“راديو 9090”.. البداية محطة إذاعية والنهاية إعلام يرتدي الكاكي

- ‎فيتقارير

خلال كلمة له على هامش احتفالية إعلان تدشين محور تنمية قناة السويس، قال جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي: "إن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظًا، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه"، وذلك بعد أقل من 33 يومًا على استيلائه على السلطة في 8 يونيو 2014.

لم يستغرق السفيه السيسي وقتًا طويلًا لكشف رؤيته للإعلام ودوره الوطني وفق تصوره الخاص، فالرجل منذ البداية كان واضحًا جدًّا في تعريف الإعلام الوطني، هذا الإعلام الذي يجب أن يظل في ظهر الرئيس ويدعم توجهاته وينشر التفاؤل والأمل بين الشعب بصرف النظر عن علاقة ذلك بالواقع المعاش فعليًا.

البداية 9090

يقول الكاتب الصحفي وائل قنديل: "عقب انتخاب الرئيس محمد مرسي مباشرة، غرقت القاهرة في طوفانٍ من الإعلانات، اجتاح الشوارع والجسور وأعمدة الإنارة وجدران المباني عن محطة إذاعة جديدة تحت اسم “راديو 9090”.

وتابع قنديل: "وسريعا عرف الناس أن “المخابرات الحربية” التي كان يديرها اللواء عبد الفتاح السيسي في ذلك الوقت، قرّرت اقتحام حقول الإعلام المصري، على نحو مباشر، إذ لم يعد يكفيها أن تنشر قواتها سرًا في نوافذ الإعلام التقليدية، فاستدارت تقتطع مساحاتها الخاصة".

مضيفا: "بدأت الحكاية بمحطة FM وحيدة، وبعد سبع سنوات صار الإعلام كله يرتدي اللون الكاكي، ويتحدّث ويفكر عسكريًا وأمنيًا، ويتحول إلى سلاح للردع والإرهاب، لا مكان فيه للأوغاد الذي يحلمون بدولة مدنية ديمقراطية، تعرف مبادئ تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة".

واستحوذت شركة "إعلام المصريين" على مجموعة "دي ميديا" التي كانت تابعةً لجهاز الاستخبارات الحربية، ويديرها طارق إسماعيل المقرب من عباس كامل، وتمتلك مجموعة قنوات "دي إم سي" وموقع "مبتدا" وإذاعة "الراديو 9090". لكنّ مصادر من داخل الراديو أكدت أنّ طارق إسماعيل لا يزال يحتفظ فقط بالراديو، فيما تم تهميشه نهائيا من مجموعة القنوات، مع إعطاء تامر مرسي ورجاله صلاحيات كاملة. وأوضحت المعلومات أنه تم نقل موقعَي "الدستور" و"مبتدا" إلى مقر جريدة "الوطن"، تمهيدا لغلقهما تماما.

وقالت مصادر إنّ تنفيذ تامر مرسي التعليمات بحذافيرها هو سر بقائه. وليس ذلك فقط، بل إنه ينفق على إنتاج دراما رمضان من رأس مال شركته "سينرجي" في انتظار أن تتم التحويلات المقررة من الأجهزة الاستخباراتية.

رأس الحربة

قلق السفيه السيسي من الإعلام يأتي استنادًا للدور الذي قام به الأخير في التمهيد لثورة 25 يناير، تلك الثورة التي أطاحت بالمخلوع مبارك، ثم من بعده الرئيس الشهيد محمد مرسي، وهو ذاته من سوق للسفيه السيسي شعبيًا وصدّره على أنه مطلب جماهيري، الأمر الذي ساعد فيما بعد في استيلائه على السلطة في مصر.

لم ينس وزير الدفاع الذي عينه الرئيس الشهيد مرسي ثم انقلب عليه، فضل الإعلام ودوره في صناعة تاريخه الشخصي، وهو الفضل الذي تحول فيما بعد إلى كابوس، فالتجربة ربما تتكرر ضده طالما بقيت الأدوات كما هي، إذًا فما الحل؟ وهنا أيقن السفيه السيسي أن هذه المعضلة لا يمكن الخروج منها إلا بتقليم أظافر الإعلام عبر إحكام السيطرة عليه وشل أركانه وتطويق أذرعه من كل جانب.

