تغلغل الفقر في بيوت المصريين ونهش أجسادهم بعد جيوبهم، بما كسبت أيدي العسكر من القمع والظلم والقهر والتخريب الاقتصادي، وبما سكت المصريون عن مقاومة الظالم وفرطوا في حقوقهم، أثارت تصريحات منسوبة للبنك الدولي، تشير إلى أن معدل الفقر صعد من 24% عام 2010 إلى 30% عام 2015 ثم قفز إلى 60% العام الحالي 2019، ضجة كبيرة بين المصريين على مدار الأيام الماضية، وهو ما انعكس صداه في تقدّم أحد نواب برلمان الدم بطلب إحاطة لرئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، حول توقّف عصابة العسكر عن إصدار تقرير بالفقر.
وفي وقت سابق سحبت حكومة الانقلاب الاعلان عن مشروع وزارة للسعادة، بينما ينتظر مصريون أن تنفجر حناجر وعاظ وزارة الأوقاف في حكومة الانقلاب، بخطب في الجمع القادمة تتحدث عن فضائل الفقر والتسول، بينما تختلط شكاوي المهمشين وتتزاحم أجسادهم المتعبة المكسوة بألبسة متواضعة، وتتلاقى وجوه أصحابها المتشابهة في ملامح الفقر والعوز بين جنبات شوارع مصر الفقيرة.
فضل التسول!
مظاهر الفقر وشظف العيش التي تتزايد يوما بعد يوم بعد انقلاب 30 يونيو 2013، في المناطق والأحياء وترجمها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في بياناته التي كشف عنها وأفادت بنزول أكثر من مليونين ونصف مليون مصري تحت خط الفقر خلال العام الماضي.
وبالطبع سيخرج محمد المختار جمعة، وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب، وسيرغي ويزبد من فوق المنبر بأقاويل حق يراد بها باطل، وسيتحدث عن حكمة الله وعلمه فاضل بين عباده بالفقر، والغنى، فأغنى من شاء وأفقر من شاء، والفقراء هم أول من يدخل الجنة، والفقراء هم أتباع الأنبياء والرسل!
وربما يسترسل “جمعة” في خطبته الموحدة التي سيقرأها جميع الأئمة على منابر المحروسة، ويسقط النصوص في غير مكانها كعادته، ويقول أن الله أمر نبيه صلى اللهُ عليه وسلم بملازمة الفقراء، والضعفاء، والمكث معهم، فإن ذلك أبعد عن مظاهر الدنيا وفتنتها،وقد يحتقر الفقير في مجتمعه ولكنه عند الله بمنزلة عظيمة.. إلا أنه لن يتحدث بالطبع عن النهب والسرقة والظلم وغياب العدالة الاجتماعية في جمهورية العسكر.
وطبقت حكومة العسكر، حسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في 2016، عدة تدابير تقشفية شملت خفض دعم الوقود والكهرباء لعدة مرات، وكذلك خدمات أخرى، بالإضافة إلى تعويم الجنيه.
وفي 3 نوفمبر 2016، حررت حكومة العسكر العملة المحلية، ليصعد سعر الدولار إلى نحو 16.53 جنيها مقابل 8.88 جنيها، ونتيجة لتلك الإجراءات، ارتفعت معدلات التضخم بمصر إلى مستويات قياسية غير مسبوقة خلال عقود، ما أدى إلى تآكل قيمة الدخول الحقيقية للمواطنين، قبل أن تبدأ في التراجع دون 10 بالمئة مؤخرا.
وتسير خطط العسكر في سياق ما يمكن أن نسميه الاقتصاد الأعمى، الاقتصاد الذي لا يرى البشر، الذي يتعامل معهم بوصفهم أجسامًا مصمتة لها ذات القدرة على التحمل، ويتغاضى الاقتصاد الرسمي عن طبيعة تلك الأجسام، مواقعها الاجتماعية، وقدراتها المتباينة على تحمل الأزمات الاقتصادية، يتعامل مع كل ذلك بما يشبه العمى الكلي، أو ما يسميه الاقتصاديون الموضوعية الكاملة.
مثلًا تطلق حكومة العسكر على الغلاء لفظ التضخم، الذي يشير بشكل جاف إلى مجرد الحجم أو الضخامة، بينما يعكس التعبير الشعبي للمصطلح الطبيعة الموضوعية للأزمة، الأسعار قد زادت والغلاء من الغلو قد حل.
خط الجوع!
كي يصدر مسئولي المركزي للمحاسبات في حكومة العسكر رقمهم الموحد عن التضخم لا بد أن يحشروا المصريين في نمط إنفاق واحد، رغم اختلاف مستويات دخولهم، يتم حساب معدل التضخم بناء على الزيادات الشهرية أو السنوية في بنود الإنفاق المختلفة، الغذاء والسكن والوقود والملابس وغيرها، ومن خلال حساب متوسط الزيادات في تلك البنود ومقارنتها بالفترة الزمنية السابقة نحصل على معدل التضخم العام.
يفترض معدل التضخم هذا بالطريقة تلك، أننا جميعا كمصريين ننفق المال على 12 بندًا للإنفاق ، 40% للغذاء، 6% على الصحة، 18% على الإيجار وهكذا، يقول المركزي للإحصاء بحسب تعليمات عصابة الانقلاب، إن تلك النسب ليست جزافية وإنما نتيجة أبحاث ميدانية وأن تلك النسب تحدّث كل فترة.
لكن إذا دققنا في شرائح الإنفاق التي يرصدها بحث الدخل والإنفاق في مصر سنجد أنه يرصد أكثر من 20 شريحة إنفاق، تبدأ من أسر لا يتخطى إنفاقها الشهري 10 آلاف جنيه سنويًا، إلى أسر يتخطى إنفاقها 100 ألف جنيه في السنة، فكيف إذن يعبر معدل تضخم واحد عن هذا التفاوت؟
فبحسب المعدل العام للتضخم، فالأسر توجه حوالي 40% من إنفاقها على بند الغذاء، لكن إذا نظرنا للشريحة الأولى من الإنفاق، الأقل من 10 آلاف جنيه سنويًا، سنجد أنها وبحسب الأرقام الرسمية تنفق 56% على هذا البند، وبالتالي سوف يتأثر هؤلاء بصورة أكبر بالزيادة في أسعار الغذاء .
وعلى خلاف تقارير حكومة العسكر، غالبًا ما ينفق الأشخاص تحت خط الفقر معظم دخلهم على بند الغذاء، وهو ما لا يظهر في المؤشر العام للتضخم، لأنه في الغالب يغطي المساحة ما بين 3300 جنيه شهريًا من الدخل و5000 جنيه، وبالتالي لا يخبرنا بشكل دقيق عن كيف أثرت زيادة الأسعار على من دون الـ3300 جنيه شهريًا، وما فوق الـ5000 جنيه شهريًا .
