سجن جمصة نموذجا.. لماذا يصر السيسي على تجويع المعتقلين في سجونه؟

- ‎فيحريات

التقرير الذي أصدرته منظمة «نحن نسجل» الحقوقية يوم الجمعة 17 ديسمبر 2021م، والذي ترصد فيه كثيرا من انتهاكات النظام في عدد من السجون والمعتقلات والتي ترقى إلى مستوى التجويع الممنهج الذي أفضى إلى حالات مرضية وإغماءات إضافة إلى منع العلاج والتريُّض، تمثل برهانا على أن نظام 3 يوليو  يفتقد إلى أدنى معايير الإنسانية وتبرهن على أنه نظام يتجرد من أي قيمة أخلاقية إنسانية.

ما يحدث في سجون السيسي يبرهن على أن النظام قد نجح في تربية ضباطه على انعدام الإنسانية وعدم الخوف من حساب الله، فضلا عن انتهاك القانون بشكل دائم دون خوف من مساءلة أو حساب. لم يسمعوا قط عن حديث النبي (ﷺ): عذبت امراة في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تآكل من خشاش الأرض». وحديث «صِنْفَان من أهل النار لم أَرَهُما» وذكر منهما «قوم معهم سِيَاط كَأذْنَابِ البَقر يضربون بها الناس، ونساء كاسِيَات عاريات مُمِيَلات مَائِلات، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلة».

وفقا لما رصدته المنظمة تحت عنوان «جحيم لا يهدأ بسجن جمصة في مصر»، وثقت المنظمة، لليوم الخامس على التوالي، تعرض السجناء السياسيين في سجن جمصة شديد الحراسة لانتهاكات حقوقية متصاعدة، تنوعت ما بين حرمان المعتقلين السياسيين من العلاج والأغطية الخاصة والتريُض والطعام، باستثناء مرة واحدة يوميا، غالبا ما تكون الوجبة رغيف خبز مع قطعة جُبن، فضلا عن توثيق تغريب (نقل السجين إلى سجن آخر بعيد عن قريته أو مدينته) 150 من المعتقلين. وغالبا ما يكون السجن الجديد أكثر سوءا؛ حيث يعامل فيه السجين معاملة سيئة كونه من محافظة أخرى ومُعاقَباً.

وبدأت قوات السجن، كما علمت منظمة "نحن نسجّل"، هذه الحملة يوم الأحد 12 من ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث جرّدت الزنازين من متعلقات المعتقلين، التي شملت الملابس وأدوات النظافة الشخصية، والطعام، والدواء، وغير ذلك من المتعلقات. وأسفرت الحملة الأمنية عن حالات إعياء شديدة تعرض لها بعض المعتقلين من أصحاب الأمراض المزمنة.

كما وثقت المنظمة أيضا أن ضابط الأمن الوطني محمد جمال (وهو اسم مستعار لإخفاء هويته الحقيقية) هو الذي أمر بمعاقبة كافة السجناء السياسيين وسحب البطاطين منهم وترك البطاطين الميري فقط التي يتسلمها المعتقلون من إدارة السجن وغالبا ما تكون رديئة. وهو أيضا الذي أمر بمنع الدواء عن المرضى من المعتقلين. وطالبت المنظمة مأمور سجن جمصة شديد الحراسة ووزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، بصفتها المسؤولة عن السجون، بإيقاف هذه الحملة غير الإنسانية على الفور، وتمكين السجناء من تلقي العلاج، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة. كما طالبت بـ"الإيقاف الفوري للتجويع والتغريب ومصادرة متعلقات السجناء الخاصة".

يضم سجن جمصة عددا كبيرا من المعتقلين بعضهم على يزال على ذمة الحبس الاحتياطي وآخرون صدرت بحقهم أحكام جائرة بفترات طويلة، ومع تزايد أعداد المعتقلين الصادر بحقهم أحكام،  بدأت الإدارة تخصص زنازين لكل فئة، لكن تظل كل العنابر مختلطة. ويجمع السجن كذلك بين المحتجزين على خلفية تهم سياسية وغيرهم ممن هم على ذمة قضايا جنائية، وتجمع الزنازين بين الفئتين حسب التوثيق الذي حصلت عليه الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.

ويبقى عدد غير قليل من المحبوسين احتياطيا بالسجن فترات تتجاوز المدة القصوى المسموح بها قانونيا للحبس الاحتياطي (سنتان)، وقد تصل مدة حبسهم احتياطيا داخل سجن جمصة شديد الحراسة، حتى صدور الحكم الأولي عليهم، إلى ما يقارب أربع سنوات في بعض الأحيان. ويوجد أيضا بالسجن محتجزون تجاوز عمرهم ستين وسبعين عاما.

ويتوجه إلى سجن جمصة شديد الحراسة الكثير من السجناء الذين يتعرضون للتغريب من سجون أخرى، وتتوارد عدة أنباء عن تعرضهم لانتهاكات عند وصولهم إلى السجن، مثل مصادرة كافة متعلقاتهم الشخصية بما فيها الأغطية، والمنع من الزيارة والتريض واستلام الطعام في زيارات "الطبلية"، ومنع دخول الأدوية حتى لأصحاب الأمراض المزمنة.

وحسب الشهادة التي وثقتها الجبهة المصرية، فإن إدارة السجن لا تتبع الإجراءات المنصوص عليها في تسجيل شكاوى السجناء والرد عليها. وفي الوقت ذاته، تتعامل بتعسف شديد مع أي محاولة من السجناء لتنظيم أنفسهم للمطالبة بتحسين أوضاعهم أو للتعبير عن أنفسهم. وقد عاقبت إدارة السجن بعض المحتجزين الذين طالبوا بإدخال المطهرات وأدوات التعقيم مع بداية تفشي جائحة كورونا، وذلك بتغريب بعضهم إلى سجن الوادي الجديد، آخرين إلى عنبر التأديب بصفة دائمة. كذلك، وقعت حادثة أخرى عام 2019 عقب إعدام بعض المحتجزين على ذمة قضايا عنف سياسي، حيث قامت الإدارة بتغريب ثلاثة أو أربعة سجناء إلى سجن العقرب بطرة، بسبب أدائهم صلاة الغائب على من تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم.