تسبب اختلاف الأطماع والمصالح في إشعال حرب باردة بين فرنسا وإيطاليا بشأن الملف الليبي حيث تتركز الحرب في الجنوب الليبي وذلك في أعقاب الحرب الكلامية التي اندلعت مؤخرا حيث اتهم ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي فرنسا بأنها لا ترغب في استمرار الوضع الليبي مؤكدا وجود خلافات تتعلق بالنفط الليبي؛ مؤكدا أن فرنسا تعتبر الجنوب الليبي منطقة خاضعة لنفوذها في مقابل نفوذ إيطاليا في طرابلس العاصمة.. وبحسب خبراء ومحللين فإن أزمات البلدين الأوروبيين قديمة لكنها زادت مع تسلم الشعبويين الحكم في روما .. الأمر الذي دفع السلطات الفرنسية لاستدعاء السفيرة الإيطالية احتجاجا على هذه التصريحات.
جاءت تصريحات سالفيني على القناة التلفزيونية الخامسة مؤكدا أن فرنسا لا ترغب باستقرار الوضع ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا”.
وقد أثارت هذه التصريحات غضب السلطات الفرنسية التي استدعت السفيرة الإيطالية في باريس، تيريزا كاستالدو، طلباً لتقديم تفسيرات. والمثير للانتباه أن العلاقات الإيطالية الفرنسية تزداد توتراً، وأصبحت الهوة سحيقة بعد وصول ماتيو سالفيني وإيمانويل ماكرون للسلطة.
روما تدعم السترات الصفراء
ولم يقتصر التوتر بين البلدين على قضايا الهجرة، بل وتعداه أيضاً إلى دعم معلن وغير مسبوق من ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو لحركة “السترات الصفراء” الفرنسية، التي هزّت أركان حكم ماكرون ولا تزال. وفي إطار تحيته للمتظاهرين الفرنسيين، كتب دي مايو “السترات الصفراء، لا تَهِنُوا”. وذهبت الحماسة بسالفيني إلى اتهام ماكرون بأنه “يحكم ضد شعبه”. وقال “أدْعَم المواطنين الشرفاء الذين يحتجون ضد رئيس يحكم ضد شعبه”، مُبدياً أمله في رؤيته يرحل عن الحكم.
وأثار هذا الأمر غضب السلطات الفرنسية، التي رأت فيه تدخلاً أجنبياً في شؤون داخلية. وطالبت وزيرة الشؤون الأوروبية الفرنسية، ناتالي لْوَازو، الحكومة الإيطالية باحترام الشؤون الفرنسية “لأنّ الاهتمام بالسترات الصفراء، من أي زاوية كانت، لا علاقة له برفاهية الشعب الإيطالي”. وأعادت إلى الأذهان حرص الإيطاليين على احترام طريقة الحكم في بلدهم، وهو ما يعتبر من حقوقهم، لكنها اعتبرت أن هذا الاحترام هو من حق أي بلد، خصوصا حين “نكون جيراناً وحلفاء وأصدقاء”.
من جانبه، رفض دي مايو التراجع عن موقفه، وقال للصحافيين، مساء الإثنين، إن فرنسا تتلاعب باقتصادات 14 دولة أفريقية تستخدم عملة الفرنك الأفريقي وهي عملة تعود إلى عهد الاستعمار تضمنها الخزانة الفرنسية.وقال دي مايو: “فرنسا واحدة من تلك الدول التي تتسبب، بطباعتها نقود 14 دولة أفريقية، في منع التنمية الاقتصادية في هذه الدول، كما تساهم في واقع مغادرة اللاجئين ثم موتهم في البحر أو وصولهم إلى سواحلنا”.
توتر بدون طلاق
وتناولت صحف غربية التنافس السياسي والأمني الشرس بين فرنسا وإيطاليا على ليبيا، وسط انسداد آفاق العملية السياسية بسبب التناقض في مشروع أمريكا في المنطقة، الذي يهدف إلى إنشاء تحالف عسكري عربي لمواجهة نفوذ إيران المتنامي في المنطقة.
وسلّطت صحيفة “تريبون دو جنيف”، الصادرة في جنيف باللغة الفرنسية، الضوء على التنافس المحموم بين فرنسا وإيطاليا في ليبيا، مشيرة إلى أن أسباباً عميقة وراء الانسداد السياسي الذي تُعاني منه ليبيا، بعد 7 أعوام ونصف من الإطاحة بنظام القذافي.

ومن خلال لقاءات أجرتها الصحيفة مع عدد من المواطنين والشخصيات، توصّلت إلى بعض الخلاصات؛ من بينها وجود “حرب حقيقية من أجل النفوذ بين فرنسا وإيطاليا”، كما نقل موقع “سويس إنفو”.وقال عبد الحفيظ غوقة، وهو ناشط حقوقي وشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي خلال ثورة عام 2011: “لن يكون هناك سلام ولا استقرار في ليبيا ما لم تتوصل المجموعة الدولية إلى توافق”.
