“جزمة الشهداء في اليمن أشرف من تاج آل سعود”، كانت تلك لغة الحوار التي تروق للزعيم الخالد جمال عبد الناصر قائد الانقلاب على الرئيس محمد نجيب، وبعد نشوب ثورة اليمن 1962، بدأ آل سعود في دعم النظام الملكي في مواجهة الجمهوريين الذين كان يدعمهم عبد الناصر، وأرسل الزعيم الخالد في مغامراته ما يقارب 70 ألف جندي مصري إلى محرقة اليمن كيداً في آل سعود، لكنهم ذبحوا عن بكرة أبيهم وعادت نعوشهم للقاهرة.
وبعد توالي عبد الناصر والسادات ومبارك، انفجر الشعب المصري في وجه طغمة الفساد العسكري، توقع الشعب مساندة أشقائه العرب، إلا ان آل سعود كان لهم رأي آخر، فبدلا من دعم الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان التي حمت الثورة ووثق فيهم الشعب، لم تمر إلا بضعة أسابيع حتى تعاون آل سعود مع جيرانهم من دول الخليج، ثم شرعوا فى تقويض ثورة 25 يناير وتقويض حكم الرئيس مرسي بأساليب مختلفة.

وظهرت دولة الإمارات كأول دولة تحارب “مرسي” والإخوان علانية ، وظن الكثير من المصريين أن لها موقفاً خاصاً بها ضد الإخوان، فإذا بالأيام تكشف أنها لا تتعاون مع بقية دول إلا بالاتفاق مع بقية دول الخليج عدا قطر وعُمان.
ولكن العجيب كيف تقوم السعودية بمحاربة الإخوان و”مرسي” وطوال عشرات السنين كانت السعودية مساندة للإخوان ضد “عبدالناصر” الذى حارب الإسلام والإخوان بطرق غابت عن أعداء الإسلام من أبي جهل وحتى الصليبيين والتتار من قتل وتعذيب وسجن ومطاردة!
دعم الانقلاب
لطالما عادى عبد الناصر آل سعود ، واستهزأ بهم وبحكمهم ، حارب النظام الملكي اليمني التابع لهم ، واستمرت العداوة بين مصر والسعودية حتى اشتعلت حرب أكتوبر، وبعد سنوات كانت السعودية من أوائل الدول الداعمة علناً للانقلاب على “مرسي” والإخوان، وأعلنت السعودية وبكل قوة ومن ورائها الدول الخليجية عن دعمها الاقتصادي والسياسي للعسكر، واعتبرت وجود الانقلاب هو وجودها وسقوطه هو سقوطها.
هذا الموقف السعودي يثير التساؤلات؛ فتاريخ الإخوان هو العمل وبكل قوة على تطبيق الشريعة الإسلامية، التي تُعتبر السعودية هى الدولة الوحيدة – ولو نظرياً- فى العالم التي تطبق الشريعة الإسلامية، ومن ثم كان المتوقع ألا تقف ضد من ينشد الحكم الإسلامي، وهكذا ظهرت ازدواجية آل سعود.
ولم يكن أشد المراقبين تشاؤما يتصور أن يقف السعوديون موقفاً متحداً مع مواقف “الإسرائيليين” المحتلين للمسجد الأقصى والقدس الشريف، فى محاربتهم “مرسي” والإخوان ، وهم يعلمون أن من أهداف “الإسرائيليين” نبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتلال بلادهم وتخريبها.
مواقف السعودية ضد “مرسي” هي مواقف أمريكا وأوروبا ضده هذ الدول التي لا تتوقف عن محاربة كل ما هو إسلامي بصورة علنية دون مواربة ، وتصور كيف يكون وضع الإسلام والمسلمين في العالم إذا ظهرت مصر الإسلامية كدولة عملاقة في المنطقة بجوار تركيا؟
آل سعود والعسكر
“الزعيم الخالد.. قائد الوحدة العربية”، كل هذه ألقاب حاول بها إعلام عبد الناصر الاستحواذ على عقول المصريين والعرب، لكن هناك وجه آخر لعبد الناصر كشفه قمع وانتهاكات السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وجه آخر أشد قبحاً وديكتاتورية واستبداداً، وجه لطالما حرص جيل الستينيات والنظام على إخفائه.
عبد الناصر الذي دخل في عداوة زعامة مع آل سعود كان كأي عسكري لا يقبل إلا بصوت واحد هو صوته، لذلك أنشأ السجن الحربي والمعتقلات والتعذيب لمعارضيه، وقام أيضا بحل الأحزاب واستثار الشعب للخروج في مظاهرات للمطالبة بالحكم العسكري بدلاً من الديمقراطية الذي طالما حاربها.
وقد تسبب هو ونظامه العسكري في نكسة 67 بعد أن تركوا الثكنات وانشغلوا بأمور السياسة، وبعيداً عن النكسة العسكرية كان هناك الكثير من النكسات أشد ضرراً، نكسات اقتصادية وسياسية وإنسانية ووطنية على جميع المستويات، وما زالت الأجيال المتعاقبة تذوق مرارتها حتى يومنا هذا، وهنا يطرح التساؤل نفسه لماذا يعشق آل سعود العسكر رغم استبدادهم؟!
قائد الانقلاب السفيه السيسي تحدث في كلمة متلفزة عن عبد الناصر، مؤكدا أن تأثيره امتد لباقي الدول العربية وأنه ملتزم باستكمال مسيرته وخاصة في ما يتعلق بمصالح مصر وسلامة أراضيها، وهو ما علق عليه الكاتب الصحفي حسن البحيري، مؤكدا أن كلا من عبد الناصر والسيسي وجهان لعملة واحدة في ما يتعلق بمحاربة الفكرة الإسلامية والقضاء علي تطلعات الشعوب في الحرية والتقدم.
وقال البحيري إن الاختلاف الجوهري بين عبد الناصر والسيسي هو الكاريزما، وهو ما يفتقده السيسي علي الإطلاق، ولكنهما اتفقا علي الأخطر من ذلك وهو التنازل عن الأرض، فعبد الناصر تنازل عن السودان طواعية ثم سيناء وغزة بعد الاحتلال الإسرائيلي لهما في 1967، أما السيسي فقد تنازل طواعية عن تيران وصنافير لصالح السعودية ومساحة شاسعة من سيناء في مشروع نيوم للسعودية، ويستعد للتنازل الأكبر في اتفاق القرن.