بوجدان الضحية الذي يتطلع إلى أن ترد الدولة التونسية له اعتباره، وتعتذر له عن سنوات الاضطهاد، لا يُخفي “سامي براهم” سعادته البالغة بعد صدور التقرير النهائي للهيئة المستقلة المكلفة بمسار العدالة الانتقالية، في 26 مارس 2019، الذي يتوج خمس سنوات من عملها، ويغطي الفترة الممتدة من الأول من يوليو 1955 إلى 24 ديسمبر 2013.
يقول براهم، الباحث المشارك في صياغة بعض فصول التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة: “صدور التقرير النهائي هو حتما ولادة جديدة لي، تحولتُ خلالها من ذلك الشخص المضطهد والمنفي داخل وطنه إلى فاعل في التاريخ، ومشارك في الشأن العام كغيري من الضحايا بمختلف انتماءاتهم الفكرية”.
وشدد الباحث التونسي على أن التقرير- الذي يمتد على 600 صفحة- له من القيمة الرمزية والمعنوية ما يجعله بلسمًا حقيقيًّا يداوي جراح عشرات الآلاف من ضحايا الاستبداد في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، والسؤال: ماذا عن المحميات العربية الأخرى التي تحولت إلى بؤر للتعذيب والقمع وهتك الكرامة، وعلى رأسها مصر والإمارات والسعودية؟.
سنوات الترويع
ويقر الباحث والضحية سامي براهم بشعوره بالصدمة من شهادات وصفها بالمفزعة لنساء تعرضن للاغتصاب مع أبنائهن في سجون نظامي بورقيبة وبن علي، وأدلين بشهاداتهن خلال جلسات سرية أمام الهيئة، ويقول “كان لي شرف المشاركة في صياغة التقرير من خلال الجزء المتعلق بالانتهاكات التي مورست على النساء، وهناك شهادات تشيب لها الولدان من هول الجرائم التي ارتكبت بحقهن، خاصة من المنتسبات لحركة الاتجاه الإسلامي سابقا”.
وشدد “براهم” على أن بعضهن ظللن محتفظات بما تعرضن له من انتهاكات داخل السجون، وبقيت قصصهن وعذاباتهن مكتومة في صدورهن لسنوات حتى على عائلاتهن خوفا وخجلا”، وختم بالقول: “التقرير كشف الوجه القبيح والمظلم للنظام السياسي لزين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، الذي طالما روج لكونه مدافعا عن المرأة وكرامتها وحريتها”.
وفي الشرق الأوسط يتفشى وباء التعذيب بنسبة كبيرة في أغلب الدول، وتتم ممارسته لأهداف سياسيه من قبل ديكتاتوريات ملكية وعسكرية بغرض إسكات أصوات المعارضين وإرهابهم؛ لوقف تحركاتهم السياسية، والتي تعتبرها الأنظمة القمعية المستبدة خطرا يهدد بقاءها.

وباء التعذيب
ينتشر بشكل خطير في دول مثل مصر، العراق، الإمارات، السعودية، العراق، اليمن، فلسطين، سوريا، ولم تقم هذه الدول بأي إجراءات لوقف تفشي هذا الوباء لأسباب مختلفة، مما أدى إلى تعزيز ظاهرة الإفلات من العقاب، وعلى سبيل المثال في مصر يتفشى وباء التعذيب داخل كافة مقار الاحتجاز، خاصة منذ غدر الجيش بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013.
حيث ارتفع عدد ضحايا عمليات الاحتجاز التعسفي بشكل كبير، تعرضوا جميعهم لصورة واحدة على الأقل من صور التعذيب، بدءا من أوضاع الاحتجاز بالغة السوء في مقرات متكدسة رديئة أو منعدمة التهوية وغير صالحة لاستعمال البشر، إلى المعاملة القاسية أو المهينة من قبل عصابات الانقلاب القائمين على إدارات تلك المقار.
وينتشر وباء التعذيب داخل أغلب أقسام الشرطة والتي تبلغ 328 قسمًا ومركزًا، حتى اشتهرت بين المواطنين مسميات ثابتة للأماكن المعدة للتعذيب داخل كل قسم تحت مسمى “الثلاجة” أو “السلخانة”، وهي غرف مخصصة للتعذيب يتم بداخلها استخدام كافة أساليب التعذيب الوحشية على المعتقل.
يشار إلى أن عدد الذين قتلوا جراء التعذيب في السجون ومقار الاحتجاز في عهد جنرال إسرائيل السفيه السيسي قد بلغ 102 شخص على الأقل من أصل 587 شخصا، توفوا في الفترة منذ يوليو 2013 وحتى نهاية مايو 2017، وهو رقم مفزع يشير إلى مدى القسوة التي تتسم بها عمليات التعذيب؛ نظرًا للعاهات النفسية والجسدية التي أصابت الضحايا.

