بعد مرور أكثر من مائة سنة على اتفاقية “سايكس بيكو 1916” وتقسيم المشرق العربي، وبعد مائة سنة على وعد بلفور 1917 الذي نصّ على تأسيس دولة إسرائيل في فلسطين، يعود طرح تقسيم العالم العربي من جديد بعد انخراط ممالك وأنظمة عربية خليجية في الحرب على ثّورات الربيع العربي، بحجة الحرب على الإرهاب، ويروّج الغرب لفكرة التقسيم على اعتبارها الحل الأمثل لوضع حد للحروب والأوضاع المتأزّمة.
وأمام تجاهل الحكومات ومن ورائها الشعوب لهذا الخطر فإن الواقع يضعنا أمام حقيقة واحدة، وهي أن أجيالا عربية كاملة أصبحت لا تعرف ما هو الصواب في هذه القضية وأين كان الخطأ؟، وهو ما أكده المفكر الراحل محمد حسنين هيكل، بقوله إن بداية تقسيم السعودية سيكون عندما يتصارع آل سعود بين بعضهم البعض.
لماذا الحذف؟
وحذفت مجلة ألمانية لينك تحليل يفضح مخطط تقسيم السعودية، وذلك بعد الضجة التي أثارها اغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي، المخطط ظهر بعدما فشلت واشنطن وتل أبيب في تمزيق تركيا من خلال محاولة الانقلاب الفاشلة العام 2016، حولتا أنظارهما نحو السعودية وبدأتا تطبيق مخطط تمزيق أراضيها بعد الترويج لفكرة “الإسلام المعتدل”.
وتنفيذ الخريطة المكونة من 4 أجزاء التي رسمها نايكون رالف بيترس، وينص المخطط على أن مكة والمدينة ستداران من خلال كيان مثل الفاتيكان في أوروبا، وأما المنطقة الثانية التي ستكون عاصمتها الرياض فستكون عاصمة لمشروع “الإسلام المعتدل”، فيما ستخصص بقية أراضي المملكة لمشروع إسرائيل الكبرى، وأما القطيف والدمام فستشهدان تأسيس دولة شيعية.

ويبدو أن النبوءة في طريقها لتتحقق على يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يقوم ببعض الإجراءات بأمر من الصهاينة والأمريكان، وتلك الإجراءات ستكون بداية لاستكمال حلقة التقسيم في المنطقة، فإذا تم تقسيم المملكة سيكون بداية لاستكمال حلقة التقسيم القديمة.
ويدرك الأمريكان أن السعودية لن تستمر على هذا النحو المتخبط لذلك يجري حلبها بالكامل والاستفادة من منافعها البترول والتأثير الديني، وفي المسألة اليمنية ابتلع السعوديين الطعم الأمريكي وجهزوا أنفسهم لحرب تستمر لثلاثة شهور مع اليمنيين فقط، ولعل التاريخ يعيد نفسه فقد أطلق السلطان العثماني عبد المجيد الأول، في العام 1839، إصلاحات قانونية وإدارية واجتماعية، عُرفت في ما بعد بالتنظيمات العثمانية، بهدف تحديث الدولة العثمانية، واللحاق بركب الدول الأوروبية التي كانت قد سبقتها إلى ذلك قبل قرون.
ولكن أفضت الإصلاحات العثمانية في النهاية مع تدخل الأصابع الصهيونية، إلى سقوط الدولة العثمانية التي استمر حكمها ستة قرون، وإن كانت هناك أسباب متعدّدة لهذا السقوط، إلا أن أهم الأسباب الرئيسية هو التسلط والاستبداد السياسي وعدم مجاراة التحديث السياسي للتحديثات العسكرية والإدارية والقانونية.
التقسيم قادم
شيء مشابه لذلك يحدث الآن في السعودية، مع إطلاق عملية تحديث متعجلة وغير مدروسة، يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، يحاول فيها حرق المراحل التاريخية، من أجل تحديث الدولة اقتصاديا وإدارياً واجتماعياً، وذلك في وقت يطبق فيه الاستبداد السياسي علي المجتمع السعودي الذي لا يستطيع أن يتنفس، أو أن يعبر عن نفسه بحرية.
وقد أفضت التنظيمات والإصلاحات العثمانية، والتي لم يكن المجتمع شريكاً في وضعها، وتم فرضها عليه قسراً، إلى تفسّخ الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر، وظهور حركات انفصالية في مناطق مختلفة من السلطنة، سواء في تركيا أو مصر أو جنوب أوروبا والبلقان.
كما تجرأت أوروبا وروسيا على السلطنة، وبدءوا في تقسيم أراضيها بينها، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حتى سُميت الدولة العثمانية وقتها “رجل أوروبا المريض” الذي فقد قوته شيئاً فشيئاً، حتي مات تماماً بإلغاء السلطنة عام 1924 .
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تولت الرياض، ومعها أبو ظبي، دعم الثورات المضادّة لحراك الشعوب العربية في سبيل حريتها، وموّلت مرتكبي الانقلابات والمذابح في مصر وليبيا، كما دمّرت اليمن على رءوس أهله، ثم أشعلت نار الفتنة بين بلدان الخليج، ناهيك عمّا بات معروفًا أو معلنًا فيما يتعلق بتواطئها مع إسرائيل وأمريكا، لتصفية القضية الفلسطينية في مقابل تسهيل صعود ابن سلمان إلى عرش بلاده.