وأشارت الصحيفة إلى بعض الأسباب التاريخية القريبة (قرار الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي باستخدام القوة لوقف تقدّم القوات التابعة للقذافي باتجاه بنغازي لسحق المنتفضين)، والبعيدة (انحدار عمر المختار قائد المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي من إقليم برقة) للشعبية التي تحظى بها فرنسا في بنغازي، على عكس التوجّس بل العداء تجاه إيطاليا.
في المقابل تلفت الصحيفة إلى أن المساعدة العسكرية الفرنسية هي التي ساعدت اللواء خليفة حفتر على حسم المعركة التي واجه فيها مجموعات مسلّحة مختلفة المشارب، بين 2014 – 2017، ليحسم الصراع لصالحه من أجل السيطرة على مدينة بنغازي.
ونقلت الصحيفة عن أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش التابع لحفتر: “لقد كانت لدينا مصلحة مشتركة تتمثّل في مكافحة الإرهابيين.. فرنسا كانت تريد ملاحقة المجموعات في البلدان المحاذية لنا جنوبا؛ كتشاد ومالي والنيجر، حيث توجد بكثافة”.
وحديث المسماري يطابق ما اعترف به مستشار سابق عمل بوزارة الدفاع الفرنسية، حينما قال: “عملية بركان (انتشار عسكري قامت به فرنسا منذ سنوات في منطقة الساحل من أجل التصدّي للمجموعات الإرهابية) تُكلّفنا كثيراً جداً، لذلك فإن الوسيلة الوحيدة لوضع حدٍّ لهذه العملية تتمثّل في الوصول إلى إعادة الاستقرار في ليبيا. ومن أجل هذا اختارت السلطة التنفيذية (أي الحكومة الفرنسية) حفتر”، على حد قوله.
إيطاليا تنحاز لحكومة السراج
على العكس من ذلك، اختارت إيطاليا المُعسكر المقابل (الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس) مع منح الأولوية لوضع حدٍّ لتدفّق المهاجرين. وبعد أن أعادت روما افتتاح سفارتها في طرابلس (على عكس فرنسا التي أغلقتها في عام 2014)، قرّرت التفاوض مباشرة مع المليشيات المسؤولة عن عمليات تسيير قوارب المهاجرين من أجل خفض أعدادهم.
وعلى المستوى السياسي يتهم الجنرال خليفة حفتر الذي تسيطر مليشياته على شرق ليبيا إيطاليا بتوجيه الدعم والمساندة لمن يُوصفون بـ”أنصار الإسلام السياسي”، ونقلت الصحيفة عن عبد القادر قدورة، العضو السابق في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة بنغازي، قوله: “يُريد الإيطاليون أن يستلم الإخوان المسلمون السلطة. إنهم يعرفون أن انتخابات يتم إجراؤها في الوقت الحاضر لن تكون لفائدتهم، ولهذا السبب يقومون بفعل كل شيء لتأخيرها”.
من جهته يلفت الباحث جلال الحرشاوي، المتخصّص في الشأن الليبي، والمقيم في باريس، إلى أن حلفاء فرنسا “كبحوا جماحها (الانتخابات)”. وأضاف: إن “حضور الولايات المتحدة للقمّة التي عُقدت يوم 29 مايو 2018، في باريس (وصدر عنها قرار بتنظيم انتخابات عامة يوم 10 ديسمبر)، أيقظها مجددا، فقد قامت المملكة المتحدة وإيطاليا، اللتان كانتا مُعارضتيْن لتنظم انتخابات بمثل هذه السرعة، بدعوتها لمطالبتها بالتحرّك”.
بالفعل، يبدو أن هذا ما حصل، حيث تعززت عملية إعادة توزيع الأوراق من خلال تعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز في منصب مُساعدة لغسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا، حيث اعتبرت الصحيفة أن “عودة هذه القائمة بالأعمال السابقة بالسفارة الأمريكية في طرابلس دليل على عودة وزارة الخارجية الأمريكية -في الكواليس على أقل تقدير– للاهتمام بالشؤون الليبية”.
في هذا الصدد تذهب الصحيفة إلى أن أولوية العم سام لا تتعلّق بمن سيقود ليبيا ولا بمسألة الهجرة؛ ولكن بـ”مراقبة الإمارات العربية المتحدة، شريكها المتململ. فهذه الأخيرة تقود سياسة هجومية تحت شعار “كل شيء إلا الإخوان المسلمين”، من خلال دعمها -مثل فرنسا- للمشير حفتر”.