قبل ساعات من الإعلان عن إصابة بلبل الثورة السورية، عبد الباسط الساروت، في قرية تل ملح، ظهر المنشد ولاعب الكرة والقيادي الميداني الراحل في جبهات القتال بريف حماة الشمالي، وهو يؤكد في تسجيل مصور استمراره في مواجهة نظام السفاح بشار الأسد حتى تحرير سوريا.
وكان خبر وفاة بلبل الثورة صادمًا لكثيرين من مؤيدي الثورة السورية الذين رثوه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات حزينة، تشهد بوفائه للقضية التي من أجلها خرج السوريون للميادين والشوارع قبل أكثر من ثماني سنوات.
"رحل إلى ما كان يغني من أجله".. أيقونة الثورة السورية #عبدالباسط_الساروت يفارق الحياة متأثرا بإصابته خلال معارك ريف #حماة الشمالي ضد قوات النظام تقرير: عمرو الحلبي pic.twitter.com/DO1Cs4WH7I
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 9, 2019
بلبل الثورة
وفي مشهد موجع، ظهرت والدة الساروت في مقطع مصور وهي تودع ابنها الراحل بكلمات مؤثرة. وقتل نظام السفاح بشار الأسد من قبل أربعة أشقاء للساروت ووالدهم وثلاثة من أخواله أيضًا، فيما حاول نظام الأسد اغتياله 3 مرات من قبل، ورصد 35 ألف دولار للقبض عليه.
وبعد ساعات من الإعلان عن وفاة الساروت، تداول ناشطون تسجيلات صوتية لـ”خنساء درعا”، الحاجة حسنة الحريري، تنعي فيها عبد الباسط، وتحض أصدقاءه على إكمال طريق الثورة. فالائتلاف السوري لقوى المعارضة والثورة نعى عبد الباسط الساروت، وقدم التعازي لعائلته وللثوار وللسوريين بوفاته.

خبر وفاة “بلبل الثورة” جاء صادمًا لكثيرين من مؤيدي الثورة السورية الذين رثوه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات حزينة، وتصدرت صورة الساروت ومقاطع من الأناشيد التي كان يغنيها صفحات الآلاف من الناشطين والإعلاميين والسياسيين المعارضين.
الساروت كسب قلوب السوريين بتصريحاته العفوية وتواضعه والأمل الذي كان يتملكه حتى في أصعب الظروف، واستطاع بإيمانه العميق وأمله أن يجعل الثوار يهتفون بأناشيده في كل ظرف يتردد فيه اسمه، وعندما انطلقت الثورة السورية في 2011 ترك عبد الباسط الساروت ملاعب كرة القدم وانضم إلى المظاهرات المناهضة للنظام، وحين جوبهت الاحتجاجات بالقوة حمل السلاح وخاض معارك كثيرة كان آخرها بريف حماة، حيث قُتل منشد الثورة السورية وحارسها كما يصفه ناشطون.
الوداع الأخير.. والدة #عبد_الباسط_الساروت تودع ابنها pic.twitter.com/1bSoYG0USC
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 9, 2019
حارس الحرية
وكتب المعارض السوري أحمد أبا زيد، في حسابه على تويتر، “عبد الباسط الساروت شهيدا.. حارس الحرية وأيقونة حمص ومنشد الساحات والصوت الذي لا ينسى في ذاكرة الثورة السورية”.
ورثاه أيضا القيادي بالائتلاف الوطني السوري هادي البحرة، حيث كتب عنه في تغريدة بتويتر: “الشاب عبد الباسط الساروت سيبقى حيا.. اختار وعقد العزم واستشهد على أمل أن يتحقق حلم السوريين”.
