خادم المتوسط.. بحرية السيسي تحمي أوروبا بدلا من الوطن

- ‎فيتقارير

بعد نجاح مؤامرة انفصال مصر عن الخلافة العثمانية وإعلان الحماية البريطانية عليها خاضت معارك لا ناقة لها فيها ولا جمل بداية من الحرب العالمية الأولى، التي مع نهايتها لم يعد إمبراطوريات الأربع وجود، وهي الإمبراطورية الألمانية والروسية والنمساوية المجرية والعثمانية بعد تقسيمها، وإعادة ترسيم الحدود، وظل الجيش المصري تحت تصرف بريطانيا إلى هذه اللحظة.

وتنظر أوروبا اليوم إلى جنرال إسرائيل السفيه السيسي ذات النظرة البريطانية القديمة، بوصفه الحارس الأمين على بواباتها الجنوبية، وهو ما يفسر ما يبدو اليوم وكأنه سباق محموم من قبل القوى الأوروبية على تسليح الجيش المصري، وإجراء المناورات العسكرية التدريبية مع البحرية المصرية.

وتعود الحكاية لعام 2013 عقب الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، اول رئيس مدني مصري منتخب للبلاد، ورفض تركيا الاعتراف بسلطة عصابة السفيه السيسي، حيث بادرت السلطة المعيًنة من قبل الانقلابيين بترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان.

بينما تجاهلت ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، كما قام السفيه السيسي، في نوفمبر 2014 بعقد قمة مع رؤساء حكومتي قبرص واليونان سميت إعلاميا بقمة الكلاماتا، وتم التوقيع على الاتفاقية الإطارية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بينهم دون تركيا، في إعلان للحرب على المصالح التركية في البحر المتوسط.

على الجانب الأخر، تؤكد الحكومة التركية أن المسافة بين مصر وتركيا عند أقرب نقطة بين شاويش كوي التركية وبلطيم المصرية، هي أقرب من المسافة بين قبرص واليونان، الأمر الذي يسمح لمصر وتركيا أن تقتسما الحدود البحرية دون قبرص واليونان، طبقا لاتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بترسيم الحدود البحرية.

خادم أوروبا

بداية من فرنسا التي أجرت تدريبين عسكريين مع مصر في العام 2016، وصولًا إلى بريطانيا المحتل القديم التي خاضت تدريبًا مشتركًا مع مصر في أكتوبر من نفس العام، تزامنًا مع زيارة البارجة البريطانية “أوشن” شواطئ الإسكندرية.

وانتهاءً بألمانيا التي تفاوضت في السابق مع السفيه السيسي باسم الاتحاد الأوروبي على اتفاق شامل، قد لا يتضمن فقط قيام البحرية المصرية بدور خادم أوروبا، ومنع تدفق قوافل الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط؛ ولكنه ربما يمنح السفيه السيسي مبالغ مالية كبيرة، في مقابل إقامة معسكرات إيواء تستقبل حتى 500 ألف شخص، من المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم التقاطهم من البحر، إضافة إلى الذين يتم إبعادهم من الاتحاد الأوروبي.

وتشعر أوروبا بالحاجة إلى انقلاب السيسي أكثر من أي وقت مضى، وهو وضع يستغله السفيه السيسي بوضوح، ليس فقط للحصول على مساعدات عسكرية يتم تمويل جزء كبير منها عبر قروض تحصل عليها مصر من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين؛ ولكن أيضًا للحصول على مساعدات مالية مباشرة، أو الاستفادة من النفوذ الأوروبي لتسيير شروط التمويل من قبل المؤسسات الأوروبية كما حدث مع قرض صندوق النقد الدولي.

ويأمل السفيه السيسي من خلال توسعه في تسليح البحرية المصرية إلى تحقيق جملة أهداف متداخلة، ربما يكون منها معالجة أي طارئ عاجل أو تهديدات أمنية غير تقليدية؛ لكن توسعه البحري يهدف في المقام الأول إلى تعزيز قدراته على القيام بعمليات إسقاط القوة ضد دول متمردة على أوروبا مثل تركيا، ما يضمن للسفيه السيسي سيطرة قوية ومكانة عند رعاة الانقلاب الأوروبيين، ويكفل له من ناحية أخرى القدرة على تقديم نفسه كحليف موثوق به، سواء من خلال مساعدة داعميها الخليجيين في البحر الأحمر، أو القدرة على الاستجابة لمطالب الحلفاء الأوروبيين في البحر المتوسط.

أما في الداخل، ورغم أن هذه الصفقات تأتي بتبعات هائلة على الاقتصاد المصري الذي يعاني بالأساس؛ إلا أن سجل مصر الطويل من التشويش على مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية شديدة الضخامة، يخبرنا أن المصريين سوف يقبلون على الأغلب دفع إرث التبعات الهائلة لطموحات عصابة الانقلاب، ما داموا مقتنعين أن ثمن ذلك هو حصولهم على جيش قوي وحدود مؤمّنة، وهما من ضمن خطوط الداخل المصري شبه المقدسة.

ذاكرة التاريخ

ومنذ الحرب العالمية الأولى لم تكن مصر صاحبة قرار المشاركة في أي حرب خارج حدودها، وكانت مرغمة منفذة للأوامر للمحتل البريطاني بحكم تبعيتها له، وبالتالي كان يسقط حقها فى تكريم ضحاياها من الجيش، أو تعويضها، أو رفع العلم، لأن مشاركتها تحت اسم بريطانيا.

وبدلا من حفظ بريطانيا الجميل، وإعلان رفع الحماية عن مصر تقديرا لخدماتها، وإرسال فرق الجيش المصرى إلى أوربا والقتال معهم، وتعرضها لهجوم الألمان، وتحمل ميزانياتها المنهكة الكثير من الأعباء المالية فى إطار دعم المجهود الحربى تملصت بريطانيا عن وعودها، وأخذت تراوغ للبقاء أكثر والتدخل في كل شيء وفرض وصايتها على البلاد كمحتل له أطماع توسعية، ونهب المزيد من خيرات مصر.

وقد أدى مصادرة الأراضي ونزع ملكيتها، واحتكار الإنتاج الزراعي والحيواني، والتهرب من تعويض الفلاحين والمتضررين، إلى جانب عمليات الاستغلال، والمعاملة السيئة لأهالى ضحايا الحرب والمفقودين، واستمرار نظام التجنيد الإجبارى بعد الحرب، إلى زيادة حالات الفقر والمرض، ونفور الناس، وبدأ التذمر والمظاهرات والاحتجاجات الشعبية، لتشتعل شرارة ثورة 1919 ضد البريطانيين.