حالة  طلاق كل دقيقتين.. الغلاء والفقر يهدد بتفكك وانهيار الأسر

- ‎فيتقارير

يواجه المجتمع المصرى أزمات كثيرة تهدد بتفككه وانهياره؛ وذلك بسبب موجات الغلاء المتواصلة، وتزايد معدلات الفقر، وتراجع الدخول، وعجز أغلب الأسر عن تلبية احتياجاتها الضرورية. هذه الأزمات أدت إلى تزايد معدلات الطلاق بصورة غير مسبوقة، بل وتسببت فى زيادة كبيرة فى جرائم قتل الأزواج أو الزوجات والأبناء؛ ما يعنى أن المجتمع المصرى دخل مرحلة التفسخ والتفكك والانهيار.

وفق إحصائيات رسمية، تحتل مصر المرتبة الأولى عالميا في الطلاق، وكان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، قد كشف أن آخر إحصائية لحالات الطلاق تشير الى وقوع 225 ألف حالة فى عام 2019 مقابل 201 ألف حالة فى 2018، مؤكدا أن هناك حالة طلاق واحدة كل 2 دقيقة و20 ثانية، وفى الساعة 27 حالة و 651 حالة يوميا وأكثر من 7000 حالة طلاق فى الشهر.

وأشار الجهاز إلى أن هناك 24 حالة طلاق مقابل كل 100 حالة زواج يوميا تقع فى مصر، موضحا أن أعلى نسبة طلاق بين الرجال والنساء من 30 إلى 35 سنة، وتقل بين أعمار 18: 20 سنة، والأقل فى مصر فوق الـ65 سنة. وأكد أن الطلاق بسبب الخَلع نسبته كبيرة فى مصر أيضا، لافتا إلى أنه تم رصد أكبر نسبة أحكام طلاق نهائية هذا العام بسبب الخلع بعدد 10500 حالة، موضحا أن نسبة الطلاق فى الريف أقل من الحضر.

رمانة الميزان

حول أسباب تزايد معدلات الطلاق، حذر الدكتور محمد الحسيني، أستاذ علم النفس واستشاري الصحة النفسية، من أن تزايد حالات الطلاق، مشيرا إلى وجود ما يسمى بالتقطع الاجتماعي، موضحا أن الشقاق والانفصال هما نتيجة تفكك اللحمة الاجتماعية داخل المجتمع الواحد بسبب المشاكل بين أفراد الأسرة الواحدة. وقال الحسينى فى تصريحات صحفية، إنه اثناء بعض مراحل الضعف يزيد الضغط فتكون ردود أفعال الزوج تفتقد للاتزان، لأسباب مادية وأخلاقية تتعلق إما بمتطلبات واحتياجات الأسرة أو بأخلاقيات الزوج نفسه التي تؤدي إلى حدوث شقاق في جسد الأسرة، فيلجأ الزوج للهروب من المسؤولية بالطلاق. وأشار إلى أن هناك بعدا آخر يتعلق بالجوانب النفسية، يقع على عاتق الزوجين قد يتعلق بعدم قدرتهما على تحمل المسؤولية بمفهومها الواسع.

وكشف الحسينى عن تراجع عقود الزواج، مؤكدا أن ذلك مرتبط بالحالة الاقتصادية بالبلاد، والتوجه لتفريغ الطاقات الغريزية لشهوات الكثير من الشباب في أمور أخرى بعيدة عن التزاوج الطبيعي، وبالتالي يصبح من الصعوبة بمكان على الفرد استكمال حياته بشكل طبيعي. وشدد على أن الأسرة هي الوحدة الرئيسية داخل المجتمع، وتعد رمانة الميزان والاستقرار، مؤكدا أنه في حال تفككها ينعكس على المجتمع بالسلب أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا.

تبرير الفشل

وقال الدكتور زكريا عبدالحكم، استشاري الطب النفسي والأعصاب، إن جزءا كبيرا من حالات الطلاق يعود إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية، وعدم تحمل المسؤولية، موضحا أنه في الماضي كانت الأسر في رعاية الأباء لاحتواء أي خلاف بينهم، أما اليوم فالشباب مستقل بنفسه، ويفتقر لمفاهيم أساسية تتعلق بالحياة الزوجية، وينفرد برأيه؛ ما يؤدي إلى زيادة حالات الطلاق.

وحول ما إذا كانت زيادة حالات الطلاق تتوافق مع رغبة حكومة الانقلاب في تقليل عدد المواليد، أوضح عبدالحكم فى تصريحات صحفية، أن حكومة الانقلاب تدعي أن المشاكل الاقتصادية هي بسبب الزيادة السكانية، وزيادة الإنفاق، ولكن في حقيقة الأمر لا يوجد لدى حكومة الانقلاب ما يثبت أن تقليل عدد المواليد مرتبط بالتحسن الاقتصادي، ولكنها تتخذ ذلك ذريعة في تبرير فشلها الاقتصادي. وأشار إلى أن الأزمة لا تتعلق بالطلاق فقط بل بتراجع معدلات الزواج أيضا، مؤكدا أن  هناك عزوفا من قبل الشباب عن الزواج؛ نتيجة عدة أسباب بعضها اقتصادي، كتراجع فرص العمل في الداخل والخارج، وتردي الوضع الاقتصادي، وبعضها اجتماعي كتأثر البعض بالحضارات الغربية، والاتجاه نحو ما يسمى بالحياة (السنجل).

مشاكل مادية

وأعربت الدكتورة  هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، عن قلقها من ارتفاع معدلات الطلاق بشكل ملحوظ في المحافظات المصرية مقارنةً بالسنوات السابقة. وأكدت هالة منصور فى تصريحات صحفية، أن معظم حالات الطلاق في المحاكم الأسرية هي نتيجة مشكلات اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى تراجع دور الأسرة في التدخل والسعي إلى تحقيق الصلح بين الزوجين المتخاصمين.

مؤسسة الزواج

وحذر الدكتور عادل مدني أستاذ الطب النفسي من خطورة ارتفاع معدلات الطلاق وانتشاره بصورة تجعله أمرا عاديا وليس نادرا كما كان في أجيال سابقة، مشيرا إلى أن ذلك يجعل الأجيال الحالية والقادمة أقل تقديسا لمؤسسة الزواج وأكثر استهانة بالطلاق وتبعاته. وقال مدني فى تصريحات صحفية، إنه في حال وجود أكثر من شخص مطلّق في الدائرة الاجتماعية القريبة، فإن ذلك يسهّل القرار أو يشجع عليه، فالناس يميلون إلى تقديم صورة جيدة عن أنفسهم أو لما يريدون أن يصدرونه للآخرين، والنساء عموما أكثر عرضة للتأثر خاصة في حال معاناتهن من مشاكل زوجية، كما أنهن الأكثر تأثرا بتجارب الآخرين حتى دون معرفة شخصية مباشرة؛ لأن النساء يستغرقن في التفاصيل أكثر، وعندما تحكي المرأة عن مشاكلها فإنها تتحدث باستفاضة بخلاف الرجل الذي يكتفي بالعناوين مما يجعله أقل تأثرا. وحول أسباب ارتفاع معدلات الطلاق، أشار مدني إلى أن السبب الأول هو تغيّر شخصية المرأة واستقلالها ماديا، بينما السبب الثاني يرجع إلى الاختيار القائم على معايير غير سليمة.