بسيف “الأعلى للقضاء”.. السيسي يستكمل الهيمنة على السلطة القضائية

- ‎فيتقارير
Egyptian police special forces secure the area outside a courthouse in the Cairo district of Heliopolis after a makeshift bomb that was placed under a car exploded wounding a woman, on June 25, 2014. Five makeshift bombs exploded at four Cairo metro stations today morning, wounding at least five people, while another detonated near a courthouse in the capital, officials said. AFP PHOTO / KHALED DESOUKI (Photo credit should read KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images)

«من أعان ظالما سلطه الله عليه»، هذا ما ينطبق على قطاع واسع من القضاة الذين دعموا انقلاب الطاغية عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو  2013م على إرادة الشعب المصري، واضعين أنفسهم والعدالة تحت خدمة العسكر؛ فعصفوا بالدستور والقانون، وأصدروا أحكاما جائرة أوقعت الألم لملايين المصريين الذين يرفضون الانقلاب العسكري أو أولئك الذين  يرفضون سياسات وقرارات النظام العبثية التي أفقرت عشرات الملايين من الناس.

اليوم وبعد 7 سنوات من اغتصاب السيسي للسلطة في مصر، يكتوي كثير من القضاة بنفس النيران التي ألهبوا بها ظهور المصريين وجباههم؛ حيث بدأ السيسي في الاستحواذ والسيطرة الغاشمة على مفاصل السلطة القضائية بالمخالفة للدستور الذي ينص على استقلال القضاء، ودون مواربة كما فعل مع جميع قطاعات وهيئات مصر. تجلى ذلك عبر سنوات حكم السيسي من قرارات وتدخلات غاشمة في الشؤون القضائية.

آخر هذه القرارات ما أصدره المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية الذي يرأسه السيسي، والتي تمثل نقلة نوعية في تاريخ العمل القضائي في البلاد. فللمرة الأولى يتم التحكم في جميع شؤون القضاة، من تعيينات ورواتب ودرجات وندب بصورة مركزية، من خلال المجلس الأعلى الذي تم استحداثه في التعديلات الدستورية الأخيرة في إبريل 2019، والذي كانت فكرة إحيائه قد ظهرت منتصف 2018، بمناسبة دراسة النظام لمشكلة ندب القضاة، التي فجرت وقتها خلافات بين الهيئات القضائية المختلفة ووزارة العدل. ووجدت رئاسة الانقلاب وقتها أنه يجب العمل على توحيد آراء القضاة تجاه الملفات المختلفة التي قد تثير أزمات بين الهيئات وبين الدولة لتسهيل التعامل ومحاصرة مساحات المعارضة.

وعلى الرغم من أن الدستور ينص على أن المجلس الأعلى يضم جميع الجهات والهيئات القضائية المنصوص عليها في الدستور، فقد تم استثناء القضاء العسكري من حضور اجتماع الثلاثاء الماضي مع السيسي، الذي دعت له رئاسة الانقلاب  رؤساء الهيئات صباح يوم الاجتماع فقط، ما يؤكد أن حضورهم كان شكلياً فقط لاعتماد قرارات معدّة سلفا، ومقصود تمريرها في هذا الوقت تحديدا، قبل نهاية العام القضائي الحالي بنهاية يونيو الحالي.

قرارات الغشم العسكري

القرارات تضمنت مساواة الدرجات الوظيفية والمالية للهيئات القضائية، وهو القرار الذي أثار في الساعات القليلة التالية للاجتماع جدلاً واسعا، لأنه استبعد المحكمة الدستورية العليا من مضمار المساواة، على الرغم من أن معظم الخلافات السابقة والدعاوى القضائية المرفوعة من القضاة لزيادة رواتبهم كانت بخصوص المساواة مع قضاة الدستورية.

وفسرت الدوائر القضائية هذا الأمر بأن القرار مقدمة لأن يعمل المجلس الأعلى، بعد تنظيمه رسميا بقانون، في تحقيق رغبة السيسي في خفض الميزانيات المخصصة للهيئات القضائية -ومجلس الدولة تحديدا- حيث سيتم إسناد عملية توزيع المخصصات المالية لكل هيئة إلى المجلس الأعلى، بناء على الترقيات التي يحدد هو شروطها، مع حرمان كل هيئة من رفاهية توزيع فوائض الميزانيات على أعضائها في صورة مكافآت أو بدلات، كما كان يحدث في السنوات الست السابقة على التعديل الدستوري الأخير.

