“عايز تعيش في البلد دي لازم تكون كداب زي الكدابين”، تلك رخصة العيش في أم الدنيا بحسب ما أكده مراقبون، عقب مداهمة ميلشيات أمن عصابة الانقلاب مقر موقع «مصر العربية»، عصر أمس الثلاثاء، مدعين أنهم من مباحث المصنفات، ثم قاموا بإغلاق الموقع واقتياد رئيس تحريره لقسم شرطة الدقي، بحجة عدم وجود ترخيص من الحي.
وفي حوالي الثامنة والنصف مساء أمس الثلاثاء، قررت القوة الموجودة بالمكان احتجاز رئيس التحرير عادل صبري بحجة جديدة، وهي عدم وجود ترخيص من الحي التابع له، وتعيش مصر منذ انقلاب 30 يونيو 2013، مشهداً إعلامياً متأزِّماً من خلال سيطرة عصابة العسكر وأذرعهم الأمنية بشكل مباشر على المشهد الإعلامي، أو من خلال رجال الأعمال المؤيدين لها، فالواقع يؤكد عدم قبول العسكر الرأي المخالف حتى ولو كان من المؤيدين، ناهيك عن الأصوات المعارضة للانقلاب على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي.

من جانبها رأت صحيفة “انفوسبربر” السويسرية، أن الإعلام المصري بات بلا كرامة فى ظل ما وصفته بـ “السياسات الديكتاتورية” التي يمارسها الانقلاب، ويشهد الواقع الإعلامي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحفيين؛ فلأول مرة في تاريخ النقابة يتم اقتحام نقابة الصحفيين من قبل رجال الأمن في 1 مايو 2016؛ بحجة القبض على صحفيين اثنين، بعد مظاهرات ضد حبس الصحفيين وتقييد الحريات، وهو ما سمي يومها بــ”الأحد الأسود”، فهل هكذا يستهل الجنرال البلحة ولايته الثانية في اغتصاب السلطة بالقمع؟
أين النقابة؟
وباتصال رئيس التحرير عادل صبري برئيس المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، حاول الأخير المؤيد للانقلاب التنصل من المسئولية وأكد له أنه لا يوجد أي إجراء ضد الموقع إلا الغرامة التي تم توقيعها عليه، وأبلغه بأنها ليست نهائية ويمكن للموقع التظلم منها.
وطالب صحفيون وإعلاميون ونشطاء وسياسيون عبر صفحاتهم على “فيس بوك” نقابة الصحفيين والهيئة الوطنية للإعلام بالتدخل والإفراج عن رئيس تحرير موقع مصر العربية “عادل صبري”.
وقال عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين: “بعد اتصال تليفوني من الزميل محمد منير، المصنفات دخلت موقع مصر العربية بحجة التفتيش وبعد ساعتين واتصال تليفوني من جهة ما قرروا إغلاق الموقع واصطحاب الزميل عادل صبري رئيس التحرير لقسم الدقي، بحجة عدم وجود ترخيص من الحي”.
“زي الكدابين”!
من جهته يقول الناشط السياسي حازم عبد العظيم، مدير حملة السفيه عبد الفتاح السيسي سابقاً، :” أخبار عن اعتقال عادل صبري رئيس تحرير مصر العربية عشان نشروا أخبار حقيقية عن ما حدث في الانتخابات المزعومة. لمن لا يعرف عادل صبري من انضف واشرف الصحفيين في مصر . عايز تعيش في البلد دي لازم تكون كداب زي الكدابين”.
ويقول الناشط أحمد كمال زيادة:” للأسف: احتجاز أ. عادل صبري رئيس تحرير مصر العربية في قسم الدقي، وعرضه صباحا على نيابة الدقي”، مضيفاً:” عارفين الموقع ده فاتح بيت كام صحفي؟! طيب عارفين فين نقابة الصحفيين؟!”.
ويقول خالد البلشي، مقرر لجنة الحريات في نقابة الصحفيين سابقاً:” موقع مصر العربية ينشر تفاصيل اقتحامه.. واحتجاز عادل صبري رئيس التحرير وكيف أصبحت التهمة ترخيص الحي!”، مضيفاً:” بعد يومين من غرامة الأعلى للإعلام: قوات الأمن تداهم موقع مصر العربية لإغلاقه بدعوى وجود مخالفات بالحي وتصطحب رئيس تحريره عادل صبري لقسم الدقي.. والصحفيون يغادرون الموقع .. وعادل صبري يؤكد الخبر في اتصال معه”.
