على النقيض مما يجري في مصر، بدأت الانتخابات المحلية في تركيا تكتسب أهمية كبرى ابتداء من عام 1963؛ نظرًا للدور الذي تلعبه في تحديد الحزب الفائز في الانتخابات العامّة التالية، يعزّز هذا الطّرح كون “الحزب الفائز في الانتخابات المحلية في مدينة إسطنبول هو الذي اعتاد الحصول على مقاليد الحكم في البلد”، حسب الباحث المتخصص في الشأن التركي محمود الرنتيسي.
ومع انطلاق قطار التعديلات الدستورية في مصر، بما يسمح بتمديد انقلاب جنرال إسرائيل السفيه السيسي، تشهد وسائل الإعلام منعًا لكل الأصوات المعارضة للتعديلات، بينما تزخر وسائل التواصل الاجتماعي بالمعارضين، ويتحدث آخرون عما أسموها “لعنة الدستور” التي أصابت جنرالات سابقين تلاعبوا بالدستور، حيث كانت التعديلات وبالًا عليهم وفاتحة خير لآخرين.
استغلال أزمات
وفي دراسة صادرة عن المركز العربي في قطر، يشرح الرنتيسي أن حزب “العدالة”، وهو غير الحزب الحاكم الآن، فاز خلال الستينيات ببلدية إسطنبول، ليقود الانتخابات العامة التالية، حدث ذلك أيضًا مع حزب الشعب الجمهوري في السبعينيات، وحزب الوطن الأم في الثمانينيات، وحزب “الرفاه” في التسعينيات، انتهاءً بحزب العدالة والتنمية الذي حافظ على اكتساحه لبلدية إسطنبول، وما يزال الحزب الحاكم منذ 17 عامًا.
في هذا السياق، يؤكد الدكتور برهان كورأوغلو، عميد كلية الدراسات العليا ورئيس قسم الفلسفة في جامعة ابن خلدون، أن الانتخابات البلدية التركية تكتسب أهميتها من صلاحياتها وتعدد مجالات عملها، بالإضافة إلى كونها فرصة للأحزاب لتحسين صورتها أمام الشعب.
ويضيف كورأوغلو، في تصريح صحفي، أن “كل عمل جيد للأحزاب في الانتخابات البلدية سيضاف إلى رصيدها أمام الشعب، وبالتالي سيؤثر على رأي الناخب في الانتخابات العامة السياسية”، وبالنسبة للمتحدّث نفسه فإن تركيا تعيش وضعًا إقليميًّا ودوليًّا حساسًا، لذلك فإن أي حزب سياسي يريد، من خلال هذه الانتخابات، تقديم موقفه وتقييمه السياسي للشعب، وذلك من خلال طرح القضايا السياسية، أكثر مما يتحدّث عن الخدمات التي أصبحت مألوفة لدى الشعب.

وأشار إلى أن أحزاب المعارضة تلجأ إلى استغلال بعض الأزمات التي مرت بها تركيا لتروج لموقفها السياسي، كما فعلت خلال الأزمة الاقتصادية التي عانت منها تركيا صيف 2018.
بينما يقول البرلماني السابق أحمد جاد: إن السفيه السيسي يحاول تمرير التعديلات التي تضمن بقاءه في السلطة لأطول مدة، برشوة فئات في المجتمع كالنساء والأقباط عبر تخصيص حصة لهم في البرلمان، ويتوقع جاد أن تستفيد هذه الفئات بتلك التعديلات، دون السفيه السيسي “الذي يكتب بهذه التعديلات نهاية حكمه”، بحسب وصفه.
ولفت إلى أن أكبر المستفيدين من التعديلات هي القوات المسلحة، التي ستزيد سيطرتها على مقاليد الأمور في مصر، موضحا أن التعديلات تستهدف ترضية الجيش ليقبل باستمرار السفيه السيسي، مضيفا “هذا النظام لا يعبأ بدستور ولا يقيم وزنًا لأي رضا شعبي، ويرى في نفسه أنه مبعوث العناية الإلهية والمخلص للشعب المصري، وليس من حق أحد أن يحاسبه”.
معاهم وعليهم!
الموقف الانقلابي في مصر وتعميق الديكتاتورية، أربك حتى هؤلاء الذين أيدوا العسكر والانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، ومن بين هؤلاء الحقوقي جمال عيد، الذي من فرط شعوره بالحرج من ديكتاتورية أيدها قبل ذلك ليتخلص من ديمقراطية جاءت بحكم الإسلاميين، ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالديكتاتور!.
وكتب جمال عيد، عبر حسابه على “تويتر”، تغريدة رصدتها (الحرية والعدالة)، قائلاً: “أردوغان ديكتاتور نعم، لكنه يحافظ ولو على الحدود الدنيا من دولة المؤسسات، عمل انتخابات محلية، وحزبه تقريبًا خسر فيها، مما جعل بعض إعلاميي قنوات الصرف الصحي يهللون ويشمتون”.

وتابع: “للعلم: آخر انتخابات محلية شهدتها مصر كانت 2008، وكانت مزورة، اللي اختشوا ماتوا أو اتسجنوا أو خرجوا من مصر”. عيد لم يكتفِ بذلك بل أتبعها بأخرى أكد فيها “ديكتاتورية أردوغان” وشبهه بقائد الانقلاب العسكري في مصر السفيه السيسي في انعقاد الانتخابات، التي رأى أنه لا يوجد بها “تزوير” لدى كلا الطرفين.
كما تحدث أيضًا عن الانتخابات الرئاسية بين الرئيس المنتخب محمد مرسي ومنافسه شفيق، والنسب المتقاربة بينهما، مكيلًا عدة اتهامات لمرسي، منها التراجع في وعوده مما سهل على الجيش الإطاحة به واستغلال تظاهرات 30 يونيو وتصويرها كثورة، ملقيًا اللوم على جماعة الإخوان خلال كل ذلك.
عيد أكد أيضًا أن “التمسك بنموذج أردوغان والهجوم على كل منتقد يصعب الثقة بهم (الإخوان)”. السخرية من التغريدة توالت في تعليقات النشطاء الذين رأوا أن تغريدته تثبت عكس ما وصف به أردوغان من ديكتاتورية، وأن المبرر الأساسي لذلك الوصف لدى عيد هو اختلافه مع أردوغان في الانتماءات الفكرية، طبقا للنشطاء.
وقالت الناشطة دينا شعير: “أمس وأنا أتفرج على الانتخابات القوية جدا جدا، والتي بصراحة في أوروبا مفيش قوة بالشكل ده، افتكرتك يا أستاذ جمال واستغربت أنك توصف أردوغان بالفاشي؛ لأنه لا يوجد فاشي يقف يعلن خسارة نفسه ولا بيقبل أصلًا يكون فيه انتخابات حرة في بلده، ولا تكون بلده قوية هكذا ويحكم من غير قوة الدبابة”.