بعد الإعلان عن مقتله.. أمريكا تبحث عن “بغدادي جديد” وأبو الغيط يلوذ بالصمت

- ‎فيعربي ودولي

ما بين اغتيال أسامة بن لادن في 2011، وقتل أبو بكر البغدادي في 2019- بغض النظر عن مساحة التعاطف الواسعة التي حظي بها رجل تنظيم القاعدة “بن لادن” عن البغدادي أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام، على يد الأمريكان- مشتركات شيطانية، بحسب مراقبين، يتبناها الانقلاب في مصر، بل يبني عليها، وأولها محاولة طمس الأدلة وإخفاء الأسرار تمامًا، كما قتل “السيسي” النائب العام هشام بركات، بعدما أشيع عن رفضه المسار اللا قانوني في تعامل السيسي وعصابة العسكر مع القضاء، فضلا عن مئات حالات الاغتيال للمختفين قسريا.

ويشير مراقبون إلى أن عمليات الأمريكان والروس في الأراضي العربية وعمليات القمع الاستبدادي للنظم العربية، والعسكرية منها بشكل خاص، في عدم مساءلة الجامعة العربية لهم، في حين يرى محللون أتراك أن مسارعة أمريكا للتخلص من البغدادي لأن تركيا كانت قد اقتربت من الحقيقة وانكشاف الأمر.

ويشير إلى ذلك د. محمد الجوادي، المعروف بأبو التاريخ، وهو يغرد قائلا: هل تجرؤ الجامعة العربية فتجتمع لتنتقد انتهاك الأجواء والأراضي السورية وقتل البغدادي؟ أم أن الانتهاك الجوي ليس من اختصاصها والانتهاك الأرضي ليس من اصطفافها”.

وساخرًا يضيف “نص قانون الغيط: يجوز للجامعة انتقاد الجار المنتهك أما انتهاك الأباعد فيوصف بأنه كنافة بالمانجو”.

النصر الإعلامي

ويقول المراقبون، إن العقلية الأمريكية تهدف إلى صناعة النصر الإعلامي على التنظيمات المتشددة، فمقتل “أسامة بن لادن” كان بمنزلة انتصار أمريكي في أفغانستان، واليوم مع قرار ترامب الخروج من الأراضي السورية والبقاء فقط حول حقول النفط، يبدو مهمًا الإعلان عن مقتل البغدادي، لتؤكد إدارته للشارع الأمريكي أن مهمة القضاء على “داعش” أُنجزت بالكامل.

غير أن ذلك يتفق أيضا مع عشرات المرات التي أعلن فيها العسكر عن الانتصار في سيناء، وأن القوات ستخرج متوضئة خلال شهر، على حد ما قاله أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني الميداني، أو أن السلطات ستنهي مشكلة الإرهاب في سيناء خلال 3 شهور، مع قائد الجيش الثالث أسامة عسكر!.

ويحاول كلٌّ من المستبد الأمريكي دونالد ترامب، والمستبد المصري عبد الفتاح السيسي، استغلال مثل هذه العمليات لصالح البقاء والاستمرار على الكرسي.

فما من شك أن ترامب الذي اقترب موعد الانتخابات الأمريكية يود أن يظهر بشكل جيد، فقرر إعطاء قواته الإذن ببدء الهجوم على البغدادي في الموعد الذي يمكن أن يستفيد منه لصالح حملته، وكذلك يفعل السيسي إذا أراد بيع منطقة مثل العريش أو الشيخ زويد أو معهد الأورام فإنه يستبق مؤامراته بعمليات من هذا النوع.

صناعة أمريكية

“شيء كبير للغاية حدث للتو”، هكذا استبق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تغريدة له بـ”تويتر”، الإعلان والاحتفال بمقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، ليثير الجدل حول ماهية الحدث، قبل أن ينتظر ساعات ليعلن الخبر رسميًّا.

وظهيرة 27 أكتوبر 2019، أكد ترامب مقتل أبو بكر البغدادي، في عملية سرية نفذتها قوات أمريكية خلال الليل في قرية باريشا في محافظة إدلب شمالي غربي سوريا.

في خطاب له، قال ترامب إن البغدادي قتل بعد أن فجر سترة ناسفة كان يرتديها عقب حشره في نفق أسفل المجمع السكني الذي كان يسكن فيه، مشيرا إلى أن ثلاثة من أطفاله قتلوا معه.

وقال إنه جرى التعرف على هوية زعيم تنظيم الدولة من خلال نتائج اختبارات الحمض النووي أجريت بعد العملية، وأشار إلى أن القوات الأمريكية ظلت في الموقع ساعتين تقريبا.

وأكد ترامب أنه تم الحصول على وثائق حساسة بعد مقتل البغدادي، مشددا على أن بلاده ستواصل “تعقب باقي الإرهابيين من أعضاء تنظيم الدولة”.

استباحة الثروات

واتفق عدد من المحللين على أن استباحة الأرض العربية وتنصيب الخونة والعملاء رهن بمثل هذه الأحداث، يقول المستشار وليد شرابي: “إن صح نبأ مقتل البغدادي هذه المرة فنحن في انتظار بغدادي جديد وعدو وهمي جديد يبرر لهم احتلال الأرض وسرقة الثروات وتنصيب الخونة والعملاء حكامًا على بلادنا”.

