بعد أن حبس أنفاس ملايين البشر، زعم تحقيق أجراه الأمريكي “روبرت مولر” أنه لم يجد أيّ أدلّة تثبت حصول أيّ تنسيق بين فريق ترامب وموسكو، للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، وإذ ذكّر وزير العدل الأمريكي بأنّ تقرير مولر يقع في قرابة 400 صفحة، أوضح أنّه ما زال يعمل على تحديد وإزالة بعض المقاطع الحسّاسة، التي من شأن نشرها أن يعرّض للخطر بعض المصادر، أو لأنّها تحتوي على معلومات تتّصل بتحقيقات أخرى ما زالت جارية.
ملايين العرب والمسلمين انتظروا لحظة الفرح بما سيتضمنه تقرير مولر من إدانات محتملة، قد تؤدي بترامب إلى ساحة القضاء، خصوصاً في فلسطين، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لكيان العدو الصهيوني، وفي سوريا بعد اعترافه بسيادة الصهاينة على الجولان، حيث كان المتوقع أن يزعزع التقرير الموقف القانوني والأخلاقي لرئيسٍ فقد أهليته، وأن يكبح جماحه إزاء قمع الربيع العربي.
غير أن الآمال المعلقة على نتائج تقرير مولر ذهبت، في رمشه عين، مع الريح، وبات العرب اليوم أمام احتمالاتٍ مرجّحة أكثر بفوز ترامب بولاية ثانية مع الأسف الشديد، وبالتالي، أمام مزيد من قراراتٍ إضافية جائرة ضدهم، قد يصدرها الرجل الذي يصفه غلاة اليمين هدية الرب لإسرائيل.

ترامب والسيسي
وعلقت نيويورك تايمز في افتتاحيتها بأنه في الوقت الذي يستعد فيه “السيسي” لإجراء تغييرات دستورية تمكّنه من البقاء في السلطة حتى عام 2034، وتعزيز سيطرة الجيش على البلاد، يستعد ترامب للترحيب به في البيت الأبيض، وأشارت إلى أن هذه هي المرة الثانية التي يمنح فيها ترامب هذه الهدية للسيسي “أحد أكثر المستبدين في الشرق الأوسط”.
وألمحت الصحيفة إلى ما قاله وزير الدفاع السابق، بعد استيلائه على الحكم في انقلاب 2013، والغدر بالرئيس محمد مرسي أول رئيس منتخب، بأنه وعد الشعب بأنه سيرسي الديمقراطية ويترك منصبه في 2022 بعد اكتمال مدته الثانية، وبدلا من ذلك، كما تقول الصحيفة، بنى سمعة من الوحشية والقمع اتسمت بتعذيب وقتل مئات المصريين وسجن أكثر من 60 ألف آخرين، بما ذلك طلبة ومواطنون أميركيون.
وأردفت أنه من المعتاد أن يعمل الرؤساء الأمريكيون مع رجال أقوياء لتعزيز المصالح الوطنية، ولكن إذا كان ترامب يرحب بالسيسي في واشنطن الآن، دون الضغط عليه من أجل الإصلاحات وليس السكوت عن استيلائه على السلطة، فسيحطم الآمال في أن تصبح مصر ديمقراطية في أي وقت قريب.
خيبة أمل
وقال النائب الديمقراطي في الكونجرس آدم شيف، إن مجلس النواب صوت بأغلبية 420 صوتا مقابل صفر، لصالح نشر تقرير المحقق مولر للشعب الأمريكي للاطلاع عليه، وقال شيف إن الشعب الأمريكي يدعم توجه النواب، موجها تساؤلا للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول ما يخشاه من نشر التقرير.
وكتب ترامب على صفحته ساخراً ممن توقعوا عزله أو محاكمته، بأن التقرير لا يوجد فيه ما يشفي غليل جيري نادلر، وآدم شيف، وإنه حان الوقت للتركيز على إدارة البلاد بالشكل الصحيح، وكان الديمقراطيون قد طالبوا بشدّة وزير العدل بنشر هذا التقرير كاملاً، مشيرين خصوصاً إلى ضرورة الحصول على مزيد من التفاصيل بشأن مسألة احتمال أن يكون ترامب قد عرقل سير العدالة، والسبب في إصرار الديمقراطيين على هذه النقطة هو أنّ مولر ترك الباب موارباً بهذا الشأن.
وطوال نحو عاميْن مسكونين بالرجاء، كان “مولر” بمثابة بطل سرّي للملايين داخل أمريكا وخارجها، ينظرون إليه بكل تقدير، يعوّلون عليه كثيراً، ويحثّونه، في سريرتهم، على الاستعجال، بل ويخشون عليه من العزل، ويتمنّون له النجاح في إحداث اختراقٍ طال انتظاره، لا سيما أن تهور ترامب كان يتزايد في كل الاتجاهات، وكانت رعونة قراراته تتّسع كلما فتح فمه، فيما لم يتبق من سبيلٍ لوقفه عند حدّه سوى الرهان على تقرير مولر، المرتقب من الجميع.

غرور ترامب
غير أن المفاجأة أتت مخيبة لآمال الملايين في أربع جهات الأرض، وجاءت تداعياتها صادمةً حقاً لمن منحوا روبرت مولر شيكاً على بياض، بنوا عليه الآمال، واعتبروه بطلاً غير متوّج جاد به الزمان، وذلك عندما أخرج المحقق ترامب من جبل الاتهامات كما تخرج الشعرة من العجين.
وبرّأ الرجل البرتقالي بجرّة قلم، على عكس ما كان يشتهي كل من كان يمنّي النفس بقرب انقضاء عهد رئيسٍ مندفع وخطير، وكل من ضاق ذرعاً بنزعة الاستعلاء والغرور المستحكمة بخطاب السيد الأبيض، المتفاخر بامتلاكه أكبر زرٍّ نووي على الإطلاق.
كان من المأمول أن يعيد مولر ضبط عقارب الساعة الأمريكية، وأن يمنح الأمريكيين فرصة إعادة انتخاب رئيسٍ أفضل، يستحقه البلد العظيم من دون ريب، وأن يزعزع مكانته بعض الشيء على أقل تقدير، إلا أن المحقق الذي تنازل عن إجراء مقابلة شخصية مع المتهم لسببٍ غير مفهوم، وغير مسبوق، ذهب عكس اتجاه دوران الأرض، فأعطى الذئب شهادة براءة من دم ابن يعقوب، وأجزل له العطاء بمنحه مزيدا من الشعور بالقوة الذاتية والجدارة والاعتداد بالنفس.