نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية مقالا للكاتب سيث ج. فرانتزمان كبير مراسلي الشرق الأوسط ومحلل شؤون الشرق الأوسط تطرق خلاله إلى "دور دولة الاحتلال الصهيوني في صناعة الأزمات في المنطقة ودعم الانقلابات العسكرية".
انقلاب السودان
وبحسب التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة" في مطلع أكتوبر، أفادت تقارير بأن وفدا أمنيا سودانيا زار إسرائيل، وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، سيطر اللواء عبد الفتاح البرهان على السودان من خلال نوع من الانقلاب الذي طرد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من السلطة، جاء هذا الإجراء بعد أيام من وصول مبعوث أمريكي إلى السودان، ومن غير الواضح ما إذا كانت قيادة الخرطوم قد نسقت التحركات مع تلك التي تتحدث بها داخل القاهرة أو الرياض أو الخليج، إلا أنه سيكون من المفاجئ إن لم تفعل، لأن السودان في حاجة ماسة إلى الدعم.
دعم حفتر
وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن صدام حفتر، نجل زعيم شرق ليبيا خليفة حفتر، قد جاء إلى إسرائيل للاجتماع مع المسؤولين، وقال أحد التقارير إنه "عرض إقامة علاقات مع إسرائيل إذا دعمت إسرائيل والده، ويبدو هذا بعيد المنال، لأن فرص حفتر للاستيلاء على معظم الأراضي الليبية تضاءلت في صيف 2020 عندما تدخلت تركيا في الحرب الأهلية الليبية نيابة عن الحكومة في طرابلس، مما دفع الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر إلى التراجع عن أبواب المدينة".
ويحظى حفتر بدعم مصر، ومن المرجح أن تربطه علاقات جيدة باليونان وفرنسا وغيرها، لكن لديه وقت طويل ليقود البلاد كلها، فهو أيضا ليس شابا.
وأضاف التقرير أن حفتر عمل على السيطرة على شرق ليبيا من خلال عملية الكرامة التي أطلقت في عام 2014، لكنه لم يتمكن من دفع الكرة في آخر تسع ياردات إلى منطقة الطرف في طرابلس، وعلى هذا النحو فهو عالق في الأمل في التوصل إلى تسوية، فمصر وروسيا وغيرهما تريد منه أن يظل على نفس الخط؛ تركيا تريد إزالته، لكن أنقرة تحاول الآن غناء أغنية المجاملة مع القاهرة لإصلاح العلاقات، حتى تتغير الأمور.
ماذا تستفيد إسرائيل؟
وأوضح التقرير أن دولة الاحتلال تقيم علاقات جيدة مع عبد الفتاح السيسي، وصل السيسي إلى السلطة في العام 2013 بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وكانت تركيا قد دعمت مرسي، لأنها تقود حزب العدالة والتنمية المرتبط بجماعة الإخوان التي ترتبط هي نفسها بحماس والتي تحظى بدعم قطر، كانت إسرائيل على الجانب الآخر من المعادلة، وكانت أكثر ارتباطا بالأردن ومصر في عهد السيسي، وبعد اتفاقات أبراهام، كانت إسرائيل شريكا علنيا مع الإمارات والبحرين، القريبتين من المملكة العربية السعودية ومصر، وكانت العلاقات السودانية الإسرائيلية نتيجة لذلك.
وأشار التقرير إلى أن البرهان كان مقربا من السعوديين، وتقول فرانس 24 إن "وسائل إعلام ومحللين سودانيين ذكروا أن البرهان نسق إرسال قوات سودانية إلى اليمن كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية والذي تدخل منذ عام 2015 ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وأضاف التقرير أنه كان أيضا ملحقا للصين، وهذا من شأنه أن يجعله في وضع يسمح له بفهم التغيرات العالمية".
ولعل هذا هو السبب الذي جعله ينتظر رحيل المبعوث الأميركي جيفري فيلتمان، قبل التحرك ضد رئيس الوزراء، وفعل صدام حسين الأمر نفسه بعد أن التقى في 1990 السفير الأميركي حينذاك أبريل غلاسبي، وفي نهاية المطاف، فشل صدام في حساباته؛ ولا ينوي البرهان أن يفعل الأمر نفسه.
ولفت التقرير إلى أن هناك رجلا آخر في الخرطوم هو محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، وأفادت الأنباء أنه هو الذي قاد الوفد إلى إسرائيل في أكتوبر، بيد أن التقارير ذكرت أنه في الوقت الذي يعتقد فيه حميدتى أن العلاقات الإسرائيلية يمكن أن تساعد السودان ، فان القيادة المدنية أكثر ترددا.
ووفقا لتحليل أجراه يوناتان توفال، كبير محللي السياسة الخارجية في صحيفة "ميتفيم" الإسرائيلية، المعهد الإسرائيلي للسياسات الإقليمية الخارجية، فإنه من المؤسف إن لم يكن هناك من الأسباب ما قد يجعلنا نعتقد أن مسؤولين عسكريين واستخباراتيين إسرائيليين كانوا متواطئين في الاستيلاء العسكري (وهو الاحتمال الذي تكهن به بعض الصحافيين الإسرائيليين علنا) فإن إسرائيل بعيدة كل البعد عن كونها مجرد متفرج ".
