نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" مقالا للدكتور رمزي بارود زميل باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA) تطرق خلاله إلى فضائح التجسس التي قامت بها الشركات الصهيونية على نشطاء وسياسيين خلال الفترة الماضية.
وبحسب التقرير، الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة"، كان الكشف قبل بضع سنوات عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكية بعمليات مراقبة جماعية على ملايين الأمريكيين، سببا في إحياء الحديث عن سوء سلوك الحكومات وانتهاكها لقوانين حقوق الإنسان والخصوصية، إلا أنه حتى وقت قريب لم تسلم إسرائيل من النقد الواجب، ليس فقط بسبب أساليبها غير المشروعة في التجسس على الفلسطينيين، بل أيضا لأنها ابتكرت العديد من التكنولوجيات التي تتعرض الآن لانتقادات شديدة من جانب جماعات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
الفلسطينيون تحت الحصار
وقال التقرير إنه "حتى في ذروة العديد من الخلافات التي اشتملت على مراقبة الحكومة في عام 2013، ظلت إسرائيل على الهامش، برغم حقيقة مفادها أن حكومتها، أكثر من أي حكومة أخرى في العالم، تستخدم التنميط العنصري، والمراقبة الجماعية، والعديد من أساليب التجسس للحفاظ على احتلالها العسكري لفلسطين".
وأضاف التقرير أن غزة يعيش فيها مليونا فلسطيني تحت حصار إسرائيلي، فهي مُحاطة بجدران وأسوار كهربائية وحواجز تحت الأرض وسفن بحرية وعدد كبير من القناصة، ومن الأعلى، فإن الطنانة، وهي العامية العربية التي يستخدمها الفلسطينيون للطائرات بدون طيار، تشاهد كل شيء وتسجله، وتستخدم هذه الطائرات المسلحة بدون طيار لتدمير أي شيء يعتبر مشبوها من منظور أمني إسرائيلي.
وعلاوة على ذلك، فإن كل فلسطيني يرغب في مغادرة غزة أو العودة إليها ، ولا يسمح إلا لقلة قليلة من السكان بهذا الامتياز ، فهو يخضع لأشد التدابير الأمنية صرامة، التي تشمل مختلف الوكالات الحكومية وعمليات التفتيش العسكرية التي لا تنتهي، وينطبق هذا على الطفل الفلسطيني بقدر ما ينطبق على الرجل الفلسطيني المصاب بمرض مميت أو المرأة التي تلتمس العلاج غير المتوفر في الأراضي المحاصرة.
التجربة الأمنية في الضفة
وأوضح التقرير أن تجربة إسرائيل الأمنية في الضفة الغربية تتخذ أشكالا عديدة، وفي حين أن الهدف الإسرائيلي من غزة هو إيقاع الناس في شراكها، فإن هدفها في الضفة الغربية والقدس الشرقية هو السيطرة على الحياة اليومية للفلسطينيين، وفضلا عن جدار الفصل العنصري الذي يبلغ طوله 1660 كيلومترا في الضفة الغربية، هناك العديد من الجدران والأسوار والخنادق وغيرها من أنواع الحواجز الأخرى التي تهدف إلى تفتيت المجتمعات المحلية الفلسطينية، ولا يتم الربط بين هذه المجتمعات المعزولة إلا من خلال نظام مفصل من نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، التي يكون الكثير منها دائما، ولكن مع تشييد أو تفكيك العديد منها وفق الأصول المرعية حسب الأهداف الأمنية في أي يوم معين.
وأشار التقرير إلى أن معظم عمليات المراقبة تجري يوميا عند نقاط التفتيش الإسرائيلية هذه، وفي حين تستخدم دولة الاحتلال مصطلح الأمن المناسب، لتبرير ممارساتها ضد الفلسطينيين، فإن الأمن الفعلي ليس له علاقة تذكر بما يحدث عند نقاط التفتيش، وقد تُوفي العديد من الفلسطينيين بينما أنجبت أمهات كثيرات أو فقدن أطفالهن حديثي الولادة في انتظار الحصول على إذن أمني إسرائيلي، إنه عذاب يومي، والفلسطينيون يخضعون له لأنهم مشاركون غير مدركين في تجربة إسرائيلية مربحة للغاية.
"فيس بوك الفلسطيني"
ولفت التقرير إلى أنه من حسن الحظ أن تفاصيل الممارسات غير الديمقراطية التي تمارسها دولة الاحتلال أصبحت معروفة بشكل أفضل، ففي 8 نوفمبر، على سبيل المثال، كشفت صحيفة واشنطن بوست عن عملية مراقبة جماعية إسرائيلية تستخدم تكنولوجيا "الذئب الأزرق" لإنشاء قاعدة بيانات ضخمة لجميع الفلسطينيين.
