بشائر “الجمهورية الجديدة”.. فصل الموظفين وحبس الباحثين ودورات “تثقيفية” استخبارية!

- ‎فيتقارير

في مكارثية جديدة وهستيريا التخلص من رافضي الانقلاب، وافق مجلس نواب السيسي رسميا بشكل نهائي 12 يوليو 2021 على تعديل قانون فصل الموظفين، الذي يستهدف فصل معارضي النظام وخاصة المنتمين لجماعة الإخوان.

القانون يمثل خطوة جديدة في طريق الانقسام المجتمعي الذي رسخه نظام عبد الفتاح السيسي منذ انقلاب 3 يوليو رغم أن أحد بنود خارطة طريق الانقلاب كانت "المصالحة والعدالة الانتقالية" التي لم تُنفذ، ويشكل خطورة لتأثيره على الأجيال المقبلة بعد فصل آباءهم ومنع مصادر أرزاقهم، رغم محاولة تدارك نواب ذلك بالحديث عن بقاء المعاش.

وقالت عبلة الهواري عضو اللجنة التشريعية بمجلس نواب الانقلاب إن: "من يتم فصله بفعل قانون فصل الإخوان يحصل على المعاش كاملا والمكافأة الخاصة بنهاية الخدمة".

بالتزامن، استمر استهداف الباحثين المصريين باعتقال الباحثة "عليا مسلم" فور عودتها من ألمانيا ثم الإفراج عنها بكفالة 10 آلاف جنيه على ذمة التحقيقات، في تكرار لما حدث مع العديد من الباحثين العائدين من الخارج، من المنتقدين لسياسات عبد الفتاح السيسي.

فصل الموظفين المعارضين بغير الطريق التأديبي، واستمرار اعتقال وسجن الباحثين، ومنح المحكمة الدستورية سلطة رفض قرارات المنظمات الدولية والمحاكم الأجنبية وهيئات التحكيم التي لا تعجب من يحكمون مصر، اعتبرها معارضون بشائر الجمهورية الجديدة، وحذر منها أستاذ العلوم السياسية مصطفي كامل السيد على مواقع التواصل.

الجمهورية الجديدة

ضمن هذه الجمهورية الجديدة تتزايد الدورات التدريبية في المقار العسكرية والاستخبارية لكافة الموظفين والطلاب والأئمة وغيرهم في مصر. وحذرت وزيرة الهجرة بحكومة الانقلاب يوم 5 يونيو 2021 من أن "الدارسين بالخارج هم أخطر شريحة من المهاجرين المصريين لتعرضهم لأفكار مغلوطة من توجهات معادية".

وقالت إنه: "لهذا يجري استقدامهم وإعطائهم دورات تدريبية، ونأخذهم إلى العديد من المناطق، منها معهد ناصر العسكري ومناطق تدريب القوات المسلحة، للتعريف بما يفعله الجيش المصري".

 وزيرة حكومة الانقلاب ذكرت أن "الدارسين المصريين بالخارج هم أخطر شريحة من المهاجرين في الخارج، نتيجة عدة عوامل على رأسها الأفكار المغلوطة التي يتعرضون لها من أصحاب التوجهات المعادية لمصر".

في نفس اليوم حذرت صحيفة "لوماتان" lematin الفرنسية من أن "الأمن المصري يطارد أكاديميين وباحثين ومصيرهم السجن أو المنع من السفر لو عارضوا النظام".

وقالت في مقال نشرته 6 يونيو 2021 إن: "سياسة النظام الاستبدادي لعبد الفتاح السيسي تجاه الطلاب والباحثين مقلقة حيث تم سجن العديد منهم، وأنه متهم بسجن الطلاب والباحثين بشكل منهجي".

وفي 4 فبراير 2019 حذر مجلس الحريات الأكاديمية طلاب الشرق الأوسط (ميسا) المشرف علي سفر الطلاب الأجانب لمصر ودول الشرق الأوسط للدراسة والبحث، أي طالب أجنبي من السفر لمصر، مؤكدا أن "الأجهزة الأمنية المصرية هي مصدر الخطر علي حياة وسلامة الأكاديميين".

فصل من انتقدوا فشل الوزير العسكري

التخلص من الموظفين الإخوان والمعارضين يستهدف أي معارضة للوزراء الفاشلين ومنهم وزير النقل العسكري الذي سرّع برلمان العسكر القانون خصيصا له بعدما أعلن 29 يونيو 2021 إبعاد 268 موظفا بالسكة الحديد انتظارا لصدور قانون فصلهم.

حيث أُجريت التعديلات الجديدة عقب سلسلة الحوادث التي شهدها مرفق السكك الحديدية، التي أرجعها وزير نقل الانقلاب كامل الوزير في وقت سابق إلى وجود "عناصر تخريبية" داخل هيئة السكك الحديدية بدل الاعتراف بفشله الذي انتهي لقوله إنه "سيسند إدارة السكة الحديد لشركة أجنبية".

وكان وزير النقل والمواصلات بحكومة الانقلاب كامل الوزير مهّد للقرار، بعد سلسلة حوادث قطارات السكك الحديدية، اتهم فيها الموظفين المتطرفين في هيئة السكك الحديدية بالمسؤولية عنها، وهو ما لم تُشر إليه أي جهة تحقيق من قريب أو بعيد، لكن الوزير ذا الخلفية العسكرية، أكد أن أحد سائقي القطارات كتب منشورا على موقع فيسبوك هاجم فيه مسلسل "الاختيار 2".

