الإمارات تريد إغلاق قوس الربيع العربي.. هل تشكل الجزائر استثناء؟

- ‎فيعربي ودولي

لم تكتفِ الإمارات الدولة الأكثر عداءً للربيع العربي ودعمًا للثورات العربية المضادة بالكثير من الجهود داخل أراضيها لقمع المعارضين، من اعتقال وتعذيب وسحب جنسيات وترحيل كل من تشك في كونه معارضًا للنظام الملطخ بالصهيونية، بل إن جهد عيال زايد تخطى حدودهم ليشمل الدعم المالي والعسكري للثورات المضادة، وخصوصًا في مصر وليبيا، ومؤخرًا محاولة إجهاض ما تبقى من ثورة سوريا، ومحاولة السيطرة على الجزائر.

سخط عيال زايد المتصهينون من ثورات الربيع العربي عمومًا، وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم على وجه الخصوص، دفعهم أيضًا ليكونوا ملجأ للفارين من العدالة مثل أحمد شفيق، ومحمد دحلان، إضافة إلى أسرة بشار الأسد، وأن تدفع الأموال لصحفيين أجانب وعرب من أجل شن هجوم على من تريد من دول وأشخاص، بل وصل الأمر لدعوة دولة غربية للتشديد على المسلمين المهاجرين.

اللعب في الجزائر

وردا على تصريحاته السابقة التي حملت تخويفا للمتظاهرين وتأكيده على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في ظل الاحتقان الحالي الذي تشهده البلاد، اتهم اللواء المتقاعد في الجيش الجزائري حسين بن حديد قائد أركان الجيش قايد صالح، بتلقى أوامر من الإمارات، موضحا انه يعمل على تأزيم الأوضاع في البلاد.

وقال ” بن حديد” في حوار أجرته معه صحيفة “الوطن” الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية، واطلعت عليه “الحرية والعدالة”: إن قائد الجيش الجزائري يتلقى الأوامر من الخارج، وأنه لا دولة حاليا في الجزائر، مؤكدا أن ما يهيمن على البلاد هي “اللاشرعية المطلقة”.

وأكد اللواء في الحوار أن قائد الجيش الجزائري صالح، وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، يستغلان الوضع الصحي المتدهور للرئيس لفرض حضورهما في أروقة السلطة، وبين “بن حديد” أن هذين الرجلين هما من يديران البلاد منذ بداية تراجع صحة بوتفليقة في 2005، حيث يقوي كل منهما موقع الآخر في السلطة.

ورفض اللواء المتقاعد ترشح الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية القادمة، معتبرا ترشحه غير قانوني وغير دستوري، وعبر “بن حديد” عن دعمه للحراك الشعبي في الشارع الجزائري ضد العهدة الخامسة وترشح بوتفليقة.

مشهد حصاد الربيع

أفرز الربيع العربي بشكل عام واجهتين أساسيتين متقابلتين، هما واجهة الثورة ومن يقف في صفها، وواجهة الثورة المضادة ومن يدعمها. هذا التوزيع لا يختزل المشهد كاملا لكنه يحدد طبيعة الفاعلين الأساسيين في مجال الفعل الثوري، وما خلّفه منذ الانفجار التونسي أواخر 2010.

لقد دعمت دولة الإمارات باكرا قوى الثورة المضادة ممثلة أساسا في الأذرع المالية والأمنية والعسكرية والسياسية للأنظمة التي ضربتها أمواج الثورات، حيث آوت مبكرا عددا هائلا من القيادات التابعة للنظام القديم بدول الربيع، وشكلت بسرعة غرف عمليات معقّدة لإجهاض الثورات وضرب المسارات الانتقالية وإعادة المنظومات القديمة إلى سدة الحكم.

نجحت هذه الغرف في إجهاض أمّ النماذج الثورية متمثلة في الثورة المصرية، عندما دعمت أبو ظبي وكذلك السعودية تدمير أول نموذج للحكم المدني الديمقراطي في مصر، بسجن الرئيس المنتخب محمد مرسي، وإحلال جنرال إسرائيل السفيه السيسي مكانه، وسط بركة كبيرة من دماء المصريين وأشلائهم المحترقة في شوارع القاهرة وساحاتها.

وعملت غرف الثورة المضادة أيضا على إنهاك المسارات الثورية الأخرى في ليبيا، حيث مثّل الدعم الإماراتي للجنرال الانقلابي خيارا مضادا يمنع الثورة الليبية من بلوغ منتهاها، وصناعة مسار انتقالي مدني يخلو من مغامرات العسكر ومن حلم بعث القذافي من جديد.

المشهد لم يقتصر على دعم التجارب الانقلابية، بل تجاوزها إلى ضرب خطوط إمداد الثورات سواء ماديا أو إعلاميا أو سياسيا، وهذا الخيار الذي يمثل جزءا مركزيا في عقل الثورة المضادة هو الذي يفسر حرب الانقلابات على الأنظمة والقوى الداعمة للثورات، سواء خليجيا عبر حصار قطر والعمل على تغيير نظام الحكم فيها بالتآمر العلني، أو عبر العداء الصريح لدولة تركيا.

فما يجمع قطر وتركيا هو رفضهما الانخراط في منظومة الدول الراعية والداعمة للانقلاب على التجارب الثورية وتدميرها، وهو ما يفسر وقوع هذه الدول تحت دائرة التهديد الانقلابي الذي فشل في تركيا أولا، ثم سقط وتبخر في قطر، هذا دون ذكر غيرها من المغامرات الانقلابية الفاشلة، والدعم المادي السخي لمجموعات التأثير الإعلامي الدولية لشيطنة قطر وتركيا وربطهما بالإرهاب.

ولا يختلف اثنان تقريبا اليوم في أنّ أكبر مكاسب الربيع هو الكشف الجلي الذي حققه للوعي العربي بشكل فاق كل حدود الانتظار والتوقع، فمن كان يتصور قبل ثورات الربيع أن تكون طبيعة الوضع العربي كما هي اليوم؟، ومن كان يتصور حجم توحش النظام الاستبدادي العربي كما ظهر في سوريا؟
ومن كان يتخيل أن تخريب الأمة يتم من الداخل لا من الخارج أساسا؟ ومن كان يتوقع في أسوأ كوابيسه أن تكون الأنظمة العربية هي الأداة الأساسية في تخريب أحلام الشعوب وفي قتل طموحاتها ولو كلفها ذلك ملايين الضحايا والمهجّرين واللاجئين؟