جاءت ردود الفعل الأمريكية باهتة تماما على وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، فلم يصدر أي تصريح من قبل الرئيس دونالد ترامب أو وزير خارجيته عن وفاة محمد مرسي، وجاء التصريح الوحيد عبر المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، التي قالت: "رأينا التقارير حول وفاة مرسي وليس لدينا تعليق".
ولمح روبرت فيسك في "إندبندنت" التواطؤ الأمريكي مع الإنقلابيين وقال: "يا إلهي كم كان ردنا على الطريقة الشائنة لوفاة محمد مرسي في قفص". مضيفا: "لن نتعب في تكرار ما ورد من كلمات ندم وقرف ورعب والشجب الذي يمزق الآذان على وفاة الرئيس الوحيد المنتخب في قاعة المحكمة هذا الأسبوع، من داونينع ستريت إلى البيت الأبيض قصر الإليزيه وبرلين؛ لأن شيئا لم يصدر من هذه الأماكن".
وأضاف فيسك "ساد الصمت ولا لم تصدر حتى ولا ثرثرة أو تغريدة طير، من تغريدات الرئيس المجنون ولا حتى كلمة صدرت عفوا تعبر عن الندم. فمن يزعمون أنهم يمثلوننا كانوا خرسا وبدون كلام مثل الزجاج الواقي من الصوت، مثل مرسي عندما كان في قفصه في قاعة المحكمة وكما هو الآن في قبره بالقاهرة. ويبدو وكأن مرسي لم يعش أبدا، وكأن أشهره القليلة في الحكم لم تحدث، وهو بالضبط ما يريد عبد الفتاح السيسي، عدو مرسي، وهو أن تنساه كتب التاريخ".
وقال روبرت إن الصمت المخجل ليس دليلا فقط على الطبيعة المثيرة للشفقة لمن يمثلوننا في الغرب بل هي دليل مشجع لكل زعيم في الشرق الأوسط أن آثامه ستمر بدون عقاب ولن يفكر بها أحد وأن العدل لن يعوض وكتب التاريخ لن تقرأ.
أين حقوق الإنسان
ومن جانبها، أبدت "هيومن رايتس ووتش" استغرباها على صمت الخارجية الامريكية على وفاة الرئيس المصري محمد مرسي داعية الوزير الأمريكي مايك بومبيو إلى أن يعرب عن القلق علنًا وسرًّا بشأن الظروف السيئة للمحتجزين السياسيين في مصر، كما يتضح من وفاة الرئيس السابق محمد مرسي في 17 يونيو.
ونشر فريق العمل المعني بمصر في "هيومن رايتس ووتش" الأمريكية، رسالة بعثها إلى "بومبيو"، الخميس 20 يونيو 2019، قالوا: "نطلب منكم، الوزير بومبيو، أن تتحدث علنًا وسرًّا عن الظروف المؤسفة للمحتجزين المصريين ودعم خطوات محددة لمعالجتهم.. تطلب مجموعات حقوق الإنسان المصرية السماح للجنة الصليب الأحمر الدولية بالوصول إلى السجون وإصدار تقرير يتضمن توصيات بالتحسين:".
ودعت الرسالة إدارة ترامب إلى لعب دور إيجابي للذين يناضلون من أجل حقوقهم ضد المجلس العسكرية. يجب أن تفعل الشيء نفسه وأكثر نيابة عن السجناء السياسيين في مصر".
وفاة مبكرة
وأعادت المنظمة في رسالتها تأكيد ما حذر منه برلمانيون بريطانيون تحققوا قبل أكثر من عام من أن سوء معاملة مرسي قد يؤدي إلى وفاته المبكرة.
وقالت الرسالة إن الرئيس مرسي، البالغ من العمر 67 عامًا، انهار في قاعة المحكمة وتوفي بعد ست سنوات من الاحتجاز في ظل ظروف قاسية للغاية. لم يقتصر الأمر على بقاء مرسي في عزلة تامة ولم يسمح سوى بثلاث زيارات عائلية على مدار ست سنوات، لكن مسؤولي السجن حرموه من العلاج الطبي لمرض السكري وكذلك أمراض الكلى والكبد. احتج هو وعائلته مرارًا وتكرارًا على تدهور حالته الصحية.
ودعت الرسالة إلى أن تكون وفاة مرسي بمثابة دعوة للاستيقاظ لتجديد الانتباه الدولي لحالة المعتقلين المصريين الآخرين الذين تتعرض حياتهم للخطر ومن الممكن إنقاذهم.
