في الوقت الذي تشهد فيه مصر تزايد أعداد المرضى النفسيين وتفاقم الاضطرابات النفسية لدى ملايين الشعب، إثر ضغوطات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية غير المسبوقة في عهد السيسي، وبدلا من التوسع في تقديم الخدمات الصحية الملاءمة، يتصاعد جشع العسكر وطمعهم نحو نهب كافة الأصول والمباني الحكومية التي يمتلكها الشعب والتي تم بناؤها قبل عهد السيسي، فعبر سنوات الانقلاب المرة توجهت آلة العسكر نحو تصفية "مستشفى العباسية للصحة النفسية" تحت شعار استثمار أرضه المتميزة تجاريا وعقاريا، حيث يقع على شارع صلاح سالم متقاطعا مع شارع رمسيس، دون التفكير في مصير المرضى والمترددين على المستشفى، والذي ترصد كافة الإحصاءات زيادات كبيرة في أعدادهم.
وفي محاولة لإنقاذ المستشفى شكل بعض المواطنين والأطباء هيئة للدفاع عن مستشفى العباسية.
محاولات الاستيلاء على الأراضي
محاولات العسكر الجشعة تواصلت وتنوعت من أجل الاستيلاء على الأراضي الثمينة ليحولوها إلى مباني وعقارات ومولات تجارية، كما يفعل العسكر الآن مع الحدائق العامة والمساحات الخضراء في المنصورة والجيزة وأسوان وبمدينة نصر ومصر الجديدة، حيث تحولت كل الحدائق العامة لمشاريع استثمارية لتحويلها لكافيهات ومطاعم بدلا من حدائق ومتنزهات للمصريين..
مؤخرا، كشفت جبهة الدفاع عن مستشفى العباسية للصحة النفسية، في بيان يوم 30 أغسطس الماضي، أن "إدارة المستشفى والأمانة العامة للصحة النفسية قامتا أوائل أغسطس الجاري باستدعاء إحدى الجهات غير المعنية بالصحة، وذلك لاستئجار قطعة أرض من المستشفى لمدة 20 عاما بغرض إقامة محال تجارية".
ولم يحدد البيان الجهة غير المعنية التي تقدمت بطلب استئجار الأرض، لكن الطبيب أحمد حسين، منسق الجبهة، أوضح في تصريحات صحفية أنها إحدى الجهات السيادية في الدولة.
كان محضر اجتماع مجلس إدارة المستشفى وافق، في سبتمبر الماضي على طرح مناقصة لجزء من أراضي المستشفى المطلة على تقاطع شارع رمسيس مع صلاح سالم كـ«عيون تجارية»، واقترح المجلس خلال اجتماعه ثلاث جهات للتقديم هي وزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع ووزارة الداخلية، لكن لم تتقدم إلى المناقصة سوى وزارة الإنتاج الحربي.
وردا على تلك الخطوة تقدمت الجبهة ببلاغ للنيابة الإدارية قُيد بقضية رقم 277 لسنة 2021.
وبحسب هيئة الدفاع عن المستشفى، فالجهة السيادية التي تفاوض إدارة المستشفى الآن ليست من ضمن تلك الجهات، إذ أن وزارة الإنتاج الحربي تقدمت من قبل بعرض حق انتقاع للأرض لمدة 20 عاما لإقامة محال تجارية على الأرض، وأرسلت الأمانة العامة للصحة النفسية العرض إلى الشؤون المالية والإدارية بوزارة الصحة، إلا أن الوزارة لم ترد. وفي مطلع أغسطس الماضي، تقدمت جهة سيادية أخرى غير تلك الجهات بعرض جديد.
أم الكوارث
وأضاف حسين أن "المشروع التجاري الذي تعتزم إدارة المستشفى إقامته، تم تخصيص أرضه من قبل لإنشاء مستشفى لعلاج الاضطرابات النفسية لدى الأطفال، والإدمان لدى المراهقين، وأنفقت المستشفى مليون و800 ألف جنيه من ميزانية الصحة النفسية على الدراسات والرسومات الهندسية لهذا المشروع، قبل أن يتوقف بسبب عدم قدرة المكتب الاستشاري على استخراج تصريح بالبناء من الحي".
وانتقد حسين سعي إدارة المستشفى لتلك الخطوة، مشيرا إلى عدم استفادة المستشفى بأي أمول، حيث ووفقا للمادة 239 لسنة 79 في لائحة المستشفيات ستذهب أموال العائدات إلى الخزانة العامة للدولة. لكن الأمر الأخطر بالنسبة لحسين هو أن الدولة من حقها سحب الأرض إذا تغير النشاط المُخصصة له الأرض.
ولعل المؤسف هو الصمت المطبق من قبل نواب السيسي وإعلامه عن تلك الكارثة التي تحاك بأعرق مستشفى في الشرق الأوسط لعلاح المرضى النفسيين، بل يشن إعلام السيسي وكتائبه الإلكترونية من وقت لآخر حملات على المستشفى وإدارتها كما يستهدفونه سلبا في الأعمال الفنية والدرامية، من أجل التمهيد لهدمه من أجل الكافيهات والمطاعم وبزنس العسكر، الذي لا يذهب للموازنة العامة للدولة، بل لجيوب السيسي وعساكره وقياداته، بنسب موزعة بيهم فيما الشعب يموت كمدا وقهرا وإهمالا طبيا على أبواب المستشفيات المكتظة بالمرضى، دون أن يفكر السيسي ببناء مستشفيات في محافظات مصر المختلفة، كما يسارع الزمن لبناء السجون والمقار الأمنية والمولات التجارية والصوبات التابعة للعسكر وشركات الجيش.
