سيناريو مصر.. هل تم الالتفاف على ثورة الشعب في السودان؟

- ‎فيتقارير

بينما كان وسطاء الاتحاد الإفريقي يضطلعون بمهمة التوصل لاتفاق تقاسم السلطة النهائي في السودان، أُبرم هذا الاتفاق في أسبوع حافل بتظاهرات احتجاجية جامحة يُحرِّكها الغضب الشعبي إزاء الوحشية العسكرية، بالإضافة إلى سلسلة من الجلسات الدبلوماسية المكثفة خلف الكواليس، التي توسَّط فيها "تحالف استثنائي يضم القوى الأجنبية التي كانت في السابق على خلاف حول مصير السودان"، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

‏الصحيفة الأمريكية كشفت عن أن اتفاق السودان حضره دبلوماسيون من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، وأن المدنيين تنازلوا كثيرًا، وليست هناك أي إشارة لإعطائهم سلطة فيما يتعلق بالموارد أو صنع القرار أو خدمات الأمن، بل إن الاتفاق يعطي مزيدًا من الوقت والمساحة للعسكريين لتعزيز قوتهم. باختصار وكما يقول مراقبون "تم الالتفاف على ثورة الشعب.. والعسكر في يدهم كل شيء وسوف يسحقون كل من عارضهم.. سيناريو مصر بشكل آخر".

مع أن تفاصيل الاتفاق لا تزال قيد الإعداد، فإنَّه يمنح شعبَ واحدةٍ من أكبر الدول الإفريقية، وأهمها من الناحية الاستراتيجية أملا ضعيفا في الانتقال إلى الديمقراطية، بعد 30 عاما من الديكتاتورية حكم خلالها الرئيس السابق عمر حسن البشير، الذي أُطيح به في أبريل  2019

وكان لِزاما على قادة الاحتجاج المشاركين في المفاوضات تقديم تنازلات كبيرة، إذ سيدير جنرالٌ بالجيش شئون السودان لأول 21 شهرا من الفترة الانتقالية، ثم يخلفه مدني لمدة 18 شهرا، لكنّ كثيرين يشكِّكون في أن الجيش قد يفكر في تقاسم السلطة يوما. والآن، أصبح المجلس الحاكم يضمُّ خمسةَ مدنيين، وخمسة قادة عسكريين والعضو الحادي عشر توافق الطرفان عليه.

قواعد الانقلاب

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لرئيس تحرير صفحات الرأي، آدم تايلور، بالاشتراك مع الكاتبة كلير باركر، قالا فيه إن مشاركة القادة العسكريين ذوي الصيت غير المحمود- في الانتقال المخطط للسودان إلى الحكم المدني- يشير إلى أن هذه البلاد سوف تتبع قواعد اللعبة التي أصبحت راسخة، وأجهضت غالبية ثورات الربيع العربي التي بدأت عام 2011.

وأوضح المقال أنه وعلى الرغم من أن الاتفاقية تنص على أنه لا ينبغي السماح للمتورطين في العنف ضد المحتجين بالمشاركة في السلطة القادمة، فإنه لا يستبعد من المشاركة في السلطة أكثر القادة العسكريين عنفًا، والذي عُرفت قواته الدعم السريع ضد الثوار، وهو الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي".

ورغم أن البعض تنفس الصعداء عقب اتفاق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على ترتيبات انتقال السلطة بالسودان، لكن فض الاعتصام أمام قيادة الجيش ما زال يخيم على فرحة الشارع، الذي يخشى انقلاب العسكر أو التفافهم على الاتفاق.

وعلى امتداد شارع المعونة الرئيسي بمدينة الخرطوم بحري، كانت حرائق الإطارات لا تزال مشتعلة استجابة لجدول تجمع المهنيين التصعيدي، عندما خرجت أحياء المدينة فرحا بالاتفاق الذي أعلن الساعة الثانية صباح الجمعة الماضية، واستمرت مظاهر الاحتفال به حتى شروق الشمس.

كلمة العسكر!

ويرفض غالبية شباب الثورة في السودان الاتفاق الذي يلبى الحد الأدنى من طموحهم، واتفقوا على إجابة واحدة وهي "لا، لكن يجب أن نأخذ ما تحقق من مكاسب أولا".

ويقر صديق يوسف، وهو عضو وفد قوى إعلان الحرية والتغيير للمفاوضات مع المجلس العسكري، بأن جزءا من الشارع متوتر من الاتفاق مع العسكريين المتهمين بـ"مجزرة" فض الاعتصام، وهي تهمة تظل قائمة حتى إجراء تحقيق يبرئ أو يدين العسكر.

ويبدو واثقًا من أن غالبية الجماهير تنظر إلى الاتفاق بوصفه تقدما يجنب السودانيين سفك الدماء ويحقق مكاسب لقوى الثورة، تتمثل في مجلس وزراء تختاره هذه القوى، ومناصفة مرجحة للمدنيين في مجلس سيادة بلا سلطات تنفيذية أو تشريعية.

ويشير إلى أن المجلس التشريعي سيتم التشاور حوله بين رئيس الوزراء ومجلس السيادةـ على أن تحدد الحكومة الانتقالية ممثلة في مجلسي الوزراء والسيادة نسب المشاركة فيه. ويقر يوسف- الذي فاوض العسكر على مدى يومين ضمن فريق قوى الحرية والتغيير- بأنه لا يوجد ضمان لحماية الاتفاق سوى احترام الأطراف له.

ويتابع "يمكن أن يحصل انقلاب من العسكر كما حدث بالسودان في فترات سابقة، لكن في الوقت ذاته هناك الجماهير التي قطعا سترفض ذلك. لذلك أستبعد لجوء العسكر لخيار الانقلاب".

وقالت الناشطة شاهيناز جمال، عبر حسابها بفيسبوك: "الاتفاق الذي تم فجر اليوم ليس بمستوى عظمة الثورة السودانية ولا يرقى إلى الحد الأدنى من طموحات الشعب السوداني.. النتيجة هي أننا اليوم أمام ثورة موقوفة ومعلّقة، أي أنها لم تفضِ لا إلى انتصارٍ ولا إلى هزيمة".