تفسير للصمت الأمريكي
وكشفت مصادر مصرية وجود مخاوف لدى دوائر صنع القرار الحكومية إزاء المطالب المتكررة من أطراف خارجية، بشأن إجراء تحقيق دولي شفّاف في ملابسات وفاة رئيس البلاد الراحل محمد مرسي، جراء الإهمال الطبي المتعمّد الذي عانى منه على مدى ست سنوات قضاها قيد الاعتقال.
وأضافت المصادر أن "الخارجية المصرية أصدرت بيانين رسميين لإعلان رفضها لأي مطالبات بإجراء تحقيقات أممية شفافة، باعتبار أن الوفاة طبيعية، ولا دخل لظروف الاحتجاز بها.
وفسر موقع "الشارع السياسي" في تقديره للموقف الأمريكي وفقا لـ3 أسباب رئيسية:
الأول/ الشخصيات الرئيسية الصانعة للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ومصر، حيث إنهم جميعًا من اليمين الأمريكي الذي يرى في الإسلام السياسي كله، ومن ضمنه جماعة الإخوان خطرًا.
الثاني/ دور التحالفات السياسية بين الولايات المتحدة والقاهرة وأبو ظبي والرياض، فجميع هذه العواصم تناصب الإخوان العداء وتصنفها كجماعة إرهابية ومن ثم لا ترغب أميركا أن تعكر صفو علاقتها معها، لا سيما مع حالة التوتر الموجودة في الشرق الأوسط، فهي تعتمد على هذه الدول في تنفيذ استراتيجيتها هناك.
الثالث/ سباق الانتخابات الرئاسية، فلا أحد من السياسيين يريد أن يغامر ويضع نفسه في خانة واحدة مع أكبر جماعة إسلامية في الشرق الأوسط، لطالما استخدمها اليمين كدليل على عدم مراعاة خصومه لأولويات الأمن القومي الأمريكي.
عار على الإنسانية
وقال الكاتب التركي، جاهد طوز، لموقع "تركيا الآن" إن "الموقف الدولي هو عار على جبين الإنسانية.. صمت الدول الغربية يدل على أنها لم تكن بجانب شعوب الشرق الأوسط في محاولتها لبلوغ تطلعاتها".
ورأى طوز أن “موقف الغرب ليس مستغربا.. ولم يكن موقفه بالأساس تجاه الانقلابات والأنظمة وفق قيمه ومبادئه، والسبب هو تفضيل المصالح وفق الحاكم الذي يأتي، فإن تصرف لصالحهم، ولو بشكل غير إنساني، فهم يدعمونه، كما يحدث مع خليفة حفتر في ليبيا".
وأردف أن "مرسي لم يكن متناغما مع الأهواء الغربية، بل كان وطنيا ويرغب بتطوير مصر، ولهذا كان الغرب صامتا إزاء الإنقلاب عليه، ثم وفاته".
واستطرد: "الغرب لم يتحرك أبدا وفق قيمه الديمقراطية والإنسانية.. تم تحويل تلك القيم إلى نظام خاص بهم، بينما الديمقراطية هي وسيلة فقط للوصول إلى مصالحهم".
ومضى قائلا: "في القرن الحادي والعشرين تم تنفيذ جرائم تطهير بحق الشعب المصري في الشوارع، وصمت الغرب عن تلك الجرائم يدل على أنهم كانوا غير سعداء بحكم مرسي ويريدون شخصا يتناسب مع سياساتهم مهما كان.. الغرب شريك في جرائم السيسي”.
لغة المصالح
وقال البروفيسور الدكتور كمال إنات، عضو الكادر التدريسي في قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية في جامعة صقاريا التركية: إن "مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاه مصر تتشكل من خلال سياسات القوة".
وأضاف "إنات"، في مقال له، أنه "يجب ألا ننسى أبدًا أن قيمًا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي كانت واشنطن ودول أوروبا الغربية تستخدمها في كثير من الأحيان للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، قد تم تجاهلها تمامًا عندما انقلب الجيش على الرئيس المنتخب".

وتابع: "عندما كانت الديمقراطية وحقوق الإنسان وكذلك جميع التعاليم والمبادئ المتعلقة بسيادة القانون والقانون الدولي تُداس في الفترة التي أدت إلى الانقلاب وفي أعقابه، أيدت واشنطن ومعظم العواصم الأوروبية الانقلاب علنًا من خلال تصريحاتهم المشجعة أو التزامهم بالصمت، ما يعني موافقتهم الضمنية على جميع الانتهاكات المرتكبة".
وشدّد على أن "موقف الدول الغربية الموجه نحو سياسة القوى ليس مفاجئًا بالنسبة لأولئك المطلعين على السياسات العامة لهذه الدول؛ حيث إنهم كلما اضطروا إلى الاختيار بين مصالحهم والقيم التي ينادوا بها مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، يقع اختيارهم على المصالح التي تعكس رؤيتهم قصيرة المدى".