في حين تُمنع مشاريع مماثلة، يفتح جنرال إسرائيل السفيه السيسي فنادق حكومته الباذخة لمبادرة حوارية إعلامية تتحدّث عن حرّيات الإعلام، في موسم يريد منه السفيه تجميل صورته بمباركة أجنبية، وتشارك فيه وسائل إعلام ممنوعة في المعتاد عن النشاط في مصر.
يأتي ذلك “المكياج الإعلامي” في وقت وثّق فيه المرصد العربي لحرية الإعلام 48 انتهاكا ضد الحريات الصحفية والإعلامية بمصر، خلال شهر أغسطس الماضي، وتصدر الحبس والاحتجاز قائمة الانتهاكات، ثم التدابير الاحترازية، وحلت انتهاكات السجون ثالثا، ثم انتهاكات قيود النشر.
وفيما يبدو أن صوت “المرصد العربي لحرية الإعلام” لم يصل إلى مسامع عصابة الانقلاب، أو وصل، إلّا أنها باتت آمنة مطمئنة بفضل الدعم الدولي لوأد الصحافة والإعلام في مصر، والدليل على ذلك تواصل فعاليات “المبادرة المصرية الدنماركية للحوار”، في بلد يعتبِر فيه الجنرالات أن الحوار في حد ذاته جريمة!.
منتدى المخابرات!
وأطلقت عصابة الانقلاب الدورة الثانية من فعاليات ما يسمى بـ”منتدى إعلام مصر”، المقرّر إقامته في أكتوبر المقبل في القاهرة، وهو المنتدى الذي يكتسب أهميته من الإنفاق ببذخ على فعالياته وسقف الحرية في مناقشاته، ورغم ذلك لم يخرج في دورته الأولى سوى بتوصيات لم ينفذ أي منها على أرض الواقع!.
ولم يضف المنتدى هو أو غيره فعليًّا إلى ما يحدث في كوارث المشهد الإعلامي بمصر شيئًا جديدًا، سوى البذخ في التنظيم واستضافة قناة “دويتشه فيله” الألمانية، الممنوعة من العمل في مصر، وكذلك تقديم ورش عمل لمناقشة أوضاع الحريات الصحفية!.
كل ذلك في وقت لا يُسمح فيه عادة بتنظيم مثل هذه المؤتمرات في مصر، منذ انقلاب 30 يونيو والغدر بالرئيس الشهيد محمد مرسي، لكن يبقى المنتدى الجديد هو الأكثر حصولاً على موافقة الجهات السيادية، وعلى رأسها جهاز المخابرات، والتي تعترض على تنظيم مثل هذه المؤتمرات والمنتديات.
ويمزج “منتدى إعلام مصر” بين الورش التدريبية والجلسات الحوارية التي لا يسمح بنشر أكثر ما دار فيها لأسباب رقابية عديدة، بالرغم من أن ممثلي عصابة الانقلاب يحضرون الجلسات المختلفة، إضافة إلى المخبرين والمرشدين الذين يحملون كارنيهات إعلامية وصحفية.
وعودة إلى تحذيرات “المرصد العربي لحرية الإعلام”، الذي قال إن سلطات الانقلاب فرضت مزيدا من أجواء الخوف على الصحفيين في مصر خلال شهر أغسطس الماضي، وظهر ذلك في التغطية الميدانية واستمرار الاحتجاز التعسفي والاعتداءات البدنية والمنع من الظهور الإعلامي والفصل الجائر.
واستطرد المرصد العربي لحرية الإعلام قائلا: “كانت الجريمة النكراء أمام معهد الأورام شاهدة على فرض أجواء الخوف على الصحفيين والمصورين، ما منعهم من التغطية خوفا على أنفسهم”.
وتابع: “كان الحدث الأبرز على صعيد الانتهاكات خلال الشهر السابق هو قيام مجموعة دي إم سي، المملوكة لشركة إعلام المصريين، بفصل 150 إعلاميًّا وموظفًا بقناتها دي إم سي نيوز، يتقدمهم عدد من الإعلاميين البارزين مثل أسامة كمال، ومحمد عبد الرحمن، وشيرين القشيري.