تعذيب عابر للحدود
وفي سوريا لا يكاد ينجو أحد من المعتقلين السوريين، سواء من المعارضين المسلحين أو المدنيين العاديين، في سجون بشار الأسد من التعرض للتعذيب الوحشي، إما لانتزاع اعترافات، أو المعاقبة على حمله أفكارا معارضة، وبحسب إحصاءات حقوقية سورية فقد بلغ عدد الوفيات داخل السجون النظامية التابعة للحكومة نتيجة التعذيب وسوء المعاملة منذ بدء الحرب السورية في مارس 2011 وحتى العام الماضي نحو 60 ألف محتجز على الأقل، من بينهم قصر ونساء.
وتعتبر العراق من أكثر الأماكن خطرا في العالم جراء انتشار الحرب فيها بين القوات المسلحة والقوات النظامية التابعة للحكومة العراقية والمدعومة ببعض قوات الاحتلال الأمريكية وبين ميلشيات شيعية مسلحة، حيث تمتد الحرب على نطاق جغرافي واسع، نتج عنها عمليات اعتقال وتعذيب أسفرت عن مقتل المئات من المواطنين العراقيين أو المقيمين على الأراضي العراقية خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
ينتشر التعذيب في العراق داخل السجون الرسمية والسجون السرية؛ بقصد إجبار الضحايا على الإدلاء باعترافات تدينهم تحت وطأة التعذيب، لتحكم عليهم المحاكم لاحقا بالإعدام وفقها، وفي السجون التابعة للمليشيات المسلحة مثل قوات الحشد الشعبي أو تنظيم (داعش).
أما في السعودية فيعتبر التعذيب وسوء المعاملة من أهم السمات الغالبة على مقار الاحتجاز، فالمواطنون أو المقيمون داخل السعودية عرضة للاعتقال التعسفي، ومنه التعذيب في أي وقت إن هم عبروا عن رأي معارض لأحلام الأمير محمد بن سلمان، حتى وإن كان سلميًّا دون أي فرصة للتمتع بمحاكمة عادلة.
وفي الإمارات بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، شددت السلطات الإماراتية قبضتها على المجتمع المدني ويقدر عدد المعتقلين في السجون الإماراتية على خلفية سياسية بـ170، منهم إماراتيون وأجانب تعرضوا للاختفاء القسري ومختلف صنوف التعذيب، ولعل أشهر القضايا التي حكم فيها على المتهمين بأحكام إدانة جائرة بعد تعرضهم للتعذيب، قضية “الإماراتيين الخمسة”، وقضية “الإمارات 94″، وقضية الصحفي الأردني تيسير النجار، وعدد آخر من جنسيات مختلفة “مصريين، ليبيين، يمنيين، عمانيين، قطريين، سوريين، لبنانيين” وجنسيات أخرى.
كما تعد اليمن من مناطق الصراع الساخنة في المنطقة العربية، ونتيجة وجود أكثر من قوة مسلحة، نظامية وغير نظامية بها، فإن عدد المعتقلين في زيادة مستمرة، وبناء عليه فإن عدد من يتعرضون للتعذيب في ازدياد أيضا، حيث بلغ عدد المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب التعذيب داخل سجون الميليشيات الحوثية الشيعية، والقوات الموالية للسعودية والإمارات نحو 5000 شخصا داخل 484 سجنا تابعة لتلك القوات، توفي منهم 100 شخص على الأقل، بخلاف المفقودين.
وأخيرًا هناك المواطنون في الأراضي المحتلة الذين يعانون من جرائم مزدوجة ترتكب على يد قوات الاحتلال الصهيوني و6 أجهزة أمنية تابع للسلطة الفلسطينية، يتسابقون على اعتقال المواطنين بتهم مختلفة، وفي إطار سياسة الباب الدوار يفرج عن المعتقل من سجون الاحتلال ليتم اعتقاله من قبل أجهزة أمن السلطة والعكس صحيح.
وفي سجون أجهزة أمن سلطة أبو مازن، يتعرض المعتقلون لشتى صنوف التعذيب، أبرزها الضرب المبرح والتعليق كالذبيحة، وخلال سنوات التعذيب المنهجي قتل سبعة مواطنين تحت التعذيب، ولا تزال أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تمارس التعذيب على نطاق واسع في ظل قرار سياسي داعم للأجهزة الأمنية وغياب أي رقابه قضائية.
وفي سجون الاحتلال الإسرائيلي، لا يزال يقبع أكثر من 7 آلاف معتقل، منهم نساء وأطفال، في السجون والمعتقلات، حيث يتعرض المعتقل للتعذيب منذ لحظة اعتقاله، وخلال التحقيق يتعرض المعتقلون والأطفال منهم لشتى صنوف التعذيب لإجبارهم على الإدلاء باعترافات تدينهم، هذا إلى إضافة إلى القمع الذي يواجهه المعتقلون بعد الحكم عليهم بحرمانهم من حقوقهم الأساسية.