“لماذا لا يثور المصريون؟” ، السؤال المهم الذي ينبغي الإجابة عليه، رغم كل هذا الغضب الشعبي والرفض لسياسات اقتصادية مجحفة لطبقات فقيرة، وطالت أيضا الطبقة المتوسطة؟ ، يطلق السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، تحذيرات مستمرة شديدة اللهجة بنبرة غاضبة تميل إلى الخوف، محاولاً بث رؤية تشاؤمية للشعب المصري ، بأنَّ أي تحرك ضده من خلال خروج وثورة جديدة، يهدد مستقبل البلاد بأكملها، وقد يؤدي إلى سقوطها تماما، بما يصعب من الأوضاع المعيشية.
ولا يتوقف السفيه السيسي والموالون له عن ذكر عبارة “مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق” ، في إشارة إلى أن تردي المستوى المعيشي، أفضل من الأوضاع الأمنية المضطربة في البلدين المشار إليهما، وتحول المصريين إلى لاجئين.
الفزاعة التي يصدرها السفيه السيسي رغم أنها لم تعد تؤثر كثيرًا في الشارع المصري، إلا أن تبعات ما حدث منذ 2011 وحتى الآن لا تزال قابعة في أذهان عدد ليس بالقليل من المصريين، بما يجعل من الخروج في ثورة جديدة خطوة ليست محسوبة العواقب.
عمد السفيه السيسي إلى استخدام “القوة الغاشمة” في التعامل مع أية احتجاجات، مع زيادة معدلات القمع للمعارضين خلال السنوات القليلة الماضية، وكان أبرزها القبض على رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح قبل مسرحية الانتخابات الرئاسية لمجرد معارضته للسفيه السيسي، فضلاً عن سجن هشام جنينة عقابًا له على تصريحات أدلى بها فيما يتعلق بكواليس ما حدث عقب ثورة يناير.
وتصاعدت معدلات القمع والتعذيب داخل السجون وفقًا لما جاء في تقرير مركز النديم، وملاحقة الشباب قبل الانتخابات الرئاسية ببضعة أشهر، وحتى الآن، كل هذه الممارسات تهدف بالأساس لخفض حاجز الخوف لأدنى مستوى له، وسط انتقادات شديدة لهذه الممارسات، خاصة وأن القمع ساهم في تراجع الاحتجاجات الشعبية.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن سلطات الانقلاب اعتقلت خلال الأسابيع الماضية 50 ناشطا سياسيا سلميا على الأقل، وحجبت 62 موقعا على الإنترنت على الأقل، وبدأت ملاحقات جنائية ضد مرشح رئاسي سابق، هذه الإجراءات تضيّق أي هامش لحرية التعبير ما زال قائمًا.
هذه الممارسات هدفها القضاء على أي تحركات لعناصر نشطة يمكن أن تشكل كتلة حرجة ونواة لانطلاق أية احتجاجات أو انتفاضة غضب، خاصة وأن السفيه السيسي استخدم القوة في مواجهة الاحتجاجات الأخيرة اعتراضًا على رفع أسعار تذاكر المترو.
وزاد الشرخ بين سلطات الانقلاب وبين الشعب خلال الأيام القليلة الماضية، بقرار زيادة أسعار تذاكر قطار مترو الأنفاق “المترو” ، الزيادات التي تعتبر الأكبر على تذاكر المترو منذ إنشائه في عهد المخلوع مبارك، جاءت متزامنة مع تأكيدات مستمرة من قبل مسئولين في حكومة الانقلاب على زيادة الأسعار في الموازنة الجديدة.
واتخذ السفيه السيسي وحكومته سلسلة قرارات وإجراءات اقتصادية “قاسية” بزعم “الإصلاح الاقتصادي” ، ولكن في حقيقة الأمر هي خطوات لتنفيذ إملاءات قرض صندوق النقد الدولي، زادت من مستوى الغضب الشعبي ضد السفيه السيسي، بالشكل الذي يفرض تساؤلاً منطقيًا حول قدرة المصريين على احتمال مزيد من هذه الإجراءات خلال السنوات المقبلة، فهل يثور المصريون ضد تلك السياسات أم يتحملون مرارة الضغوط الاقتصادية لـ 30 عامًا مقبلة؟