من جهته كتب الإعلامي أحمد موفق زيدان، في حسابه بتطبيق تليجرام، “صوتك سيبقى يدوي في الأجيال الراهنة والمقبلة.. وستظل دماؤك شعلة حرية حتى تطهير الوطن”، أما الناشط هادي العبد الله فكتب في صفحته بموقع فيسبوك أنه “لا كلام ولا مفردات تعطي البطل حقه… لطالما تمنى الشهادة على أرض سوريا”.
كان الساروت حارس مرمى منتخب سوريا للشباب ونادي الكرامة بحمص، لكنه سرعان ما التحق بالمظاهرات المناهضة للنظام في مارس 2011، ولأن هذا الشاب الذي كان حينها دون العشرين من سكان حي البياضة في حمص، فقد انضم إلى المظاهرات الحاشدة التي كانت تخرج في ساحات المدينة، وخاصة منها ساحة الساعة.
وخلال تلك المظاهرات، برز عبد الباسط كمنشد يردد الهتافات الثورية تحفيزا للمتظاهرين الذين كانوا ينادون بإسقاط النظام، وكان من بين تلك الأناشيد “جنة جنة والله يا وطنا”، ثم كان من أناشيده بعد التهجير نحو الشمال السوري “راجعين على حمص.. راجعين على الغوطة”.
وفي 2014، روى فيلم “عودة إلى حمص” للمخرج السوري طلال ديركي- والذي نال جائزة في مهرجان ساندانس الأميركي للسينما المستقلة- حكاية شابين من حمص، أحدهما الساروت، كما تضمن ألبومًا غنائيًّا جمع عدة أناشيد راجت خلال المظاهرات المناهضة للأسد في بدايات الثورة، وطُبعت صورته على طوابع بريدية رمزية صممها ناشطون معارضون في 2012 لتوثيق الاحتجاجات.
أم الشهداء
ولم تقتصر مشاركة الساروت في المظاهرات على مدينة حمص، بل شارك وأنشد خلال مظاهرات خرجت في مدن بالشمال السوري كمدينة إدلب، ضد هجمات قوات النظام السوري على مدينة حلب ثم على محافظة إدلب نفسها.
الساروت أطلق أغنية تناول فيها ثورتي السودان والجزائر، إضافة إلى سوريا، جاء فيها: “سوريا جانا رمضان بعد رمضان العيد.. تاسع سنة يا غالية وبعده المرار يزيد. جتنا الجزائر ثائرة.. بيها الحرائر سايرة.. خرطوم صاحت حاضرة.. ونقوم إيد بإيد”.
أما والدة عبد الباسط الساروت الملقبة بـ”أم الشهداء خنساء حوران”، فقد سافرت 13 ساعة متواصلة لرؤية ابنها، وقالوا لها هو فقط مصاب ولم يخبروها باستشهاده إلا عند وصولها إليه.
وعبد الباسط هو شهيدها الخامس من فلذات أكبادها، وفقدت 5 من أخوتها شهداء، وذرفت دمعات طاهرات ثم أتبعتها بثبات “الحمد لله”، وقالت وهى تنعى عبد الباسط الساروت بكلمات من ألم وأمل ودمع: “استشهاد عبد الباسط قوة إلكم.. والله يا يما قوة إلكم! الله بياخد العزيزين تيشدّ هممكم يا يمّا بدكم تكملوا.. اصحكم يمّا لازم تغاروا من عبد الباسط.. اليوم إلو زفة من ملائكة الرحمة إن شاء الله”.
أم الشهداء خنساء حوران تنعى عبد الباسط الساروت بكلمات من ألم وأمل ودمع:
استشهاد عبد الباسط قوة إلكم.. والله يا يما قوة إلكم!
الله بياخد العزيزين تيشدّ هممكم
يا يمّا بدكم تكملوا.. إصحكم يمّا لازم تغاروا من عبد الباسط.. اليوم إلو زفة من ملائكة الرحمة ان شاء الله.. pic.twitter.com/98osTMisaj— هادي العبدالله Hadi (@HadiAlabdallah) June 8, 2019