مغزى هجوم “ساويرس” على اقتصاد جيش الانقلاب

- ‎فيتقارير

في وقت يواجه اقتصاد مصر في ظل الانقلاب العسكري مزيدا من الضغوطات والأزمات سواء على مستوى التمويل أو الاستحواذ، ومطالبات صندوق النقد الدولي لتوسيع دور القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية بمصر، جاء هجوم ساويرس على اقتصاد الجيش المصري في توقيت حاسم، قد يدفع نحو توسيع إمبراطورية ساويرس الاقتصادية، تحت سيف الضعوط الدولية على اقتصادات الجيش مقابل تمويل المالية العامة المأزومة بعجز كلي كبير، إثر حرمان الموازنة العامة من التمويلات الضريبية والرسوم والجمارك المفترض دفعها من قبل شركات الجيش والتي يقدرها البعض بنحو 60% من اقتصاد مصر.

 

تغول الجيش على الاقتصاد

ففي هجوم مفاجئ من رجل الأعمال الداعم للانقلاب نجيب ساويرس، الذي يعد أحد أكبر أغنياء القارة الإفريقية وثاني أثرياء مصر بعد شقيقه، بثروة تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار، على الاقتصاد المصري، وتغول الجيش فيه، قال في حوار تلفزيوني السبت،  إن "المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص غير عادلة منذ البداية، مؤكدا أن الدولة يجب أن  تكون جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي".

وأضاف ساويرس  أن "الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك، مشيرا إلى أن المنافسة من البداية غير عادلة،  ولا يجري نشر أي أرقام رسمية بشأن الوضع المالي للجيش".

وتابع: "لا تزال هناك منافسة من الحكومة، لذا فإن المستثمرين الأجانب خائفون بعض الشيء، و أنا نفسي لا أخوض عروضا عندما أرى شركات حكومية، إذ أن ساحة اللعب لا تعود متكافئة، على حد تعبيره".

وتاتي شكوى ساويرس، لتخفيف الضغوطات عن شركاته التي تتهرب من كثير من الضرائب والاستحقاقات المالية المفترض دفعها للدولة.

 

طروحات حكومية

بجانب قرب بدء حكومة الانقلاب في برنامج طروحات حكومية لعدد من الشركات أجل نيل مصر مساعدات وقروض دولية معطلة من قبل المؤسسات المانحة، التي تطالب بتوسيع دور القطاع الخاص.

ومنذ اتقلاب السيسي في 2013، حقق اقتصاد الجيش نموا ملحوظا إذ تُسند له العديد من المشاريع، وبناء على ذلك يقيم شراكات مع مجموعات القطاع الخاص لمشاركته التنفيذ، من بينها أوراسكوم للإنشاء المملوكة لعائلة ساويرس.

وفي الوقت الذي يقدر فيه البنك الدولي ومركز كارينجي لأبحاث الشرق الأوسط اقتصاد الجيش بنحو 60%،من اقتصاد مصر،  قال السيسي في أحد المؤتمرات العامة عام 2016 إن "اقتصاد الجيش يمثل نحو 2% من الاقتصاد الوطني، ونود أن يصل إلى 50%".

ولا يزال العديد من القطاعات تخضع لسيطرة الجيش الآخذة في التزايد، بما في ذلك العقارات والمياه المعدنية والأجهزة المنزلية ومحطات البنزين واللوحات الإعلانية وإنشاء الطرق ومصانع الإسمنت والأدوية والمنتجعات والمدارس الدولية، وغيرها.

وفي أكتوبر 2020، ذكرت دراسة أعدها مركز "كارنيجي للشرق الأوسط" أن استيلاء الجيش المصري على السلطة في عام 2013 حول دوره في الاقتصاد المصري، وأصبح يكبد البلاد كلفة باهظة، مشيرة إلى أن الارتفاع الهائل للمشروعات الضخمة في البنية التحتية العامة والإسكان الذي يديره الجيش منذ ذلك التاريخ يولد مبالغ كبيرة من رأس المال المعدوم والأصول العالقة، ويحول الاستثمار والموارد عن القطاعات الاقتصادية الأخرى.

 

العلاقات العسكرية المدنية

جاء ذلك في دراسة أصدرها برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية، التابع للمركز، موضحا فيها مجموعة جديدة من التحليلات عن دور الجيش في الاقتصاد المصري وتأثيراته عليه.

وبحسب الدراسة، فإن تدخل القوات المسلحة  في الاقتصاد شهد تحولا من حيث نطاقه وحجمه في عهد السيسي، لكنه يعكس افتقاره إلى مخطط اقتصادي واضح، ناهيك عن الفهم السليم لديناميات السوق، حيث يؤدي اهتمامه الأكبر بتوليد رأس المال مع الحفاظ على النظام السياسي إلى ظهور نسخة جديدة من رأسمالية الدولة.

وقالت الدراسة إن "المؤسسة العسكرية تدعي أنها توظف 5 ملايين شخص، لكن جميعهم تقريبا يعملون في الواقع من قبل المقاولين المدنيين من القطاع الخاص الذين يعملون لصالح المؤسسة العسكرية، ما يشير إلى أن نهج السيسي قد يساعد في توليد النمو الاقتصادي وتحسين كفاءته المالية العامة، لكنه يعزز أيضا قبضة الدولة بدلا من تعزيز اقتصاد السوق الحر".

وقالت الدراسة إن "القيمة الصافية للشركات العسكرية وللإنتاج العسكري للسلع والخدمات أقل بكثير مما يصفها كثيرون، لكنها أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن".

 

تعزيز منافع الجيش

ويسمح النمو في الصناديق المالية التقديرية لوزارة الدفاع بزيادة المنافع وتعزيز الولاء في صفوف القوات المسلحة، وبناء احتياطي مالي لتمويل تطوير البنية التحتية العسكرية ومشتريات الأسلحة، والقيام بعمليات استحواذ وسائل إعلام والتبرع لهيئات مثل صندوق تحيا مصر الذي أنشأه السيسي للرعاية الاجتماعية والتنمية، وذلك خدمة للأغراض السياسية.

كما يخدم توسع النشاط الاقتصادي العسكري في 5 مجالات نموذج إدارة السيسي الآخذ في الظهور من رأسمالية الدولة: التطوير العقاري، وإنشاء مجمعات الصناعة والنقل، واستخراج الموارد الطبيعية، والعلاقات مع القطاع الخاص، وزيادة رأسمال القطاع العام بواسطة الاستثمارات الخاصة.

ووفق الدراسة؛ يتواصل الانحدار في مصر وفق جميع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية، مقارنة بمجموعة نظرائها، نتيجة لهذا التدخل العسكري في الاقتصاد، موضحة أن مصر تقوم بتخصيص خاطئ للاستثمارات العامة في مشاريع البنية التحتية الكبيرة والقطاعات غير المنتجة وصناعة الدفاع غير المتكافئة، ما أدى إلى تكبد تكلفة باهظة على حساب رفاهية المصريين العاديين.

وقالت إن "دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري أصبح أكبر وأكثر غموضا، مع آثار سلبية على ما يبدو، ولا سيما عندما نضع في الاعتبار الوضع المتدهور لمصر في الاقتصاد العالمي من خمسينات القرن الماضي حتى اليوم.