وأشار المرصد إلى أن ذات الشهر شهد الإطاحة بإعلاميين بارزين آخرين مقربين من سلطة الانقلاب مثل الإعلامي تامر أمين، والإعلامية ريهام سعيد، وأضاف: “وصل عدد المحتجزين تعسفيا خلف الأسوار بمصر إلى 79 صحفيا وصحفية بعد توقيف الإعلامي مدحت عيسى”.
وتابع: “والذي صدر قرار بإخلاء سبيله، ولكن لم ينفذ حتى الآن، وإخلاء سبيل مشروط رهن التدابير الاحترازية لأربعة صحفيين، واستكمال مدة حكم 5 سنوات للصحفية أسماء زيدان، والتي أطلق سراحها في 19 أغسطس الماضي”.
لغز نهى النحاس!
ذلك القمع والانتهاكات التي رصدها “المرصد العربي لحرية الإعلام”، ينطوي على منع تنظيم مؤتمرات للإعلام إلا في أضيق الحدود؛ خوفا من أن تنطوي على شبهة انتقاد لعصابة الانقلاب وهى عادة لا تحصل على موافقات أمنية، ويكون لدى إدارات الفنادق تعليمات بإلغاء الحجوزات التي أجريت بالفعل، وهو ما تكرر مع كثيرين.
لكن مع “منتدى إعلام مصر” يصبح الوضع مختلفًا، فمسئولة تنظيم المؤتمر المموّل من الدنمارك هي نفسها المنخرطة في العمل مع الأجهزة القمعية للانقلاب، وهو ما يعني أن جميع ما سيحدث في المنتدى سيكون تحت السيطرة.
المسئولة الأولى عن المبادرة والمنتدى هي الإعلامية نهى النحاس، المقرّبة من عصابة الانقلاب، والتي تعمل مستشارة إعلامية لـ”منتدى شباب العالم” الذي يقام سنويا في شرم الشيخ، بإشراف المخابرات.
فهي نفسها التي تدافع عن حرية الإعلام وتتعاون مع شبكة “دويتشه فيله” الألمانية بأنشطتها في الوطن العربي، لكن المفارقة أن المؤتمر يخطط لمنح جوائز لأكثر الموضوعات الإعلامية تميزا في ظل إدراك القائمين عليه صعوبة العمل الإعلامي ومعوقات حظر النشر.
إنفاق أوروبي
المفارقة أن أنشطة “المبادرة الدنماركية للحوار” هي الجهة الوحيدة المسموح لها بالعمل في الإعلام بتمويل خارجي وبشكل معلن وبميزانية كبيرة؛ فالمبادرة خرجت من “المعهد الدنماركي للحوار”، المؤسّس بموجب اتفاقية بين حكومتي الانقلاب وكوبنهاجن، والذي نفّذ بالفعل عدة مشاريع لتدريب الإعلاميين خلال السنوات الماضية، رغم المضايقات على مشاريع أخرى مماثلة مموّلة من جهات أخرى.
ويبدو الوضع مفسرا بشكل أوضح مع اشتراك “النحاس” في العمل بالمبادرة ومع المخابرات، فالعصابة تستخدم المنتدى، الذي تنفق عليه الدنمارك ببذخ ويقام في فندق حكومي، من أجل تحسين صورتها فيما يتعلّق بالحرّيات الإعلامية.
فمن هم ممنوعون من التسجيل في مصر مثل “دويتشه فيله”، التي اتهمتها صحيفة “الدستور”، وثيقة الصلة بالانقلاب، بالعمل لصالح المخابرات الألمانية الأسبوع الماضي، مرحّب بوجودهم فقط في المؤتمر للنقاش حول الحرّيات الإعلامية، بل والحضور كرعاة والتعريف بأنشطتهم لإعلاميين شباب!.