يمنح هذا الإجراء الإضافي الجنود الفرصة لاستخدام كاميراتهم الخاصة لالتقاط صور لأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين ومطابقتها مع قاعدة بيانات للصور واسعة النطاق لدرجة أن جنديا سابقا وصفها بأنها فيسبوك الفلسطينيين السري للجيش، ولا نعرف سوى القليل عن هذا ال "فيس بوك الفلسطيني" فضلا عما تم الكشف عنه في وسائل الإعلام، ومع ذلك، فنحن نعلم أن الجنود الإسرائيليين يتنافسون على التقاط أكبر عدد ممكن من الصور للوجوه الفلسطينية، إذ أن الذين يحملون أكبر عدد من الصور يمكن أن يحصلوا على مكافآت معينة، لا تزال طبيعتها غير واضحة.
ولفت التقرير إلى أنه بينما تحظى قصة "الذئب الأزرق" ببعض الاهتمام في وسائل الإعلام الدولية، فإنها ليست شيئا جديدا بالنسبة للفلسطينيين، أن يكون فلسطينيا يعيش تحت الاحتلال يحمل العديد من التصاريح والبطاقات المغناطيسية؛ وطلب العديد من التصاريح الأمنية؛ لالتقاط صورتك بشكل منتظم لمراقبة تحركاتك وأن تكون مستعدا للإجابة على أي سؤال عن أصدقائك وعائلتك وزملائك في العمل ومعارفك وعندما يكون ذلك غير عملي مثلا، لأنك تعيش تحت الحصار في غزة، فإن العمل يُوكل إلى طائرات بدون طيار تقوم بمسح الأرض والبحر والسماء.
فضيحة بيجاسوس
ونوه التقرير بأن السبب وراء حصول "الذئب الأزرق" على بعض الثقل في وسائل الإعلام هو أن دولة الاحتلال تورطت مؤخرا في إحدى أكبر عمليات التجسس في العالم، فبيجاسوس هو نوع من البرمجيات الخبيثة التي تتجسس على أجهزة أي فون وأندرويد، لاستخراج الصور والرسائل ورسائل البريد الإلكتروني وتسجيل المكالمات، وقد سقط عشرات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم، والعديد منهم من النشطاء والصحفيين والمسؤولين وكبار رجال الأعمال ومن هم من أمثال هؤلاء، ضحايا لهذه العملية، وليس من المستغرب أن تنتج شركة التكنولوجيا الإسرائيلية بيغاسوس، وهي مجموعة "إن أس أو" التي تشارك منتجاتها بشكل كبير في مراقبة الفلسطينيين والتجسس عليهم، كما أكد المدافعون عن الخطوط الأمامية في دبلن، وكما ورد في صحيفة نيويورك تايمز في 8 نوفمبر.
وتابع التقرير "من المؤلم عكس الشؤون العالمية أن ممارسات إسرائيل غير القانونية وغير الديمقراطية لم تصبح سوى موضع إدانة دولية عندما كان الضحايا شخصيات رفيعة المستوى، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وآخرين، وعندما كان الفلسطينيون يتلقون الطرف الآخر من التجسس الإسرائيلي ومراقبته والتنميط العنصري، كانت القصة تعتبر غير جديرة بالغضب والتغطية العالميين".
تكنولوجيا أمنية مجربة
واستطرد التقرير "علاوة على ذلك، دأبت دولة الاحتلال لسنوات عديدة على ترويج وبيع تكنولوجيا الأمن المشئومة إلى بقية العالم باعتبارها مجربة ميدانيا، مما يعني أنها استخدمت ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، وربما أثار هذا بعض الدهشة بين الأفراد المعنيين وجماعات حقوق الإنسان، ولكن العلامة المجربة والمثبتة أثبتت أن دولة الاحتلال أصبحت ثامن أكبر مصدر للأسلحة في العالم، والآن تستخدم الحكومات في مختلف أنحاء العالم التكنولوجيا العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ويمكن العثور عليها في مطارات أمريكا الشمالية وأوروبا؛ على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة؛ بين أيدي أجهزة استخبارات مختلفة؛ وفي المياه الإقليمية للاتحاد الأوروبي، إلى حد كبير لاعتراض اللاجئين الفارين من الحرب ، حيث تستخدم التكنولوجيا الإسرائيلية أيضا وطالبي اللجوء".
وواصل التقريرإن التستر على ممارسات دولة الاحتلال غير القانونية واللاإنسانية ضد الفلسطينيين أصبح مسؤولية تقع على عاتق الأشخاص أنفسهم الذين يبررون الأعمال الإسرائيلية باسم الأمن والدفاع عن النفس، بما في ذلك الإدارات المتعاقبة في واشنطن، وفي 3 نوفمبر، قررت إدارة جو بايدن إدراج مجموعة "إن أس أو" الإسرائيلية على القائمة السوداء، بسبب تصرفها بما يتنافى مع الأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهذا تدبير صحيح ومناسب، بطبيعة الحال، ولكنه لا يعالج الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني المحتل".
واختتم التقرير بقوله " الحقيقة هي أنه ما دامت دولة الاحتلال تحافظ على احتلالها العسكري لفلسطين، وما دام مجمع الصناعة العسكرية الإسرائيلية يرى أن الفلسطينيين هم أشخاص خاضعون لتجربة أمنية جماعية، فإن الشرق الأوسط ، بل والعالم بأسره سيستمر في دفع الثمن".
From Pegasus to Blue Wolf: how Israel’s ‘security’ experiment in Palestine went global