أمام الغضب الواسع من جانب قطاع الممثلين إزاء الرسوم الباهظة التي فرضتها محافظة القاهرة مقابل التصوير داخل المحافظة، أعلن المحافظ مساء الأربعاء 25 أغسطس 2021م تراجعا نسبيا عن القرار بعدما التقى نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي وكيل لجنة الإعلام ببرلمان العسكر، حيث تم التراجع إلى ضوابط أخرى لم يحددها بيان المحافظة.
وبحسب صحيفة "مدى مصر" الإلكترونية فإن البيان، الذي حمل توقيع المحافظ، اللواء خالد عبد العال، أضاف أن المحافظة أكدت لنقيب المهن التمثيلية دعمها الكامل لأعمال الفن والتصوير بنطاق المحافظة، وكذلك دعم الدولة، إيمانًا بدورهم العام في إبراز أعمال التنمية والتطوير التي تشهدها مصر في الأعمال الفنية.
واعتبر المنتج الفني صبري السماك، بيان المحافظة بأنه قرار مايع، مضيفًا: «الراجل (المحافظ) ده خد خطوة غلط، أو همّا فَتوا أو جسوا النبض، إنهم ممكن ياخدوا هذه الخطوة وياخدوا مكتسبات.. واكتشفوا أن السيسي كان لسه امبارح بيقول دعم السينما ونشر الوعي، وفجأة واحد يطلع بقنبلة تدميرية للسينما نفسها.. أعتقد أنه تراجع ذليل».
وكانت إدارة العلاقات العامة لمحافظة القاهرة أصدرت، الإثنين الماضي 23 أغسطس 2021م، قرارًا، اعتمده المحافظ في 16 أغسطس، بتحصيل رسوم «تصوير الإعلانات والمشاهد السينمائية في شوارع وأبنية وأنفاق وجراجات محافظة القاهرة» بقيمة تتراوح بين 15 ألف جنيه للساعة و100 ألف جنيه لليوم الكامل.
قرار المحافظة بفرض الرسوم كان قد أثار حفيظة العاملين في المجال الفني، وصولًا لتصريح نقيب المهن التمثيلية، أشرف زكي: «مش هندفع»، فيما وصفه سينمائيون قبل الإعلان عن التراجع عن القرار والتوافق على الضوابط غير المعلنة، بأنه قرار قاتل للصناعة، ويُسقط القاهرة من الذاكرة، ودعوة لتطفيش المنتجين.
إتاوة وفردة
المنتج الفني صبري السماك قال إنه في السابق «كان فيه نظام إتاوة وفِردة، كنا بندفع عشرة آلاف جنيه للحي في اليوم لإشغالات الطريق. موضحا أن تصريح التصوير كان بيطلع من الداخلية بمبالغ بسيطة، لكن الأحياء قالوا الرصيف بتاعي، فكانوا بيدفعونا عشرة آلاف جنيه، ولو ما دفعتش ييجوا ياخدوا المولّد وندفع 50 ألف جنيه عشان نرجعه»، مشيرًا إلى أن هذا كان على مستوى القاهرة الكبرى، في حين أن محافظات أخرى قام بالتصوير فيها، مثل أسوان والأقصر وقنا والإسكندرية، لم تفرض عليهم رسوم، بل وكانت المحافظة تقدم خدمات مساعدة، وفي محافظات حدودية مثل محافظات سيناء، يتم دفع رسوم لحرس الحدود والمخابرات بحد أقصى خمسة آلاف جنيه في اليوم.
ضربة لصناعة السينما
وفيما وصف قرار فرض الرسوم بأنه ضربة في مقتل لصناعة السينما، توقع السماك أن تتبع باقي المحافظات السياسة الجديدة نفسها، موضحًا أن القرار الجديد سيطبق حتى عند التصوير في شقق سكنية، بسبب وجود المعدات وسيارات الإنتاج في الشارع عادة، ومضيفًا: «أنت أصلًا قافلّي البيع والتوزيع، لو فيه مسلسل، محتاج تصور 30-40 يوم في الشوارع أو في شقق سكنية، يعني أربعة ملايين جنيه، يعني كل شركات الإنتاج اللي مش كبيرة اللي عايزة تنتج مسلسل بميزانية 20 مليون، هايدفعهم كلهم رسوم، وده هيزود الاحتكار، فما يبقاش بقى غير ساويرس وتركي آل الشيخ ينتجوا، ده غير تشريد عمالة وفنيين ومتدربين».
وأشار السماك أيضا إلى هيمنة شركة سينرجي/ المتحدة (المملوكة للمخابرات العامة) بالأصل على الصناعة منذ فترة بدءًا من السيناريوهات المقدمة للرقابة، والتي يتم التصديق عليها فقط في حالة موافقة الشركة.
أما المدير التنفيذي لشركة «ريد ستار» للإنتاج، صفي الدين محمود، فأشار كذلك إلى تأثير القرار بشكل كبير على الأفلام القصيرة والمستقلة، التي لا تصل ميزانيتها إلى 100 ألف جنيه «الأفلام دي هتموت خالص»، موضحا أن ميزانيات الدراما التجارية أيضًا لن تتحمل هذه التكلفة، «مليون جنيه لتصوير 10 أيام في الشارع!، الأرقام دي مش متاحة حتى في التجاري، لأن فيه تخفيض في الميزانيات بقاله فترة، وأجور وتكلفة انخفضت، فلو فيه تكلفة زيادة مليون أو اتنين، مسلسلات وأفلام كتير هتقف»، مضيفًا أن القرار أيضًا سيفتح بابًا للرشاوى، متهما المجالس المحلية والمحافظات بالتكسب من وراء هذه الإتاوات، وهو ما اتفق معه السيناريست والمنتج محمد العدل.
عداء العسكر للسينما
وينتهي السماك إلى أن «العسكر عموما ما بيحبوش السينما ولا الفنانين، بالنسبة لهم أراجوزات، بيحقدوا عليهم وبيحتقروهم. بيتعاملوا مع السينما كأنها خصم، صناعة السينما في مصر بقالها 114 سنة، مش عارف حتى تستفيد منها»، تحدث عن قرارات ضيقت على الصناعة في السنوات القليلة الماضية، ومنها شروط وزارة الداخلية للتصاريح الأمنية التي تتطلب تحديد مكان التصوير بدقة، وهو أمر متغير ولا يكون متاح دائمًا، فضلًا عن الرسوم الكبيرة المفروضة على الأفلام الأجنبية، بدءًا من الجمارك على المعدات والرسوم للنقابة والرقابة على المصنفات، ما أدى إلى «طفشان» الأفلام الأجنبية، التي كانت مصدرًا هاما في الصناعة ومصدرًا هامًا للسياحة، بحسب قوله، مضيفًا أن وزارة الآثار فرضت رسومًا مرتفعة للغاية للتصوير في المناطق الأثرية، يقول «المعاينة بس بـ عشرة آلاف جنيه»
فكرة «التطفيش» وردت في تعليق السيناريست مريم ناعوم على قرار محافظة القاهرة، عبر صفحتها على فيسبوك، قائلة إنه بعد تطفيش صناع الأفلام الأجانب، يتم «تطفيش المصريين كمان لأن جهات الإنتاج مش هتقدر على الشروط دي.. فهيبقى البديل تصوير أعمال كلها داخلي».