى، كان رد وزير البترول المصري حينها، شريف إسماعيل، قاطعا، قائلا بعد اكتشاف “ظُهر” بأيام قليلة: «أي مفاوضات بين الشركات الخاصة في مصر وتلك العاملة في البحر المتوسط، وأنا أعني هنا إسرائيل وقبرص، لن تتوقف. تلك المفاوضات والاتفاقات المحتملة ستستمر»، إلى أن تحققت الأماني الإسرائيلية بالفعل، أو كما وصفه نتنياهو “عيد إسرائيل”.
وصادق السيسي مؤخرا على قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز بعد أن أقره برلمان العسكر، ثم نُشر نص القانون بلا أي مداولات مجتمعية لقانون بالغ الأهمية كهذا يتعلق رأسا بأحد أهم موارد مصر الطبيعية، وسوق له إعلاميا بشكل أغفل أي مناقشات قانونية أو جوانب سلبية له. أما في تل أبيب فقد اضطر نتنياهو لخوض حرب صغيرة مع المؤسسات الحكومية المختلفة لتمرير خارطة طريق الغاز الإسرائيلية.
