في خداع جديد للغرب والعالم وللمصريين، وبعد أيام من زفة إلغاء السيسي تمديد العمل بقانون الطوارئ وافق برلمان السيسي الذي يعمل بتوجيهات وأوامر المخابرات ضد الشعب الذي يظن أنه انتخب نوابه، على العديد من القوانين الاستثننائية الأشد وطأة، لترسيخ ما هو أقسى من الطوارئ، وهي قوانين الإرهاب والعقوبات وحماية المنشآت.
وتضّمن تصويت مجلس نواب العسكر ثلاثة مشروعات قوانين مقدمة من الحكومة، لتعديل قوانين حماية المنشآت العامة والعقوبات ومكافحة الإرهاب؛ لاستمرار القوات المسلحة في مشاركة جهاز الشرطة في عمليات تأمين وحماية المنشآت العامة بشكل دائم، ومنح رئيس الجمهورية صلاحيات أوسع لفرض تدابير إضافية، وتغليظ عقوبة تصوير المحاكمات وإجراء دراسات أو استبيانات تخص القوات المسلحة بدون إذن كتابي من وزارة الدفاع.
ووفق قانونيين، هذه التعديلات بمثابة تقنين فج للإجراءات الاستثنائية بموجب الدستور وليس قانون الطوارئ.
تعديلات كارثية
وكانت حكومة الانقلاب قد تقدمت بالمشروعات الثلاثة إلى مجلس النواب في 23 أكتوبر الجاري بالتزامن مع انتهاء مدة الطوارئ المفروضة وقبل أن يعلن عبد الفتاح السيسي عن عدم تمديد حالة الطوارئ المفروضة بقرارات جمهورية متتابعة منذ 2014 في سيناء و2017 على جميع المحافظات، وقد ناقشت لجنتا الدفاع والأمن القومي والشؤون الدستورية والتشريعية، يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، المشاريع ووافقتا عليها وأعدتا تقارير بالرأي القانوني لهما ، ومن المقرر عرضه على الجلسة العامة خلال تصويت النواب على التعديلات.
وتضمن التعديل الأول، حذف المادة الخاصة بمدة تطبيق قانون حماية المنشآت العامة منه، ليتم العمل به بشكل دائم شأن جميع القوانين العادية الأخرى، لتكون مشاركة القوات المسلحة لجهاز الشرطة في حماية منشآت مثل؛ محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديد وشبكات الطرق والكباري وغيرها بشكل دائم.
ويكون القضاء العسكري المختص بنظر جميع القضايا التي تستند لهذا القانون بشكل دائم أيضا، وليس القضاء العادي ولا النيابة العامة، على أن يُعمل بهذه التعديلات بأثر رجعي بداية من الخميس 28 أكتوبر الجاري.
أما التعديل الثاني فيشمل منح رئيس الجمهورية عند فرضه حظر التجوال أو إخلاء بعض المناطق أو عزلها عند وجود خطر وجود جريمة إرهابية في منطقة محددة أن يحدد الجهة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير، فضلا عن تحديده عقوبة السجن المشدد أكثر من ثلاث سنوات وأقل من 15 سنة وتشمل تشغيل السجين وغرامة لا تزيد عن 100 ألف جنيه لمخالفة التدابير، وإذا لم يحدد الرئيس في قراره تلك العقوبة، تعاقب المحكمة المختصة المخالفين بالسجن وبغرامة لا تقل عن 20 ألف ولا تزيد عن 50 ألف جنيه.
وشملت تعديلات قانون الإرهاب أيضا تغليظ عقوبة تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة بدون إذن رئيس المحكمة إلى غرامة لا تقل عن 100 ألف ولا تزيد عن 300 ألف بعد أن كانت 20 ألف جنيه و100 ألف بحد أقصى.
أما التعديلات الخاصة بقانون العقوبات فقد تضمنت إضافة بند للمادة (80 أ) من القانون الخاص بإفشاء أسرار الدولة للدول الأجنبية، يتضمن عقاب كل من قام بجمع الاستبيانات أو الإحصائيات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين، بسبب وظيفتهم بدون تصريح كتابي من وزارة الدفاع، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف ولا تجاوز نصف مليون جنيه، على أن تزيد تلك العقوبة إلى السجن، إذا وقعت في زمن الحرب أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو الغش أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية أو المهنة أو الصفة، أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أو كان الجاني ضابطا بالقوات المسلحة أو أحد أفرادها من العاملين المدنيين بها، ويعاقب بالعقوبات نفسها على الشروع في ارتكاب تلك الجرائم.
والغريب أن مثل هذه القضايا المطاطة في صياغتها قد تشمل من يكتب مقالا ينتقد فيه سيطرة الجيش على اقتصاد مصر أو إجراءات الاستيلاء على أراضي الدولة، فيصبح مجرد الانتقاد جريمة إرهابية ترقى للتجسس.
ووفق دستوريين، فإن استمرار الوظيفة الاستثنائية للجيش في مشاركة الشرطة لمهامها في حفظ اﻷمن وحماية منشآت الدولة الحيوية، وفي إلقاء القبض على المدنيين وإحالتهم للقضاء العسكري لا يستند إلى إلغاء قانون الطوارئ هذه المرة، ولكن إلى التعديلات الدستورية الأخيرة التي دخلت على المادة 204 عام 2019، بعد أن قضت المحكمة الدستورية بعدم اختصاص القضاء العسكري بنظر قضايا مثل التجمهر والتظاهر تطبيقا لهذا القانون.
عسكرة مدى الحياة
والغريب أن مشاركة الجيش للشرطة في مهام حفظ اﻷمن بدأت عقب انسحاب اﻷخيرة من الشوارع في يناير 2011، وتولي المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد، قبل أن تقنن تلك المشاركة في يناير 2013، بإصدار الرئيس الراحل محمد مرسي قانون اشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة الذي ينص على أن «تدعم» القوات المسلحة قوات الشرطة في أداء مهمتها، حتى انتهاء الانتخابات التشريعية، وكلما طلب رئيس الجمهورية منها ذلك، مع التأكيد على اختصاص القضاء العادي بنظر الوقائع أو المخالفات التي يرصدها رجال الجيش، وهو ما تغير بعد استيلاء السيسي على الحكم في يونيو 2014.
وفي أكتوبر 2014 أصدر السيسي قانون تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، والذي نص على أن تتولى القوات المسلحة معاونة الشرطة في تأمين المنشآت الحيوية، مع توسيع نطاق تلك المنشآت لمدة عامين من تاريخ سريان القانون، و نص كذلك على أن تخضع الجرائم التي تقع ضد تلك المنشآت لاختصاص القضاء العسكري، وأن تحيل النيابة العامة تلك القضايا للنيابة العسكرية.
وكان مفترضا أن تنتهي مدة العامين، التي نص عليها القانون، في 28 أكتوبر 2016، قبل أن يقرر السيسي في أغسطس من العام نفسه مدها خمسة سنوات، لتنتهي في 28 أكتوبر 2021، ولكن مرة ثالثة تقرر حكومة الانقلاب تعديل القانون لتطبيقه مدى الحياة.
وهكذا تسير مصر للخلف ، فرغم ترحيب البعض بقرار السيسي الذي رافقته زفة إعلامية من الطبالين ، جاءت تعديلات القوانين الاستثنائية لتصبح دائمة ويتجرع المصريون أثرها المر والإذلال والتعذيب والقمع والاعتقال دون سند من قانون لتظل مصر خارج التاريخ، وليخدع السيسي الغرب والخارج بإلغاء الطوارئ الاستثنائية ليثبت جرائمها بحق المصريين مدى الحياة.
