لا يبدو أن الاحتجاج على نتائج لجنة التحقيق القضائية في أحداث فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم سيكون نهاية أزمة الدماء في مخاض الثورة السودانية العسير، إذ جاء الرد بإراقة دماء جديدة هذه المرة في صفوف طلاب بدءوا لتوهم اقتفاء آثار ما تعلموه من وطنية وحب لبلادهم، وخرجوا محتجين على تبرئة ساحة القتلة من دماء الثوار، فكان مصيرهم من جنس آلة القتل نفسها.
ثمانية قتلى أو يزيد، أربعة منهم على الأقل من طلاب المرحلة الثانوية في تجدد المواجهات مع عناصر الطرف الثالث، كما اعتاد المجلس العسكري تسميتهم، هي المتهم نفسه بالنسبة للشارع السوداني.. قوات الدعم السريع، وهو القائد نفسه محمد حمدان حميدتي الذي يتجاوز بخطواته حدود البلاد ويتحدث من القاهرة عن مستقبل السودان.
مستقبلٌ لا حظوظ فيه للمحاسبة، إذ يشترط لنفسه ولشركائه بالمجلس العسكري حصانة من المسائلة عن كل ما شهدته البلاد من أحداث منذ عزل البشير، بل وحتى ما قد تشهده مستقبلا خلال الفترة الانتقالية، ليبدو أن الطرف الثالث وفزاعة محاولة انقلاب نظام البشير ستسلك طريقها نحو استنساخ سيناريو الثورة المضادة.
وفي السياق ذاته، أعلن حاكم ولاية كردفان حظر التجوال وتعليق الدراسة ما قبل الجامعية في الولاية، بعد تجدد المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن السودانية، وقد لقي 8 مواطنين مصرعهم على يد قناصة بمدينة الأبيض عاصمة الولاية بعد خروج طلاب المرحلة الثانوية في مسيرة احتجاجية انضم لها عشرات المحتجين.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية، إن من بين القتلى 4 طلاب على الأقل، فيما تحدثت مصادر سودانية عن إصابة العديد من المشاركين في المظاهرة، ما قد يرفع عدد الضحايا، وفيما لم يشر بيان اللجنة إلى الجهة التي ينتمي إليها القناصة، إلا أن متظاهرين أكدوا أنهم تابعون لقوات الدعم السريع .
يأتي هذا بالتزامن مع زيارة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي للقاهرة واجتماعه مع عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، في زيارة هي الثالثة لمسئول سوداني رفيع المستوى خلال شهرين بعد رئيس الأركان الموقوف حاليا، الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب، بمزاعم تدبير محاولة انقلاب رابعة على قيادة المجلس العسكري الذي كان جزءا منها.
قناة "مكملين" ناقشت عبر برنامج "قصة اليوم"، قصة الثورة السودانية وربيعها المتجدد، ومدى قبول الحركة الإسلامية بإقصائها عن الحياة السياسية السودانية.
وقال المحلل السياسي السوداني مازن الحميدي: إن المجلس العسكري ما هو إلا امتداد لنظام البشير، ولا يصلح أن يكون جزءا من المشروع الوطني السوداني.
وأضاف الحميدي أن هناك العديد من التعقيدات التي تتصدر المشهد السوداني، حيث اختلطت الأمور تماما، مضيفا أن الثورة كانت شعبية عارمة ضد نظام محدد وليس تجاه أشخاص، موضحا أن اقتلاع البشير وعدد من رموز نظامه لا يعني أن النظام سقط.
وأوضح الحميدي أن الجيش السوداني بكل مكوناته ما هو إلا امتداد للمنظومة السابقة والثورة لم تكتمل بعد، وما زال هناك الكثير من العمل بانتظار الثوار، ولا بد من رفع الوعي لدى الثوار بحقيقة الأوضاع.
وأشار الحميدي إلى أن انسحاب الحركة الإسلامية (في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني الذي أسسه الرئيس السابق عمر البشير) من المشهد السياسي لا يدعو إلى التفاؤل، مرجحا أن يكون الإعلان عن الانسحاب مناورة سياسية.
بدوره رأى الدكتور محمد إبراهيم الرشيد، أستاذ العلوم السياسية، أن الثورة السودانية دخلت المرحلة الثانية من عمرها: الأولى كانت إزاحة نظام البشير، والثانية كانت المد الثوري والجماهيري، والذي انتهى بفض اعتصام القيادة العامة ونحن الآن في المرحلة الثالثة.
وأضاف الرشيد أن من علامات هذه المرحلة تنامي التأثير الخارجي على الأوضاع في السودان، وهناك مخطط لقتل المد الثوري وإعلان انتهاء دور الثورة والثوار باقتلاع النظام، ومن خلال سير المفاوضات يتضح جليا أن الثورة السودانية اختطفت بعد علو كعب الوسيط الإفريقي وبرفقته المبعوث الأمريكي.
ودعا الرشيد إلى إطلاق مشروع وطني لإعادة تقييم الأحداث، ويعيد حالة الوعي إلى مسارها الاستراتيجي.