يعيش الفلاح المصري أسوأ عصوره في ظل حكم العسكر، الذي أفقد كل شيء قيمته وطلاوته بسياسات القمع والاستبداد وشراهة التوحش الرأسمالي على حساب كل شيء.
وضمن فئات الشعب المصري التي تصارع آلام سياسات السيسي، وقع الفلاح المصري تحت طائلة العديد من الأزمات ومنها أزمة الأسمدة التي تضرب جيوب الفلاحين كل عام.
ومنذ مطلع أكتوبر الجاري، تجددت أزمة ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية خلال الموسم الشتوي مع ارتفاع أسعار الأسمدة في السوق السوداء، بسبب عدم توفرها في الجمعيات الزراعية المعنية بتوفيرها للمزارعين بأسعار التكلفة.
ودون أن تتدخل حكومة الانقلاب لإيجاد حل أو توفير دعم للفلاح، أطلقت أبواقها الإعلامية لتبرير ارتفاع الأسعار بأنه ناجم عن أزمة الطاقة العالمية ومشاكل سلاسل التوريد، وهو ما يجعل ارتفاع أسعار الأسمدة أزمة موسمية في مصر، تتجدد سنويا تقريبا منذ مطلع الألفية، رغم وجود فائض في إنتاج الأسمدة في مصر يصل إلى 11.5 مليون طن.
وتنتج مصر سنويا 21 مليون طن من الأسمدة، فيما يحتاج السوق المحلي إلى 9.5 مليون طن فقط، وفقا لشريف الجبلي رئيس مجلس إدارة غرفة الصناعات الكيماوية وعضو مجلس إدارة الاتحاد العربي للأسمدة.
مشكلة متكررة
تتكرر الأزمة رغم وجود اتفاق قديم بين حكومة الانقلاب ومصانع الأسمدة البالغ عددها 13 مصنعا، يقضي بأن تورد المصانع 55% من إنتاجها بسعر التكلفة للجمعيات الزراعية، في مقابل حصولها على غاز مدعم يُستخدم في التصنيع، وتسهيلات في تراخيص إنشاء تلك الشركات.
إلا أن المشكلة تأتي من أن المصانع لا تورد النسبة المحددة للجمعيات الزراعية البالغ عددها 7200 جمعية في أنحاء الجمهورية، مفضلة على ذلك تصديرها أو بيعها للتجار.
مستغلين أن القانون يقر عقوبة على عدم توريد حصص الجمعيات الزراعية بواقع 50 جنيها فقط على الطن فلو أن المصنع يدفع غرامة على الطن 50 جنيها، ويصدره للخارج في ظل وجود أزمة طاقة وارتفاع أسعار السماد عالميا لـ 12 ألف جنيه للطن فالقرار بكل تأكيد، للتصدير، بجسب خبراء زراعيين. كما أن الرقابة على المصانع غائبة تماما من قبل قطاع الخدمات الزراعية التابع لوزارة الزراعة.
وفي ظل امتناع المصانع عن توريد حصصها من الأسمدة، تشهد الجمعيات الزراعية نقصا حادا في اﻷسمدة يصل لحد اختفائها التام أحيانا، ما يضطر الفلاحين خاصة في بداية الموسم الشتوي إلى اللجوء لمتاجر خارجية للشراء بأسعار غير مدعمة، ما يتسبب في الأزمة الثانية، وفقا للمهندس الزراعي، محمد عاطف، الذي يشير إلى اتفاق كبار تجار الأسمدة مع المصانع لشراء حصص ضخمة، يتم تخزينها حتى بداية المواسم، التي يكون بها أزمة بالفعل بسبب التصدير، فيرتفع الطلب، ويتحكم التجار بالأسواق بشكل كامل، فهم يخرجون الأسمدة من المخازن واحدة واحدة، ثم يوقفونها مرة ثانية، وبالتالي يتحكمون في أسعار السوق كله.
ووصلت أسعار أسمدة اليوريا، في السوق الحر، هذا العام إلى 9000 جنيه للطن مقابل 4600 جنيه العام الماضي، وطن النترات إلى 7000 جنيه بدلا من 4500 جنيه، فيما ارتفع طن البوتاسيوم إلى 13000 جنيه بدلا من 9000 جنيه.
