ميدان التحرير يعني “الجدع جدع والجبان جبان.. واحنا يا مبارك هانبات في الميدان”، يعني احنا قاعدين واللي خايف يروح واللي مش مصدق يروح يشوف، التحرير يعني سندوتش الفول على تلاته والدنيا تلج، يعني مواجهة أكاذيب إعلام المخلوع مبارك والدعم الإيراني ووجبات الكنتاكي و الـ50 يورو!
في 25 يناير عام 2011 ومن “بلكونة” مطلة على ميدان التحرير كانت الثورة تغلي، جميع فئات المجتمع تتوافد إلي الميدان، لا فرق بين مصري وآخر إلا بالوطنية ومطالب التغيير المعلنة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، زاد توافد المصريين إلى الميدان مبكراً ليمثل دعمًا كبيرًا للمتظاهرين الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، أملاً في مستقبل أفضل، بينما وقف آخرون في وجه الثورة تأييداً للاستبداد وأملاً في الحفاظ على مكاسبهم التقليدية التي اعتادوا جني ثمارها في أحضان السلطة.
من تلك “البلكونة” تدلت لافتة كبيرة تحمل مطالب المعتصمين في الميدان، تلك البلكونة كانت بشقة مواطن مصري يدعى “بيير السيوفى”، كانت شاهدة بعد ذلك التاريخ المجيد الذي هبّ فيه المصريون، ولّت أحداث وأحداث، وتدخلّت السياسة والتوازنات والضغوط لتغير من براءة المشهد النبيل، فصار الواقع أكثر تعقيدًا، وحين سرقت ثورة يناير في انقلاب 30 يونيو 2013، لم يكن “بيير السيوفى” يعلم ان وفاته تسبق أمنياته بسقوط الانقلاب؟
يقول الناشط محمد الخزامي: “درويش ثورة يناير وملجأ ثوارها مات، بيير سيوفب واحد من اجدع الناس اللي ممكن تقابلها في حياتك، وهب نفسه وبيته للثورة والثوار، فتح بيته الغريب قبل القريب، علق من بلكونته يافطة فيها مطالب شعب، سمح لكل القنوات بتسجيل الثورة من بلكونته، ادعوله بالرحمة وادعولنا بالصبر”.

وفاة فنان ثائر
وتوفي صباح الأحد الماضي 4 مارس الممثل والمصور والناشط السياسي بيير السيوفي بعد فترة من المرض، بيير السيوفي شارك بأدوار صغيرة في بعض الأعمال السينمائية وعرفه الكثيرون من النشطاء الحقوقيين والسياسيين لدوره في ثورة يناير 2011.
وشارك “بيير” في بعض الأعمال السينمائية، منها دور “مستر حسان حسان” في فيلم “المنسي”.
ويقول الناشط أشرف عتريس:” لازم تشوفه فى وسط البلد لازم تحفظ ملامحه وتسأل عنه وبغريزة الفضول تحاول تتعرف عليه – تسلم عليه صاحبه الجميل مكاوى سعيد رحل قبل منه – والتانى لحق به اليوم حارس ميدان التحرير – زوربا المصرى جدا جليس زهرة البستان والتكعيبة وأفتر اييت وكل حته فى مصر”.
و كان بيته مفتوحا لجميع الثوار كملجأ للطعام والشراب والراحة، يقول الناشط أحمد خميس:” شايفين البلكونة اللي متعلق فيها مطالب المعتصمين دي؟ ده بيت بيير السيوفي الراجل اللي أحلام الملايين إتعلقت ببلكونته ورسم كل أحلامهم..في المطالب اللي وقتها كانت ممكن تكلفه حياته علي واجهة عمارته….وداعاً بيير السيوفي”.
ويقول الناشط عوض الفخراني: “رحل بيير السيوفى..راهب ثورة يناير..الذى فتح شقته فى ميدان التحرير1 طلعت حرب..لكل من يريد بيات.. أو أكل.. كان بابه مفتوح.. وتجده جالسا على اللاب توب. لاينظر اليك وانت داخل عنده أنت مين ولارايح فين..بل ويقوللك:فيه أكل فى الثلاجة.. تشحن موبايلك ونت.. فاكره: كان مستر حسان فى فيلم”المنسى”.

فيلم الميدان
وظهر “بيير” بشخصيته الحقيقية في الفيلم الوثائقي “الميدان” الذي ترشح لجائزة الأوسكار في عام 2014، وعرف عن بيير أنه يتحدث 3 لغات بطلاقة، واشتهر وسط الثوار لامتلاكه أشهر شرفة في ميدان التحرير بعمارة رقم 1 في الدور الـتاسع، التي كانت تتدلى منها اللافتة الصفراء التي كانت تحمل المطالب الـ7 للثورة.
كانت شقة “بيير” تطل على عشرات الخيام التي نصبت في ميدان التحرير، تتنوع اللافتات المكتوب عليها، فبعضها يحمل اسم “المنوفية قاعدين.. مركز الشهداء”، وأخرى “هنا الجنة”، و”خيمة الشعراء والمطربين”، مشاهد تؤكد اعتزام أصحابها على البقاء والصمود في الميدان، فهل تشهد شقته بعد رحيله فرحة ثانية بتجمع المصريين في الميدان وسقوط الانقلاب؟