بلغت “29” مليار دولار.. كيف تهدد الأموال الساخنة الاقتصاد المصري؟

- ‎فيتقارير

فجَّر وزير المالية بحكومة الانقلاب محمد معيط يوم الثلاثاء 8 يونيو 2021م  قنبلة مدوية إذ كشف أن استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية (سندات وأذون خزانة) بلغت ما بين 28 مليارا و29 مليار دولار حتى نهاية مايو الماضي "2021م". ووفقا للبيانات الرسمية، فقد ارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 14.7% على أساس سنوي في ديسمبر2020م، مسجلاً 129.19 مليار دولار بالمقارنة مع 112.67 مليار دولار في ديسمبر2019م. معنى ذلك أن حكومة السيسي اقترضت 16.5 مليار دولار خلال سنة واحدة فقط بخلاف الديون المحلية.

 

حقيقة الأموال الساخنة

ويحذر خبراء اقتصاد من هذه الأموال الساخنة؛ حيث يقول مصطفى عبدالسلام، رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة "العربي الجديد" في مقاله بعنوان «الأموال الساخنة خطر فاحذروه"، والمنشور في مايو 2018م «هي كالسراب أو الرمال المتحركة، تحسبها مالاً وما هي بمال، وتحسبها الحكومات المتعطشة للأموال ذهباً وثروات تضاف لاقتصاد البلد ومشروعاته وقطاعاته الإنتاجية بعد توطينها واستقرارها، وما هي بثروات حقيقية، بل هي أموال هائمة على وجهها، تبحث عن الربح السريع والمرتفع. اليوم عندك وغداً عند غيرك، لا يستقر بها الحال، ولا تعرف لها مكاناً محدداً، تشد الرحال نحو الدول عالية المخاطر والتي تشهد أزمات مالية بحثا عن تحقيق عائد مغر في أقل فترة زمنية ممكنة. كما تشد الرحال للدول التي تعاني مشاكل اقتصادية أو مالية.هي لا تعرف، كذلك، الأخلاق والأعراف المطبقة في إدارة الأموال، قلبها حديد وتعشق المخاطر وصناعتها التوتر، تغادر الدول التي توجد فيها إذا ما استشعرت خطراً سياسياً أو اقتصادياً أو حتى اجتماعياً».

ويضيف محذرا «أصحابها قنّاصو صفقات يصنعون من أزمات الدول الاقتصادية والمالية ثروات هائلة وبمليارات الدولارات، راهنت دول كثيرة على استقرارها بعد استقطابها وجذبها، لكن هذه الدول خسرت الرهان، ومعها خسرت الكثير من ثرواتها ونقدها الأجنبي. إنها الأموال الساخنة، أحيانا تخدر الحكومات الشعوب بها عندما تخرج متباهية بنجاحها في جذب مليارات الدولارات من هذه الأموال خلال فترة زمنية قصيرة، لكن هذه الحكومات تصمت وترتبك عندما تنسحب هذه الأموال في لحظة باحثة عن فرصة ذهبية في مكان جديد يمنحها عائدا عاليا».

ويوضح الكاتب أن «الأموال الساخنة، رهانها الأول على أدوات الدين الحكومية مثل السندات وأذون الخزانة، وكذا على البورصة، ذلك أن استثماراتها تنحصر في هذه الأدوات المالية قصيرة الأجل، ولذا هي أموال تصادق الحكومات والدول المتعطشة للسيولة وتلك التي تعاني نقصاً في النقد الأجنبي».

 

التجربة المصرية مع الأموال الساخنة

وحول التجربة المصرية مع الأموال الساخنة يضيف «جاءت إلى مصر في مرحلة ما بعد تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016 وعقب رفع سعر الفائدة على الجنيه المصري لنحو 20% سنويا، وذهبت إلى الأرجنتين عندما رفعت سعر الفائدة إلى 40%، وقبلها ذهبت لدول كثيرة منها دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا بحثا عن العائد المرتفع في أقصر فترة زمنية».