وترتبط هذه المسألة بتكرار التأكيد على حظر ندب القضاة لأكثر من جهة حكومية واحدة، حيث إن القانون المنظم للمجلس الأعلى سيتضمن نصا يجعل من سلطته وضع القواعد الخاصة بالندب على جميع الهيئات، ولن تعود كل هيئة مختصة بشؤون أعضائها هذه، مع إلغاء كل المسميات والأوصاف الأخرى التي كانت تسمح بالتحايل على قرار حظر الندب لأكثر من جهة، مثل المهام القومية والمهام الخاصة والندب الجزئي.

وكان عدد من القضاة المنتدبين في عدة جهات قد سعوا، منذ عام ونصف العام تقريبا، لدى الجهات الحكومية المنتدبين فيها من وزارات ومصالح وشركات قابضة وتابعة، للضغط على إدارة مجلس الدولة للتراجع عن قرارها بتوحيد جهة الندب، ومنع عمل القاضي كمستشار قانوني في أكثر من جهة واحدة، أو إرجاء تطبيقه. كما أبدى بعض الوزراء لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي تضررهم من حرمانهم من انتداب القضاة كمستشارين، أو تخيير مستشاريهم للبقاء في جهة ندب واحدة، بناء على قرار رئيس مجلس الدولة الذي صدر وفقاً لتعليمات دائرة السيسي، لكن رئيس الحكومة رفض التدخل في القضية.

إلغاء الندب

وينص الدستور الحالي على إلغاء الندب تماما خلال خمس سنوات من تطبيقه، أي كان يجدر إلغاؤه منذ عامين ونصف العام. لكن حاجة الحكومة للمستشارين القانونيين من أعضاء الهيئات القضائية عطلت تنفيذ النص الدستوري. بينما اكتفى السيسي بالتضييق عليهم بمنعهم من الندب لأكثر من جهتين، ثم لجهة واحدة فقط، ثم بتوحيد جهة صرف المستحقات، ثم تطبيق ضريبة الدخل على القضاة بصورة صارمة من خريف 2019 للمرة الأولى، بعد فشل محاولات رؤساء الهيئات القضائية التوصل لحل وسط مع وزارة المالية، لإعادة احتساب الضريبة، وتخفيض الشريحة الخاصة بالقضاة واستبعاد بعض البدلات من صافي الراتب الذي تحتسب الضريبة على أساسه.

وتأتي قرارات السيسي بعد تدخلات حادة ، بمقتضاها سيطر على تعيين القضاة ورءوساء الهيئات القضائية وتقليص دور نادي القضاة والمجالس القضائية، لإحكام سيطرته العسكرية، بل ساوى بين القضاء العسكري والقضاء العادي، على الرغم من أن القضاء العسكري مجرد فرع في هيئة عسكرية يتبع قائد الوحدة أو السلاح.

يشار إلى أنه في اجتماع الثلاثاء الماضي، جرى استبعاد القضاء العسكري من الاجتماع ، بسبب أن القرارات المتخذة جميعها لا علاقة لها به، فهو لا يشترك مع باقي الهيئات في مسألة طريقة التعيين، أو المساواة الوظيفية، أو في الدرجات، وكذلك في مسألة الندب، وبالتالي كان حضوره واستثناؤه في الوقت نفسه من هذه القرارات سيثير انتقادات بين القضاة وتساؤلات عامة.

بجانب مسألة تعيين الإناث تحديدا. فرغم أن المادة 11 من الدستور تنص صراحة على تعيين الإناث في القضاء بشكل عام، وأن القضاء العسكري أصبح فرعا من هذا القضاء، فإنه سيكون حاليا الجهة الوحيدة التي لا تُعيّن الإناث بذريعة طبيعته العسكرية، وهي "مسألة حساسة.

وكان بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى أثاروا هذه القضية في اجتماع سابق مع وزير العدل عمر مروان في إطار مماطلتهم في قبول تعيين الإناث بالنيابة، وبالتالي ارتأى السيسي استبعاد القضاء العسكري من الجلسة تماما، لتكريس وضعه المميز داخل الدستور والمجلس الأعلى، فهو يجمع بين امتيازات الجيش والقضاء، ويحظى بتمييز وظيفي في آن.

ولكي يكون هذا الاستبعاد منطقيا، أخطرت وزارة العدل جميع الهيئات بأنه نظرا لعدم صدور القانون المنظم لعمل المجلس الأعلى حتى الآن، بعد الخلاف الذي ثار بشأنه صيف 2019، فإن القانون المنظم لعمل المجلس الأعلى للهيئات القضائية الصادر عام 1988 سيتم تطبيقه، وهو بالطبع كان يخلو من أي ذكر للقضاء العسكري الذي كان وقتها لا يعدو كونه فرعا داخليا من الجيش، وليست له صفة قضائية كاملة بموجب دستور 1971. علما بأن هذا التفسير يعتبر مناقضا للنص الدستوري الحالي.