من جهته يقول الناشط أحمد البقري:”لقد بدأ الولاية الثانية باغلاق مقر موقع مصر العربية بالشمع الأحمر واعتقل مدير تحريره .. من جاء بانقلاب عسكري وقتل واعتقل الاف الابرياء لايمكن ان يقبل باعطاء مساحة للتنفس لانها ستكون بداية نهايته .. الحل الوحيد هو التوحد لمواجهة هذا النظام الفاشي!”.

ورغم أن مباحث المصنفات ذراع من أذرع سلطة الانقلاب، إلا أنها ليست جهة تنفيذية تابعة للمجلس الوطني للصحافة، فقد استمر الضباط في منع المحررين من العمل على أجهزتهم، وتوقف التحديث في الموقع إلا من بعض التحديثات الخارجية من الوكالات وغيرها.
قمع غير مسبوق
وتؤكد تقارير المنظمات المحلية والدولية المهتمة بواقع الحريات في مصر، ومن بينها حرية العمل الإعلامي، أن أوضاع الصحافة والصحفيين في تدهور مستمر منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وكان آخر هذه التقارير صدر عن المرصد المصري للحقوق والحريات بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة إفلات مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين من العقاب، ليسلط الضوء على العديد من الانتهاكات والتجاوزات بحق حرية الصحافة.
وسرد التقرير إحصاءات حول ما ارتكب بحق الصحفيين والإعلاميين بعد عصر الانقلاب، لتشمل: تسع حالات قتل لإعلاميين في الميدان، وإصابة 60 بجروح متنوعة، ومحاكمة ستة إعلاميين عسكريا، بالإضافة إلى بلوغ عدد المعتقلين 92 إعلاميا منهم 67 ما زالوا رهن الاعتقال، بينهم صحفيو شبكة الجزيرة.
وأشارت الإحصاءات إلى غلق 10 قنوات فضائية، وغلق ومداهمة 12 مكتبا لمؤسسات إعلامية، ومنع صحيفتين من الصدور، بالإضافة إلى 22 حالة منع من الكتابة، وفصل 30 صحفيا بصورة تعسفية.
فاشية عسكرية
كبير المستشارين في لجنة حماية الصحفيين فرانك سمايث أكد أن الصحفيين يواجهون ظروفا عصيبة في مصر، قائلا إن “الحكام العسكريين يسيطرون على الإعلام لمنع توجيه أي نقد إليهم”، ووصف سمايث أوضاع حرية الصحافة والإعلام بأنها تبعث على خيبة الأمل بعد الثورة التي شهدتها البلاد للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، موضحا أن الصحافة تتعرض “لقمع غير مسبوق وعميق في نطاقه وتركيزه لحجب المعلومة الحقيقية عن الموطنين”.
وأوضح أن السلطات “توجه تهما غير معقولة للصحفيين تستخدم في محاكم هزلية لقمع حرية الصحافة”، وذهب إلى القول بأن “السلطة العسكرية لا تطيق أي انتقادات لسياستها سواء من الداخل أو الخارج”.
وتعليقا على تبرير حكومة الانقلاب لإجراءاتها ضد الإعلام بدعوى محاربتها للإرهاب، شدد سمايث على أن حرية الصحافة ركن أساسي لأي نظام ديمقراطي ناجح، وأضاف أن “الناس يجب أن تطلع على المعلومات بسهولة، ومحاولة النظام لحجبها ستكون نتائجه وخيمة”.
وفي هذا السياق، قال النقيب الأسبق للصحفيين ممدوح الولي إن نقابة الصحفيين ورؤساء التحرير يتمركزون في خندق واحد مع الانقلاب، واعتبر نقيب الصحفيين الحالي أصحاب الفضائيات الخاصة رؤساء التحرير لا يميزون بين مواجهة الإرهاب والتأسيس لفاشية جديدة، واعتبرهم على استعداد لخيانة لحق القاريء في المعرفة، وأضاف النقيب السابق أن الجسم الصحفي بخير ويرفض صحافة الصوت الواحد.
وكان رؤساء تحرير عدد من الصحف المصرية إلى جانب النقيب الحالي للصحفيين قد ضمهم اجتماع في مقر حزب الوفد، تمخض عن بيان داعم للسفيه السيسي، ورافض لأي مساس ولو من بعيد بسياساته ورموزه.