تستهدف الحكومة المصرية التخلص من 50% على الأقل من الرقم المراد تخفيضه لعدد العاملين بالجهاز الحكومي، وهو مليونا موظف، حتى يصل الجهاز إلى حوالي 3 ملايين و900 ألف موظف فقط بعد عامين.

في اجتماع 1 مارس 2021 بمجلس نواب العسكر للموافقة علي قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، لتقليص أعداد الموظفين انتقد محمد أبو العينين وكيل البرلمان عدد موظفي مصر الكبير.

قال إن: "مصر بها 2443 كيانا حكوميا، يحكمها 6.4 مليون شخص، وكل 15 مصري لهم موظف حكومي، وهذا الحجم كبير جدا مقارنة بدول العالم، ومطلوب خفضه وتعديل القانون هو البداية، لزيادة المعاش المبكر وحظر التعيينات لتصفية الموظفين تدريجيا".

القانون الجديد تضمن مواد فضفاضة تسمح بفصل أي موظف معارض حيث تنص على أنه "إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها".

واعتبر إدراج العامل على قائمة الإرهابيين وقوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين قرينة جدية لفصل أي عامل.

وسبق أن رفضت الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي المشروع، مُبدية تخوفها من أن "يفتح الباب للانتقام الكيدي من الموظفين".

وقال النائب محمد الوحش: "أرجو الحذر في التطبيق خوفا من أن يستعمل كأداة للتنكيل عن طريق الشكاوى الكيدية، ولكن عند استخدامه للتنقية والصالح العام والأمن الوطني".

وقالت النائبة مها عبد الناصر ممثلة الحزب المصري الديمقراطي، إن: "هناك خوفا من استخدامه كأداة ضد المرؤوسين، وأنه لا توجد ضمانة على أن من سيطبق عليهم القانون هم إرهابيون بالدليل القاطع". متسائلة "ما الذي سيمنع أن يكون القانون سيفا في يد الرؤساء لتطبيقه على المرؤوسين؟".

وتتيح التعديلات الجديدة إيقاف الموظف الذي يُشتبه في ارتباطه بجماعة الإخوان عن العمل مؤقتا لمدة ستة أشهر وخصم نصف راتبه خلال تلك الفترة، ثم يتم فصل الموظف نهائيا عن العمل حال ثبوت ارتباطه بأي كيان إرهابي".

تقرير حقوقي: غير دستوري

وتحت عنوان “العودة للخلف” أصدرت مؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان تقريرا حول مشروع قانون الفصل بغير الطريق التأديبي المعروف إعلاميا بقانون فصل الموظف الإخواني، أكدت أنه "يخالف دستور السيسي نفسه".

واعتبر التقرير أن "النصوص المقترحة بها شبه عدم دستورية وتوسع صلاحيات جهات الإدارة في فصل الموظفين دون الطريق التأديبي، بالإضافة إلى إمكانية إساءة استغلال نصوص القانون الفضفاضة التي تسمح بفصل الموظفين بالتفتيش في النيات".

وعلق تقرير مؤسسة الحق على نصوص القانون المعدل قائلا إن: "التوسع الشديد في الفئات المخاطبة بهذا القانون بحيث بات يشمل كافة العاملين بالجهاز الإداري بالدولة، لا مبرر له. فصغار الموظفين لهم آليات محاسبة، وآليات للتأديب، ومن جانب آخر فإنه أذا ما ثبت يقينا أن أيّا من العاملين بالقطاع الإداري للدولة ينتمي إلي أي من الجماعات الإرهابية فإن هناك ترسانة قانونية ضخمة يمكن من خلالها محاسبته دون أن يكون هناك احتياج لتدخل تشريعي يمنح للسلطة التنفيذية الفصل دون أية إجراءات تأديبية".

وأشار إلى التوسع في المخاطبين بالقانون بالإضافة إلي استعمال العبارات الفضفاضة التي لها أكثر من معنى وتأويل وتنطبق على العديد من الأفعال التي لا يستهدفها المُشرّع في الأساس ما قد يؤدي إلى توسع السلطة التنفيذية في استخدام ما منحه لها القانون من صلاحيات بناء على شبهات أو تحريات أو بيانات غير دقيقة أو صحيحة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى أضرار جسيمة، تفوق المصلحة التي هدف المُشرّع إلى حمايتها.

وتابع: "النص يتحدث عن الأضرار الجسيمة بالإنتاج أو بمصلحة اقتصادية للدولة أو لأي من الجهات المذكورة في القانون" وهو نص يمكن أن يندرج تحته أي فعل يمكن أن يأتيه أيّا من العاملين أو الموظفين بالجهاز الإداري، فالأمر يتسع للعديد والعديد من الأفعال بما يسمح بانتقائية المحاسبة وازدواجية المعايير".

سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعد صدور دستور 1971 بعدم دستورية نص القرار بقانون رقم 31 لسنة 1963بشأن حظر الطعن في قرارات إنهاء خدمة الموظفين بغير الطريق التأديبي، وأرست مبدأ عدم جواز تحصين أي قرار إداري من رقابة القضاء.

واعتبر الناشط ممدوح إسماعيل القرار عسكرة للوظائف قائلا: "‏برلمان السيسي يوافق نهائيا على تفويض فرعوني للسيسي في فصل الموظفين كيفما يشاء بدون أي رقابة تحت وهم الإخوان والجماعات وهو زيادة في الظلم وطريقة لعسكرة الوظائف بفصل أكبر عدد من الموظفين واستبدالهم بعسكر المعاشات والمطبلاتية مما سيعجّل بتصفية الكفاءات وسقوط فني ومهني في الوظائف".