كشفت دراسة ميدانية عن حقيقة الأوضاع في سيناء بعد الحرب التي تشنها القوات المسلحة في سيناء تحت شعار “الحرب على الإرهاب”، والتي يتم الحشد الإعلامي الكامل لها منذ انطلاقها الجمعة الماضية، حيث أكدت الدراسة انهيار الأوضاع المعيشية بشكل كامل.
وقالت الدراسة الميدانية المنشورة على موقع “مدى مصر”، أمس الأربعاء، “بعد ساعات قليلة من البيان الأول للقوات المسلحة، أُعلن عن تأجيل الدراسة في الجامعات ومدارس شمال سيناء «حتى إشعار آخر»، وأُغلقت محطات الوقود داخل العريش وعلى الطريق الدولي في اتجاه مدينة بئر العبد بأوامر أمنية، ومنعت قوات الأمن العبور إلى سيناء من الضفة الغربية لقناة السويس، وطالبت الجميع بمعاودة أدراجهم؛ بسبب أن معديات القناة مغلقة بأوامر أمنية «حتى إشعار آخر»، حسب اتصالات هاتفية تلقاها السيناويون من ذويهم العالقين أمام معديات الضفة الغربية، كما أن منافذ الدخول إلى محافظتي شمال وجنوب سيناء هي معدية القنطرة للأفراد وأخرى للسيارات، وكوبرى السلام، ومعدية نمرة 6، وكوبري الشهيد أحمد منسي، والذي افتتح مؤخرًا، ونفق الشهيد أحمد حمدي في محافظة السويس، هذه المنافذ منها ما كان يعمل على مدار الساعة ومنها ما كان يعمل خلال أوقات محددة؛ أغلقت جميعها يوم الجمعة الماضي”.
وأضافت الدراسة أن «العملية الشاملة»؛ عزلت سيناء تماما، وكذلك تم عزل مدنها عن بعضها البعض، لتبدأ معاناة الأهالي من أجل التغلب على إجراءات غير عادية.

ونقلت عن محمد سلامة، المقيم في العريش ولديه طفلان، أن أهم شيء لديه كان شراء اللبن لأطفاله الصغار. وقال بشيء من السعادة: «الحمدالله قدرت أجيب كرتونة حليب تكفيني أسبوع»، وفي منطقة العتلاوي وسط العريش، والتي تضم متاجر جملة كبيرة وشوادر خضراوات، توافد الأهالي بالعشرات، ما أسفر عن نفاد السلع والخضراوات قبل الساعة الثامنة من مساء الجمعة، وهو ما تم أيضًا في حي المساعيد بالعريش، والذي يضم أعدادًا كبيرة من المغتربين وطلاب الجامعات.
العديد من أهالي العريش أكدوا أن المشهد كان مرعبًا؛ الجميع يريد أن يشتري أي شيء أمامه بأكبر كميات ممكنة.
وقال تاجر خضراوات، إن الخضراوات تدخل إلى مدينة العريش صباح كل يوم بخلاف الجمعة، وما يُعرض منها يوم الجمعة «التجار بيكونوا شايلينه قبلها بيوم علشان يفرشوا بيه»، وبالتالي الكميات كانت قليلة أمام مئات الأفراد الذين أرادوا شراء كميات كبيرة من الخضراوات مساء الجمعة، مؤكدًا أن الخضراوات الأساسية التي تحتاجها جميع الأسر مثل الطماطم، والبطاطس، والخيار، والبصل، والباذنجان، نفدت بالكامل من المدينة ليل الجمعة.
يقول مواطنون من العريش إن بعض التجار رفعوا الأسعار بشكل جنوني حتى، وصل كيلو الطماطم والبطاطس والخيار مثلًا من 15 إلى 20 جنيهًا، ووصل طبق البيض إلى 60 جنيهًا، وكيلو الفراخ 40 جنيهًا.

عالقون من وإلى سيناء
كما نقلت الدراسة عن العالقين من وإلى سيناء، وعند معدية الأفراد في القنطرة غرب، كان عشرات الشباب والرجال والنساء والأطفال ينتظرون العبور، ولكن أمن المعدية منع الجميع من العبور.
ونقلت عن شخص يدعى خالد: «كان الجميع ينتظر تشغيل المعدية للعبور إلى الضفة الشرقية، ومع مرور الساعات كان العدد يزيد، حتى الساعة الثانية بعد ظهر الجمعة لم يعبر أحد، علمنا أن هناك عملية عسكرية كبرى ولن يعبر أحد إلى الضفة الشرقية».
قرر خالد وشقيقته العودة إلى القاهرة مرة أخرى، وقضاء ليلة داخل أحد الفنادق. آخرون استمروا لساعات طويلة أمام معدية القنطرة غرب على أمل تشغيلها.
في ذلك الوقت، كان عشرات الفلسطينيين من أبناء غزة، من العائدين إلى القطاع أو المغادرين له عبر معبر رفح، قد علقوا داخل مدينتي الشيخ زويد والعريش، بسبب الإغلاق المفاجئ للمعبر صباح الجمعة، وإغلاق الكمائن الأمنية والطريق الدولي الواصل بين المدن.

