ظنّت الشعوب العربية أن ثورات الربيع العربي قد رسمت خط النهاية لظاهرة تمديد وتجديد الولايات الرئاسية لعدد من الحكام أو المومياوات العرب، وأحيانا توريثها مثل سوريا، أو محاولة توريثها مثل مصر مبارك، وليبيا القذافي، والعراق صدام حسين، واليمن علي عبد الله صالح، لكنّ التطورات التي تتفاعل داخل أربعة بلدان عربية، اليوم، تظهر أن العالم الغربي- بقيادة واشنطن- لا يريد للعرب نهضةً ولا ربيعًا ولا انعتاقًا من عبودية تم رسمها في اتفاق سايكس بيكو الشهير.
إذ لم يكترث الغرب لحجم الخراب الذي ألحقته أنظمة الركود والفساد والاستبداد بالعرب، فتمت مباركة محاولة جنرال إسرائيل السفيه السيسي استحداث تعديلات دستورية تتيح له البقاء في السلطة حتى عام 2034، وسيكون حينها قد بلغ الثمانين عامًا، وهي محاولة تبدو نتائجها محسومة سلفًا، بالنظر لهيمنة الجيش على برلمان الدم، وفي غياب شبه تام للمعارضة.
ويواجه المصريون اليوم اختبارًا مؤلمًا، بعد أن شاهدوا سخرية العسكر في التعامل مع دستور الانقلاب 2014، والشهية المفتوحة للبقاء في السلطة وربما إلى الأبد، وسيزداد المشهد كارثية كلما أخفقت برامج الإصلاح الاقتصادي والإداري في مصر، وغاصت بالمصريين أكثر وأكثر في الفقر والبطالة وسوء توزيع للموارد، واتسعت رقعة الفساد المستفحل في مؤسسات الدولة، وتغولت قبضة عصابة الانقلاب الوحشية في التعامل مع المعارضة والرأي الآخر.

الاستقالة المهينة
أما في الجزائر فيقول أندرو إنغلاند، الكاتب لدى “فايننشال تايمز” البريطانية، في مقال له: إن الرد على أسابيع من الاحتجاجات في الجزائر يماثل الكيفية التي رد بها المخلوع مبارك في 2011 على المظاهرات الشعبية آنذاك، ويضيف أن صدى الانتفاضات العربية 2011 يتردد حاليا بالجزائر، حيث يتشبث زعيم مسن هو عبد العزيز بوتفليقة بالسلطة، بينما تنزل أعداد كبيرة من الناس إلى الشوارع مطالبين بألا يسعى الرئيس المريض لفترة أخرى.
وكان رد الزعيم البالغ 82 عامًا بالقول: إنه “سمع النداء العاطفي”، أثناء تلقيه العلاج الطبي بجنيف، ووعد بعقد مؤتمر وطني بعد الانتخابات وتحديد موعد لانتخابات أخرى لن يشارك فيها، وهذا يُذكرنا بأيام حسني مبارك الأخيرة بالسلطة في مصر عام 2011، حينما حاول استرضاء المتظاهرين بالوعد بتشكيل حكومة جديدة وإكمال فترة ولايته، والعمل من أجل الانتقال.
وقال الكاتب: إن الوقت كان متأخرا جدًا على مبارك الذي أُجبر على الاستقالة المهينة، وإنهاء حكمه الذي استمر ثلاثين عاما، وأشار إلى أن النظام الجزائري يبدو الآن وهو ينزلق في مسار مماثل، إذ فشلت تعهدات بوتفليقة في وقف الاحتجاجات في أسبوعها الثالث، مع سعي النخبة الحاكمة للرد على أكبر مظاهرات منذ عقود.
ومع ذلك يقول إنغلاند: إن تاريخ الجزائر وثقافتها يعنيان أيضًا أنها تقف بعيدًا عن جيرانها، فهي الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تحكمها حركة تحرير سابقة، جبهة التحرير الوطني، وهي مما أبقت حرب الاستقلال الوحشية مع فرنسا التي تعاملت مع الدولة الواقعة بشمال أفريقيا كمقاطعة أكثر من كونها مستعمرة.
إن الفكرة القائلة إن الخوف من العودة إلى ماضي الجزائر العنيف سيحول دون تعبئة الجماهير قد قُضي عليها، كما أنه لا يُنظر إلى هذه الاحتجاجات على أنها مجرد هجوم شخصي ضد بوتفليقة، وإنما تعبير عن الغضب ضد النظام الاستبدادي الغامض الذي أخطأ في التقدير من خلال الاعتقاد بأنه يمكن أن يفرض رجلا عاجزا جدا للمرة الخامسة على التوالي.

خطة طوارئ
ووصف الكاتب الوضع في الجزائر بأنه مثال كلاسيكي على عصبة حاكمة الأخ الأصغر لبوتفليقة “سعيد”، وقادة الجيش، ورجال أعمال، يسيء قراءة المزاج العام بشكل مخيب للآمال.
وحتى الآن، كانت الاحتجاجات سلمية لحد كبير، حيث بدا أن المتظاهرين وقوات الأمن حذرون من رفع المخاطر إلى مستوى خطير. لكن الخبراء يقولون إنها لحظة فاصلة كشفت النظام المتهالك الذي كان موجودا خلف واجهة من المشهد السياسي الذي يضم عددا من الأحزاب.
وذكر المقال أن من يعتقدون بإمكانية إجراء انتخابات الشهر المقبل قليلون للغاية، مشيرا إلى أن الكثير يمكن أن يعتمد على المحارب القديم الجنرال أحمد قايد صلاح، رئيس أركان الجيش، وكما هو الحال في مصر: الجيش هو القوة الرئيسية وراء السياسيين.
ويختم إنغلاند مقاله، بأنه من غير المعروف إن كان للجيش خطة طوارئ، ونسب إلى الخبير بالشئون الجزائرية “هغ روبرتس” قوله: “إنهم يفعلون ذلك عادة”، ولكن إن لم يكن “فإنهم يواجهون معضلة حقيقية”.