ومع تفجر فضيحة استغناء فضائية "دي إم سي" عن نحو 160 موظفًا، بين مذيع ومحرر وفني ومخرج، تأكد للمراقبين اهتمام السفيه السيسي ببناء ذراع إعلامية للعسكر حين كان وزيرا للدفاع، حيث أُطلقت حينها حملة إعلامية مركزة ضد الرئيس الشهيد محمد مرسي مهدت الطريق أمام الانقلاب عليه بعد سنة من استلام مهامه رئيسا لمصر، وبعد أشهر من اختياره السيسي وزيرا للدفاع.

السيطرة

وساير الإعلام حركة الانقلاب بالترويج وحشد الدعم لمظاهرات الانقلاب التي أطلق عليها "ثورة 30 يونيو"، ولم يكتف الإعلام بمواكبة خطوات السفيه السيسي بالدعم، وإنما عمل على التحريض على قتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية المطالبين بعودة الرئيس الشهيد مرسي، وساند قوات الأمن وهي تقتحم الميدان بالدبابات وتطلق الرصاص على المتظاهرين.

لم تتكشّف بسرعة مراحل التخطيط الأولى التي اعتمدها السفيه السيسي وأجهزة الدولة العميقة لإعادة السيطرة على المشهد الإعلامي في مصر بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه مع مرور الزمن وبداية تسريب مكالمات الضباط وفيديوهات اللقاءات، بدأت تتكشف خيوط المؤامرة التي صاغت المشهد الإعلامي تمهيدا للانقلاب.

قبيل نهاية العام الماضي، أُعلن عن استحواذ شركة جديدة هي شركة "إيغل كابيتال" للاستثمارات المالية على حصة كبرى من سوق الإعلام المصري؛ بشرائها أغلب أسهم "مجموعة إعلام المصريين" التي كانت غالبية أسهمها مملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.

ولا توجد عن الشركة الجديدة أي معلومات مرجعية في البورصة المصرية لأنها تأسست فقط قبل عام، وترأس مجلس إدارتها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، وهي أيضا زوجة محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر.

ولم تكن الطريقة التي ظهرت بها مجموعة "إيغل كابيتال" فريدة في سوق الإعلام في عهد السفيه السيسي، فقد بدأ استحواذ رجال مقربين منه على وسائل الإعلام التي كانت مملوكة لرجال المخلوع مبارك.

فدخلت شركة "دي ميديا" التي يملكها طارق إسماعيل ذو الصلة بالمخابرات الحربية الساحة الإعلامية، واستولت بسرعة على قنوات تلفزيونية من بينها مجموعة قنوات "الناس"، كما أطلقت "راديو 9090 الإذاعي" وموقع "مبتدا" الإلكتروني، إضافة إلى شبكة قنوات "دي.إم. سي".

قنوات المخابرات

كما عرف سوق الإعلام فاعلا جديدا هو رئيس مجلس إدارة شركة فالكون الأمنية وكيل المخابرات الحربية السابق، شريف خالد، الذي انضم إلى المستثمرين في وسائل الإعلام باستحواذ شركته على مؤسسات إعلامية من بينها مجموعة قنوات "الحياة"، وقنوات "العاصمة، وإذاعة "دي.إن.آر".

ومع هؤلاء يأتي ضابط المخابرات السابق ياسر سليم الذي يُسهم في المشهد من خلال شركتيه "بلاك آند وايت" و"سينرجي وايت"، وتتركز أنشطته على الإنتاج التلفزيوني والغنائي والسينمائي.

وإلى جانب أصحاب الشركات المحسوبين على الأجهزة الأمنية والمخابراتية للانقلاب، ظهر في الساحة رجال آخرون مثل محمد الأمين ومحمد أبو العينين اللذين أسسا شبكات تلفزيونية جديدة مثل "سي.بي.سي" و"النهار" و"صدى البلد"، وبعضها بدأ العمل عام 2011.