أما الصحفي عبد الفتاح فايد، مدير شبكة الجزيرة بالقاهرة، فأيَّد شرابي قائلا: “سواء قُتل أبو بكر البغدادي أو أُسر ‫أو لم يُقتل ولم يُؤسر.. ‫فإن من صنع الإرهاب ليحتل به بلادنا وينهب ثرواتنا ويقتل شعوبنا وينقلب على إرادتها ويصادر قرارها لن يعدم بيئة توفر له ولعملائه ووكلائه في بلادنا ارتكاب جرائمهم. واعتبر أن ذلك يخلق “‫بيئة يسهم في خلقها نخب جاهلة وفاسدة باعت أوطانها وقيمها بعرض زائل”.

البترول والمصالح

ويعتبر الباحث رضوان جاب الله، أن البغدادي كان أداة للسيطرة على بترول سوريا وتدمير المدن العربية التاريخية، ولكن هناك أكثر من بغدادي عربي أمريكي أكثر عداوة للعرب والمسلمين والمدن والحضارة، وأشد حرصا على تسليم مصادر الثروة العربية وخنق هذه الأمة.

واستشهد بما قاله ترامب نفسه: “نفط سوريا كان يغذي تنظيم الدولة وآن لنا أن نأخذ حصتنا!. وتساءل “جاب الله”: “أين أنت يا أبا الغيط؟ تكلم.. قل إن هذا مخالف للقانون الدولي”.

وأضاف “من الأكثر قوة من عيال أمريكا وخدام الصهيونية في سحق العرب والمسلمين وتمزيقهم وتدمير مدنهم وقراهم وتاريخهم واغتيال شبابهم وثروتهم وأحلامهم؟ هل البغدادي أم مفسد ليبيا؟ أو مخرب سوريا؟ ومشتت العراق؟ ومدمر مصر؟ ومضيع ثروات العرب؟.

البغدادي

وولد أبو بكر البغدادي، واسمه الحقيقي إبراهيم عواد إبراهيم البدري، في مدينة سامراء شمالي بغداد عام 1971، لأسرة سُنية متوسطة.

وعُرفت عائلة البغدادي بالتزامها الديني، وتقول قبيلته إنها تنحدر من نسل النبي محمد.

وكان البغدادي في شبابه يحرص على تلاوة القرآن، وكان ملتزما بشدةٍ بتعاليم الشريعة الإسلامية .وأطلقت عليه أسرته لقب “المؤمن”، لأنه كان ينتقد ذويه بشدة، بسبب عدم التزامهم معاييره الصارمة.

واصل البغدادي دراساته الإسلامية في الجامعة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد عام 1996، ثم شهادتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات القرآنية من جامعة صدام حسين للدراسات الإسلامية عامي 1999 و2007 على التوالي.

وحتى عام 2004، قضى البغدادي سنوات دراساته العليا بحي الطوبجي في بغداد، مع زوجتين وستة من الأبناء.

كان البغدادي يُعلم أطفال المنطقة تلاوة القرآن في أحد المساجد، وكان أيضاً نجماً لفريق المسجد في كرة القدم.

وخلال فترة دراساته العليا، انجذب البغدادي سريعا إلى العدد القليل من غلاة المتشددين الذين يتبنون نهج العنف. وبحلول عام 2000، تبنَّى البغدادي نهج السلفية الجهادية.

بعد مرور أشهر على الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ساعد البغدادي في تأسيس جماعة “جيش أهل السنة والجماعة” المسلحة.

وألقت القوات الأمريكية القبض على البغدادي في فبراير عام 2004، في مدينة الفلوجة، وأرسلته إلى معسكر الاعتقال بسجن “بوكا”، حيث ظل هناك عشرة أشهر.

وخلال فترة اعتقاله، كرَّس البغدادي نفسه للأمور الدينية، إذ إنه كان يؤمُّ المعتقلين في الصلاة، ويلقي خطبة الجمعة، ويُنظم دروسا دينية للسجناء.

وبفضل مؤهلات البغدادي الدينية وقدرته على تضييق الهوة بين الأجانب الذين أسسوا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والعراقيين الذين انضموا إلى التنظيم لاحقاً، صعد نجم البغدادي بشكل مطرد في صفوف التنظيم.

عُيِّن البغدادي رئيسا للجنة الشريعة، واختير عضوا في مجلس الشورى للتنظيم، الذي يضم 11 عضواً ويقدم المشورة لأمير التنظيم آنذاك، أبو عمر البغدادي.

وبعد مقتل مؤسس تنظيم القاعدة في العراق وأميره في أبريل 2010، اختار مجلس الشورى أبو بكر البغدادي أميراً جديداً.

بدأ البغدادي بإعادة بناء التنظيم، بعد أن تمكنت القوات الأمريكية الخاصة من القضاء عليه.

ومن خلال استغلاله للاضطرابات المتزايدة في سوريا عام 2011، أصدر البغدادي أوامره لأحد النشطاء التابعين له في سوريا، ليؤسس سراً فرعاً لتنظيم القاعدة في سوريا، عُرف لاحقاً باسم “جبهة النصرة”.

وفي يونيو عام 2014، سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على مدينة الموصل، ثاني كبرى مدن العراق. وبعد فترة وجيزة أعلن المتحدث باسم التنظيم إقامة دولة الخلافة تحت اسم “تنظيم الدولة الإسلامية”.

وبعد أيام، ألقى البغدادي خطبة الجمعة في الموصل، وأعلن نفسه خليفة للمسلمين. وسيطر التنظيم خلال وقت قصير، على مساحات واسعة في العراق وسوريا.

لكنه واجه لاحقاً معارك قاسية، تمكنت من خلالها القوات العراقية من استعادة قبضتها الأمنية على جميع مناطق البلاد في ديسمبر 2017، وهو ما تحقق بشكل كبير أيضاً في سوريا، حيث واجه التنظيم معارك مع عدد من القوات، وانحسر وجوده بشكل كبير إلى أن قُتل زعيمه.