رغم أن علاقة الدول الخليجية بجماعة الإخوان المسلمين تنوعت سابقًا ما بين الانفتاح والتبني والتضييق باختلاف الظروف السياسية وتطورات الأحداث، إلا أن الفترة التي أعقبت ثورات الربيع العربي شهدت عداءً سعوديًّا وإماراتيًّا واضحًا لجماعة الإخوان المسلمين، ليس في الخليج فحسب، بل في مختلف الدول العربية، خاصة تلك التي شهدت ثورات وثورات مضادة كمصر وليبيا واليمن، فما هي أسباب العداء السعودي والإماراتي لجماعة الإخوان المسلمين؟
وبعد أن كشفت الإمارات عن وجهها الحقيقي المتمثل في استهداف الإسلام المعتدل، يطرح المراقبون تساؤلات حول ما إذا كان الإخوان المسلمون بالفعل تنظيمًا إرهابيًّا أو حتى متطرفًا كما تدعي وتزعم عصابة الخليج، فالبيان الصادر عن وزارة الخارجية الإماراتية لتبرير المجزرة التي ارتكبها سلاحها الجوي بحق قوات الشرعية اليمنية يتذرع بوجود عناصر من "حزب الإصلاح" اليمني ضمن هذه القوات!.
دائرة الخوف
وأي مراجعة لأدبيات الإخوان المسلمين تكشف عن إيمانهم بالعمل السلمي والمشاركة السياسية، فهو تنظيم لا يؤمن بالعنف ولا يوظفه في سعيه للمشاركة السياسية، وتشهد بذلك تجربة الإخوان المسلمين في مصر، ووصولهم للسلطة من خلال صناديق الانتخابات، وكذلك في تونس عندما تمكن حزب النهضة من الفوز في أول انتخابات أجريت بعد ثورة الياسمين.
والحق أن عصابة العسكر التي انقلبت على التجربة الديمقراطية المصرية، هي جهة لا تؤمن بالديمقراطية، ونفّذت انقلابًا مدعومًا من دول مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية، إلا أن الإمارات تقف بشكل مكشوف ضد رغبات الشارع العربي في أكثر من دولة، فدعم اللواء الليبي حفتر يقع ضمن سياق استهداف الإمارات لما تسميهم متطرفين وإرهابيين، في حين أن حكومة الوفاق هي حكومة معترف بها من قبل المجتمع الدولي.
وينحصر النظام الحاكم في السعودية والإمارات في دائرة الخوف، الخوف من الخارج والداخل على حَدٍّ سواء، وعقدةُ الشعور بالنقص المسيطرة على مراكز صنع القرار في البلدين لا تزال تتحكم برسم السياسات.
صانعُ القرار في كلا البلدين الخليجيين يُدرك ضعفه الشخصي وهشاشة منظومته السياسية، وحين ينظر إلى الخارج فإنه يرى إيران كوحش مفترس قادم لابتلاع المنطقة، لذا يحتمي بأمريكا ويَدفع لها مئات المليارات من أجل توفير الحماية. وفي الوقت ذاته يخشى تخلي الأمريكان عنه وقطع الحبل به، أو توصل أمريكا وإيران إلى صيغة توافقية تكون فيها الضحية هي السعودية والدول التابعة لها، وحين ينظر إلى الداخل فإنه يخشى تحركات الشارع أو ثورة الشعب لأي سبب كان.
وفي واقع الأمر، فإن السعودية والإمارات تعتقدان أن الوقت مناسب لاستعراض عضلاتهما في كُل مكان لأن الساحة خالية؛ فمصر المنهارة بحاجة إلى وقت طويل كي تقف على قدميها وتعود إلى قيادة الأمة العربية إن استطاعت العودة، وسوريا مقسمة وممزقة وغارقة في الدماء، والعراق في قبضة إيران، ودول المغرب العربي بعيدة عن قلب الأحداث، ولديها مشكلاتها الكثيرة، لذا فالجو مناسب، والطريق مفتوح أمام السعودية والإمارات لقيادة الوطن العربي وفق رؤيتهما ومصالحهما، ولا شك أنهما تتقنان لغة المال، والمال قادر على صناعة السياسات وشراء الولاء.
اتجاه عقلاني
يقول الكاتب والصحفي ياسر أبو هلالة: "لنفترض أن جماعة الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي قاتل الإمارات والسعودية، وكلفت الحرب معه 900 مليار دولار، فهذا يعني أن نجلس معه لوقف الحرب وبناء السلام. هل يوجد درس أبسط من ذلك؟".
وكان من إرهاصات أزمة الخليج الهجوم غير المسبوق على حديث أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في القمة العربية في البحر الميت: "هل من الإنصاف أن نبذل جهدا لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك؟ وهل هدفنا أن نزيد عدد الإرهابيين في العالم؟"، يومها خرجت صحيفة الحياة عن رصانتها، ونشرت مقالا غير مسبوق يهاجم أمير قطر ويصفه بـ"قذافي الخليج".
ويقول أبو هلالة: "أمريكا تفاوض حركة طالبان على قاعدة الاعتراف بها وبحقّها في الحكم"، مضيفا: "هذا اتجاه عالمي عقلاني، تحويل المقاتلين إلى سياسيين، تم هذا في إفريقيا وفي أمريكا الجنوبية وأوروبا وآسيا. فقط في العالم العربي نسير عكس اتجاه العالم، ونحوّل التنظيمات السياسية إلى عسكرية وإرهابية".
وختم أبو هلالة بالقول: "إن فشلت الرياض وأبو ظبي في استضافة حوار واشنطن مع "طالبان"، فالفرصة التاريخية لا تزال أمامهما لاستضافة حوار مع جماعة الإخوان المسلمين. وأن تفعلاها اليوم خير من أن تتأخرا مثل الأمريكان مع "طالبان" 15 عاما، مع ملاحظة الفارق بين أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ البشري وأصغر إمبراطورية".