وتطوع من السيناويين لاستضافة العالقين ممن لم يستطيعوا العودة إلى شمال سيناء بسبب إغلاق المعديات، وكذلك رصد التجار ممن رفعوا أسعار السلع والخضراوات استغلالًا للأزمة، وأيضًا نشر الأزمات التي تواجه المواطنين داخل المحافظة كنقل حالات مرضية أو الإعلان عن مناطق وأحياء وقرى تحتاج إلى سلع غذائية لبعدها عن مركز المدينة، واقتراحات لتجاوز الأزمة.
أزمة رغيف العيش
كما شهدت المخابز زحامًا شديدًا من المواطنين، بعدها بساعات قليلة فتحت أسواق العريش الرئيسية أبوابها مع عرض كميات قليلة من الخضراوات تتهافت عليها أعداد كثيفة من المواطنين.
كان المشهد في أسواق العريش عبثيًا، رجال يحملون على ظهورهم أجولة دقيق وأرز، وآخرون يحملون كمية كبيرة من البقوليات والمكرونة ويضعونها في سيارتهم الخاصة. بعض التجار يخرج بين الحين والآخر عددًا من الأجولة المحملة بالخضراوات، خاصة الطماطم والبطاطس، لتنفد في دقائق معدودة.
اختفت تمامًا الدواجن من الأسواق بسبب إغلاق مدخل المدينة، بعض الأسر من ميسوري الحال اضطروا لشراء اللحوم على الرغم من ارتفاع أسعارها، وبعض الأسر اتجهت إلى المجمدات من اللحوم لسد الحاجة وانخفاض أسعارها.
كانت الأسماك هي المتواجدة نسبيًا في الأسواق، ولكن يبدو أنها سوف تختفي هي الأخرى بسبب قرار منع الصيد في بحر العريش لمدة 45 يومًا.

الحياة تتوقف
خلت الشوارع تمامًا من المارة، وأغلق معظم أصحاب المحال التجارية متاجرهم، واختفت السيارات من الطرقات، والتزم معظم الأهالي منازلهم، وبين الحين والآخر كان يُسمع دوي انفجارات قادمة من المناطق الجنوبية للمدينة، وانقطعت شبكات الاتصال والإنترنت منذ الساعات الأولى للصباح وحتى السابعة مساءً.
مع مرور الوقت وإغلاق المدن على من فيها، بدأت تتكشف أزمات جديدة. فالطلاب المغتربون ممن يدرسون في جامعة سيناء الخاصة، المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، يريدون مغادرة المحافظة بعد الإعلان عن تأجيل الدراسة في الجامعة، لكن إغلاق الطريق الوحيد للخروج من المدينة وعدم السماح لأحد بالسفر، حال دون مغادرتهم. ودفعت الأزمة الجامعة لإصدار بيانات توجيهية للطلاب عليهم اتباعها، ومنها التوجه إلى مبنى الجامعة وتسجيل أسمائهم في محاولة من الإدارة للتنسيق مع الأجهزة الأمنية، مشيرة إلى أن الجامعة سوف توفر لجميع الطلاب ممن يقيمون خارج المدينة الجامعية إقامة لهم مع إمكانية صرف أموال في حالة الضرورة.
في اليوم التالي، الإثنين، أصدرت الجامعة بيانًا مفصلًا، قالت فيه إن 143 طالبًا نُقلوا إلى خارج شمال سيناء، وإن هناك 650 آخرين يجري التنسيق مع الأجهزة الأمنية لنقلهم خارج المحافظة.
أما باقي الطلاب في جامعة العريش الحكومية، فقد أعلنت المحافظة أن عليهم تسجيل بياناتهم على استمارة الكترونية للتنسيق لهم بالخروج، وهم ما تم أيضًا مع الطلاب أبناء شمال سيناء ممن يدرسون خارج المحافظة.
شباب من المتطوعين في لجان الأزمات في العريش، أكدوا أن هناك ثلاث أزمات لا بد أن يكون لها حل عاجل؛ الأولى الخاصة بمرضى السرطان من أبناء شمال سيناء، ممن يعالجون خارج المحافظة. والثانية توقف حملة تطعيم الأطفال، والتي كانت بدايتها يوم السبت، وذلك بسبب توقف السيارات بعد إغلاق محطات الوقود ووجود مناطق مطوقة أمنيًا يُمنع الدخول والخروج منها. أما الأزمة الثالثة فهي تطويق قرى وأحياء على أطراف مدينة العريش من قبل قوات الأمن مثل قرية زارع الخير، وقرية الكرامة وأجزاء من حي الريسة وأحياء قسم رابع العريش، وجميعها لم يدخلها طعام وبداخلها حالات مرضية وطلاب يدرسون خارج المحافظة.