أزمة طاحنة
وعلى الرغم من الأزمة الطاحنة التي ترفع تكلفة الإنتاج الزراعي واعتماد الحكومة سياسات تلاعبية لضرب أسعار المنتجات بيد الفلاح، تنفي الحكومة بكل دوائرها ومسئوليها الأزمة، حيث يقول رئيس قطاع الخدمات والمتابعة بوزارة الزراعة، عباس الشناوي، في تصريحات صحفية إن "الوزارة رصدت اختناقا في توزيع الأسمدة المدعمة، وليس نقصا، بحسب وصفه، وأن الأزمة في طريقها للحل، فيما أكد أن أسباب الأزمة كلها بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة عالميا منذ فبراير الماضي من 220 دولارا إلى 800 دولار، فضلا عن عدم اعتياد المزارعين على التعامل مع كارت الفلاح الذي يصرفون من خلاله حصتهم من الأسمدة".
ومنظومة الحيازة الإلكترونية أو ما يعرف بكارت الفلاح، هي منظومة ترتبط ببطاقة الرقم القومي لكل مزارع ويسجل عليها كافة الحيازات المملوكة له، لتوفر قاعدة بيانات للأراضي الزراعية، لتحديد المحاصيل المتوقع إنتاجها وكمياتها، لتستطيع الدولة تحديد احتياجها من المنتجات الزراعية، ووضع خطة الاستيراد والتصدير بناء على المساحات المدرجة، لكن المنظومة التي أُطلقت عام 2016، تواجه مشاكل مستمرة، يصعب معها حصول كل المزارعين على كروت ذكية، ما يُعقد عملية صرف السماد.
قد تكون أزمة الطاقة العالمية وارتفاع أسعار المواد الخام ساهمت في تأجيج الأزمة، لكن هذا لا ينفي تكرار اﻷزمة سنويا، بالشكل نفسه، قبل أزمة الطاقة العالمية، وهو ما يُرجعه خبراء إلى عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات لمواجهة فساد المصانع والتجار.
نقص المياه
وإلى جانب أزمة الأسمدة وارتفاع أسعارها يُواجه الفلاح المصري أزمة نقص المياه الناجمة عن أزمة سد النهضة وهو ما قابلته الحكومة بمزيد من التشريعات القاتلة التي تستنزف الفلاحين باختراع رسوم استحدام الماكينات لرفع المياه والتي أُدرجت بقانون الري الجديد والذي يشمل العديد من الغرامات غير المسبوقة على الفلاحين، ما يجعل تبوير الأراضي الزراعية هو الملاذ الآمن للفلاحين، وهو ما يعظم من الأزمة الاقتصادية وأزمة ارتفاع أسعار الغذاء بمصر.
هذا إلى جانب أزمات تغييرات المناخ التي ضربت أغلب المحاصيل في مصر، مؤخرا، حيث مُني موسم المانجو بأزمة شديدة أهلكت أكثر من 90% من المحصول، ولحقه موسم الزيتون الذي يعاني مزارعوه من أزمة غير مسبوقة.
وتعرضت مزارع الزيتون في مصر لضرر كبير هذا العام، خفّض إنتاجيتها بأكثر من النصف، وذلك جراء تقلبات المناخ، وارتفاع درجات الحرارة خلال موسم تزهير المحصول في مارس الماضي.
وأزمة الزيتون هذا العام، هي حلقة جديدة في سلسلة أزمات المحاصيل الزراعية التي تصاعدت مؤخرا جراء تغيرات المناخ، لتصيب إنتاجية وجودة المحاصيل بضرر كبير، والفلاحين بخسائر أكبر، كان آخرها محصول المانجو هذا العام.
وهكذا يضرب ثالوث الغلاء وغرامات السيسي وتغيرات المناخ الفلاح المصري في مقتل، مهددا بجوع غير مسبوق النظير وارتفاع غير مسبوق بأسعار الغذاء.