بعد جولة جديدة من الاعتداء على الأطباء، في ظل تجاهل الانقلاب لإيجاد حلول جذرية لها، اعتدى أهالي مريض توفي بالعناية المركزة بمعهد السكر في الساعة الرابعة فجر أمس الأربعاء على أطباء المعهد، وأصيب في الاعتداء طبيبان، إصابة أحدهما بالغة،
فضلا عن التلفيات بالأجهزة بالعناية.
ولمعرفة الأطباء بأنه لا حقوق لهم في ظل غياب القوانين التي ينبغي أن تحصنهم، انتهى الأمر عصر الأربعاء بعمل محضر باسم المستشفى.
وكيل نقابة الأطباء، منى مينا، لم تجد في جدول ردود الفعل إلا كتابة "منشور" يتضمن 8 إجراءات ينبغي للأطباء استدراك الوضع بها، ونقلت الأزمة من غياب دور النقابة كمؤسسة مجتمع مدني أو مؤسسة مهنية إلى لسان حال "ما باليد حيلة".
وقالت، في خلاصة منشورها: "عادة بعد الاعتداء كل الناس بتتحايل أو بتضغط على الطبيب يتنازل.. بيقولوا محدش ناقص دوشه.. وفيه أطباء بتفكر كده برضه.. الحقيقة أنا دايما متعاطفة مع المرضى جدا.. ولكن باشوف إن التسامح مع أي اعتداء على الأطباء جريمة ضد المجتمع.. نتيجتها أن المستشفيات بتفقد دورها كمكان للعلاج.. وبتتحول لمكان للمعارك".
وفي حوارات صحفية حول الظاهرة، تتناول "مينا"- يسارية التوجه- تفاصيل الظاهرة، لا تفاصيل الفعل الجماعي الذي يمكن لمجلس أن يستقيل إن وجد أن منظومة الصحة في ذيل اهتمامات العسكر، حتى إن حوادث الاعتداء على الممرضين والأطباء باتت تتكرر يوميا، بل ومنها حوادث تصيب المضروب بعاهة مستديمة، وتشكل ظاهرة مع عدم وجود إجراءات رادعة للمعتدين.
وبجانب الاعتداء على الأطباء، فإن أحوال غالبيتهم المادية في الحضيض، مما يدفع البعض إلى السفر أو العمل أوقات إضافية في المستشفيات الخاصة أو العيادات.
هجرة الأطباء
ومن الظواهر المترتبة على سوء الحال والاعتداء المتكرر والإهانات لأصحاب البالطو الأبيض، هو زيادة ظاهرة هجرة الأطباء منذ الانقلاب العسكري، حيث وصل عدد الأطباء الذين تقدموا باستقالتهم من وزارة الصحة خلال السنوات الثلاث الماضية إلى 6 آلاف طبيب.
وقال مراقبون، إن ظاهرة هجرة الأطباء أصبحت مقلقة وتهدد المنظومة الصحية التي تعاني بالفعل من الإهمال، وأن تزايد عدد الأطباء المستقيلين هو مؤشر خطير، وبدأت تظهر بالفعل بعض الأزمات في بعض التخصصات، وإذا استمر الأمر بهذا المنوال فلن يجد المصريون من يعالجهم.
وترجع الظاهرة- برأي نقابيين- إلى حملات التحريض ضد الأطباء، فيوميا تجد اعتداء على أطباء؛ لأن المواطن يحضر إلى المستشفى وهو مشحون ضد الطبيب باعتباره المسئول عن تدني الخدمة الطبية، خصوصا في ظل حرص المسئولين على تصدير فكرة تقصير الأطباء، وكأنهم السبب في انهيار المنظومة.
مدعاة لليأس
وقال إيهاب طاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء: من أهم أسباب تزايد عدد الأطباء المستقيلين عملهم في ظروف متدنية، وعدم توافر العدد المناسب من أسرة العناية المركزة، ونقص المستلزمات والأدوية، وعدم تناسب الرواتب التي لم تزد منذ ما يتجاوز الـ3 سنوات.
وكتب بالأمس منشورا عن "هل هناك أهمية للنقابة؟"، مستعرضا في بدايته الشعور بالغضب الشديد من قبل الأطباء نتيجة التربص الممنهج ضدهم وتردى الأجور وسوء بيئة العمل وعدم استجابة الجهات التشريعية والتنفيذية لمطالبهم العادلة، وهذا الغضب جعل العديد منهم يشعر بأنه لا جدوى من وجود نقابة من الأساس حيث إنهم يرون أن الأمر لن يختلف كثيرا بوجود مجلس نقابة من عدمه.
ولكنه عدّد هو الآخر جوانب وصلت إليها النقابة، مع اعترافه بوجود تربص وعداء موجه ضد الأطباء، موضحا أن هناك ظروفا محيطة، لم يسمها، تقيد العديد من التحركات الجماعية المطلوبة.
قانون جديد!
وعلى صفحته قال الأستاذ الدكتور محمد نصر، أستاذ جراحة القلب: إن الاعتداء على الأطباء في المستشفيات أصبح ظاهرة متكررة، ومن أهم الأسباب نقص الإمكانيات في الاستقبال، وعدم توافر حماية أمنية داخل مقر العمل، والأهم عدم وجود تشريع قانوني صارم يجرم الاعتداء على الأطباء .
وتابع "شاهدت بمزيد من الأسى الإصابات الجسدية التي تعرض لها الطبيب السيد أيمن، نائب الطوارئ بمعهد ناصر، أثناء تأدية عمله، وعلى الفور ناقشت مع أعضاء قائمة التقارب الحلول الفورية لردع تلك الاعتداءات، وخلصنا إلى ضرورة التقدم بمشروع قانون يجرم تلك التجاوزات بالحبس المشدد والتعويض المادي لما تم إتلافه في المكان.. بعون الله سوف نصر على إصدار ذلك القانون، ولو تم تطبيقه على حالة واحدة لأصبح ذلك عبرة للجميع.. وعسى الله أن يوفقنا لإصلاح بعض شأننا".
واقع الأزمة
ويرى مراقبون، مثل الصحفي حسام الوكيل، أن تفجير المنيل فضح غياب المجتمع المدني المصري، وقال "المناخ العام المغلق، والتأميم الكامل لكافة مساحات التحرك لمؤسسات المجتمع المدني؛ أعجز الجميع عن التحرك، حتى في أقل المستويات لم نجد أي مؤسسة مجتمع مدني تحشد المواطنين للتبرع بالدم لصالح المصابين، وحلت محلها دعوات المشاهير على السوشيال ميديا".
وفي إطار استفساره عن دور الآلة العسكرية كحائل بين المجتمع المدني وبين حادث تفجير المنيل، قال "كان لزاما على المتصدرين للعمل في تلك المنظمات والمؤسسات (النقابة) مصارحة الجماهير بحقيقة الواقع؛ لإسقاط ورقة التوت عن النظام العسكري، وكشف ممارساته في حق المواطن".
واعتبر أن النقابة وغيرها من منظمات المجتمع المدني مستمرة في دورها الديكوري، وهو دعم مباشر للنظام العسكري وشرعنة وجوده، وقبلة حياة تعطيه المزيد من الوقت جاثما على أنفاس المصريين. فعلى المتصدرين للعمل في منظمات المجتمع المدني أن يعلنوا بشكل واضح وشفاف ما يمثله النظام العسكري من عائق أمام دورها في منظومة الدولة، وإلا أصبحوا شركاء للعسكر في التآمر على المواطن والوطن.