وفي أغسطس 2018 خرجت من السوق المصرية نحو 5 مليارات دولار من الأموال الساخنة متجهة إلى الأرجنتين ودول نامية أخرى رفعت أسعار الفائدة لمستويات كبيرة، لكن أكبر عملية هروب جماعي للأموال الساخنة في مصر كانت في  مارس حتى يونيو 2020م بالتزامن مع مخاطر تفشي جائحة كورونا حيث كشفت بيانات البنك المركزي خروج نحو 21 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصري.

 

مخاطرها

وحول مخاطر هذه الأموال التي تدعي حكومة الانقلاب أنها استثمار أجنبي وتتفاخر بذلك يوضح أن «الأموال الساخنة هي أموال خطرة، بل شديدة الخطورة، لأنها تنسحب سريعاً في حال تعرضت الدولة التي توجد فيها لأي مخاطر سياسية أو اقتصادية. حدث ذلك عقب ثورة 25 يناير، كما كانت تخرج عقب وقوع عملية إرهابية في البلاد. كما تنسحب هذه الأموال من الدولة في حال حدوث أزمة عنيفة في البورصات الخارجية وأسواق المال الدولية. جرى ذلك عام 2008 إبّان الأزمة المالية العالمية، وعام 2009  عندما انهارت البورصات العربية، وعام 2010 عقب اندلاع أزمة الأسواق الأوروبية وتهاوي القطاع المصرفي في القارة العجوز».

ولمزيد من التحذير من خطورة هذه الأموال على اقتصاد مصر يتابع أن «الأموال الساخنة هي أموال كاذبة لا تفيد الاقتصاد، ولا تبني مصنعاً ولا تقيم مشروعاً إنتاجياً، ولا توفر فرصة عمل واحدة، ولا تحد من فقر أو بطالة أو تضخم، وتخطئ أي حكومة حينما تقيّم أدائها الاقتصادي بحجم تدفق هذه الأموال على البلاد، كما يخطئ بعضهم عندما يصنف الأوضاع الاقتصادية في بلد ما بناء على تدفقات الأموال الساخنة، لأن هذه الأموال لا تعبر عن تدفق رؤوس أموال أجنبية حقيقية أو نمو اقتصادي حقيقي».

 

أسئلة كاشفة

وفي ظل مخاطر الأموال الساخنة، على الحكومة أن تسأل نفسها عدة أسئلة إذا ما أردت تفادي المخاطر الشديدة لهذه الأموال، من أبرز هذه الأسئلة:

– هل نجحت الحكومة في تحويل تلك الأموال الساخنة لاحقاً إلى استثمارات مباشرة توجه إلى مشروعات إنتاجية وصناعية؟

– هل استعدت الحكومة لمرحلة هروب هذه الأموال إلى بلد آخر، وهذا وارد، ليس بالضرورة بسبب قلق في الاقتصاد المصري، أو ظهور خطر، بل بسبب طبيعة هذه الأموال وحركتها السريعة؟

– هل يمكن لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي أن يتحمل خروج 29 مليار دولار مرة واحدة؟

– هل درست الحكومة تأثير احتمال انسحاب هذه الأموال على سوق الصرف الأجنبي وسعر الدولار، فالخروج يمكن أن يحدث "ربكة" في هذا السوق وقفزة في سعر العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية كما جرى في الأيام الأخيرة؟

الخلاصة أن الأموال الساخنة وهمٌ، ولا يجوز لحكومة عاقلة الرهان عليها، فالرهان الحقيقي يكون على الاستثمارات المباشرة التي تأتي لتستقر في الدولة، جاءت لتؤسس مصانع وتدفع ضرائب وتوفر فرص عمل وتزيد الإنتاج، وبالتالي زيادة الصادرات، ولم تأتِ لتسبب اضطرابات في سوق الصرف وزيادة في سعر الدولار.