وأضاف توفال أن الحجم الواحد لا يناسب الجميع، كما كتب قد تكون عملية تكبيرة النصر مناسبة للتطبيع مع الإمارات العربية المتحدة، إلا أنها لن تنجح مع المملكة العربية السعودية أو جيبوتي أو العراق، أما مع السودان فإن غطرسة إسرائيل وتواطؤها مع الانقلاب قد ينفجران في وجهها.
السيسي يدعم انقلاب البرهان
والسؤال الآن هو ما إذا كان انقلاب السودان سوف يغير الأمور أم لا؟ وذكرت تقارير في "والا" أن وفدا إسرائيليا كان في الخرطوم مؤخرا، لكنه لم يكشف ما يدور وراء الكواليس، ولا يعرف سوى القليل عن دور مصر، إلا أن القاهرة قامت بعدد من الزيارات العسكرية المشتركة مع السودان في السنوات الأخيرة، فهي تريد السودان على غرار نموذج السيسي في مصر، وتريد شراكة سودانية في ما يتعلق بسد النهضة الكبرى في إثيوبيا، والآن تخوض حكومة أثيوبيا حربا أهلية؛ ومن غير المعروف ما الدور الذي قد تلعبه مصر أو السودان هناك، ثم في الباب المجاور تشاد. وأفادت التقارير بأن تشاد كانت مستعدة لإرسال بعثة دبلوماسية إلى إسرائيل في سبتمبر 2020، زار رئيس حكومة تشاد عبد الكريم ديبي، نجل الرئيس التشادي إسرائيل بحسب التقارير، وقُتل زعيم تشاد في معركة في أبريل 2021، مما ترك عبد الكريم وشقيقه محمد إدريس ديبي لقيادة البلاد، وقد أدى ذلك إلى طرح أسئلة عما سيأتي بعد ذلك على تشاد.
من المُجدي التفكير في جميع هذه الحالات على أنها مترابطة، فمصر تريد أن يكون لديها كتلة من الدول مثل السودان وتشاد وليبيا يمكنها الاعتماد عليها، وفي غياب دولة قوية، يمكن أن تعمل مع حفتر وغيره، وبالنسبة لمصر وأصدقائها في الخليج، فإن الهدف يتلخص في دعم قوس الاستقرار والاعتدال والذي يشكل أيضا قوسا من الاستبداد أو النظام الملكي.
لكن تركيا خفضت بعض خطابها العدائي، ومع ذلك، يمكننا أن نرى كيف أن وسائل الإعلام التي تتخذ من أنقرة مقرا لها تنشر أنباء عن العلاقة بين حفتر وإسرائيل كدليل على شيء سلبي، ولسنوات كانت هناك همسات، وكانت إسرائيل تصور على أنها مرتبطة بحفتر، عادة عبر وسائل إعلام مرتبطة بتركيا، حتى إن تركيا ذكرت عبر وسائل الإعلام في الأناضول في 26 أكتوبر أن حفتر وسيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس السابق المتوفى معمر القذافي، استأجرا شركة إسرائيلية كان من المفترض أن مقرها في الإمارات العربية المتحدة في الفترة التي سبقت الانتخابات الليبية.
وقالت الصحيفة نقلا عن شخصيات خليجية بارزة إن "ابن حفتر وقع العقد مع الشركة الاستشارية التي تدير حملات ناجحة في إسرائيل والعالم" وتقول وسائل الإعلام التركية إن "حفتر وإسرائيل انتقلا من العداء إلى التحالف".
والقراءة التبسيطية لهذا الأمر هي أن حفتر قادر على مقايضة الاعتراف بالدعم، ولكن هذا غير مرجح وقد اعترف بعض المسؤولين الإسرائيليين بأن فرصة الاعتراف ليست مرجحة أيضا.
وتابع التقرير، إذا القصة الحقيقية أكثر تعقيدا، فيجب أن ينظر إليه على أنه جزء من القصة الشاملة لمصر والخليج، والسياسات التي تربط السودان وشرق ليبيا والتجمعات الإقليمية من المرجح أن السودان حصل على ما كان يريده في البداية في خريف 2020 بعد أن وافق على التطبيع مع إسرائيل، لكن السودان يحتاج إلى استثمارات وأنواع أخرى من الدعم الآن، على الأرجح أبعد من مصالح إسرائيل.
وبالمثل، فإن المدى الطويل لحفتر في إدارة ليبيا هو الذي تحتاج إليه مصر لمراقبة الوضع بعناية، وتجدر الإشارة إلى أن تدخل تركيا في ليبيا بدأ بعد أن قامت أنقرة بتسليح الحكومة الضعيفة في ليبيا في صفقة بحرية تمتد عبر مفهوم خط أنابيب شرق البحر المتوسط الذي يربط اليونان وإسرائيل وقبرص بأماكن مثل إيطاليا بفرنسا.
إن القصص الأخيرة عن إسرائيل – السودان – ليبيا ، يجب أن تُفهم في هذا السياق، بقدر ما تعود أصول هذه الجماعات والشراكات الأكبر إلى سنوات عديدة.
https://www.jpost.com/international/from-libya-to-sudan-israels-north-africa-policies-in-spotlight-684485