مع انتصار رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد في معركته مع جبهة تحرير تيجراي، ونجاح الحكومة الإثيوبية في إعادة السيطرة على المدن التي كانت قد وصلت إليها قوات تيجراي في مناطق شرقي الأمهرة والعفر، بفضل تزويد 3 قوى إقليمية أديس أبابا بطائرات بدون طيارحديثة (drones) وهي، الإمارات وتركيا وإيران على مدار الأربعة أشهر الأخيرة، مما اضطر قادة التيجراي إلى الانسحاب إلى حدود الإقليم، والمطالبة بالتفاوض السلمي مع حكومة أديس أبابا ، بدأت معركة سد النهضة تبرز على الساحة، حيث ألمح مسئولون أثيوبيون إلى أن الحكومة سوف تعلن قريبا بدء المرحلة الثالثة لملء خزانات السد في يوليو المقبل، في ظل غياب تام لنظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، وكأن القضية لا تخصه أو لا تعنيه وهو ما يكشف عمالته ضد مصر والمصريين من خلال التفريط في الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل وتعطيش الشعب وتبوير الأراضي الزراعية.
الملء الثالث
من جانبه كشف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة عن أخر التطورات المتعلقة بملء سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا على مياه النيل الأزرق، وترفض إبرام أي اتفاقات قانونية بشأن ملء وتشغيل السد، مع دولتي المصب مصر والسودان في ظل ما آلت إليه أحداث الصراع داخل أثيوبيا.
ونشر شراقي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، صورا للأقمار الصناعية صدرت أمس السبت 25 ديسمبر 2021، لبحيرة السد ونسب الملء فيها، وقال إن "بحيرة سد النهضة تراجع مستواها بعدة أمتار خلال الشهرين الماضيين لتصل إلى منسوب 573 مترا، فوق سطح البحر بإجمالي تخزين 8 مليار م3، ومازالت المياه تفيض من أعلى الممر الأوسط بكميات قليلة حوالي 10 مليون م3/يوم وهي ناتج التصريف من بحيرة تانا البالغ 3.8 مليار م3/سنة، مع استمرار غلق بوابتي التصريف في الجناح الغربي للسد".
وفي منشور أخر على "فيسبوك"، كتب شراقي قائلا "الحرب الدائرة حاليا في إثيوبيا ترتب عليها أن جميع الأموال تم تسخيرها للمجهود الحربي، لذلك لم يعد هناك أي فائض للإنفاق على إتمام العملية الإنشائية للسد؛ تمهيدا للملء الثالث، ورجح أن تتوقف عمليات البناء في الوقت الحالي".
وحول إمكانية استئناف مفاوضات سد النهضة قال شراقي إن "الأساس في التفاوض أن تكون الأطراف المتفاوضة مسئولة، وصاحبة قرار وفي حالة استقرار يسمح لها بالتفاوض والحوار للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف المتفاوضة".
وأكد أن الوضع الحالي يشهد تأزما كبيرا وتجمدا في مفاوضات سد النهضة، مشيرا إلى أن استمرار النزاع بين الحكومة الأثيوبية وقوات جبهة التيجراي يزيد الأمر تعقيدا.
تجميد المفاوضات
وقال الدكتور علاء عبدالله الصادق، أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية بجامعة الخليج بمملكة البحرين إن "ما حدث في الدولة الإثيوبية التي تعاني من مشكلات اقتصادية كان له تأثيره على تمويل واستكمال السد في ظل الاضطرابات والنزاع مع جبهة تيجراي".
وأشار الصادق في تصريحات صحفية إلى أنه لو استمرت الاضطرابات لكان من الصعب على نظام آبي أحمد أن يفكر في التخطيط لعملية الملء الثالث لسد النهضة التي تنوي إثيوبيا اتمامه في يوليو المقبل .
واستعبد أن تسمح الأحداث الجارية في كل من إثيوبيا والسودان باستئناف مفاوضات السد أو تنفيذ خطة تشغيل التوربينات، مشيرا إلى أن الصراع الذي شهدته أثيوبيا لم يكن في صالح مصر والسودان اللتين تخوضان مفاوضات شاقة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وبالتالي فإن انشغال الحكومة الإثيوبية بالصراع مع تيجراي أدى ليس فقط لتجميد مباحثات سد النهضة مع مصر والسودان قبل البدء بعملية الملء الثالثة للسد في شهر يوليو القادم، بل أيضا تجميد استكمال كل أعمال السد نفسه .
وأشار الصادق إلى أنه اتضح من متابعة الأحداث، أن إقليم تيجراي يمتلك قدرات عسكرية تمكنه من مصارعة الدولة الإثيوبية متمثلة في الحكومة الحالية برئاسة آبي أحمد موضحا، أنه كان من الصعب في ظل القيود المفروضة على منطقة الصراع وتعطل معظم الاتصالات في إقليم تيجراي، التحقق من مزاعم الأطراف المتصارعة.
محاولات فاشلة
وكشف الدكتور محمد نصر الدين علام ، وزير الموارد المائية والري الأسبق، أنه برغم ظروف إثيوبيا الداخلية الكارثية في أثيوبيا، إلا أن الصوت الأثيوبي مازال يعلو، ومازال التعنت السياسي مستمرا حتى الآن ، موضحا أنه بالتوازي هناك بيانات سودانية غير دقيقة حول استعدادات أثيوبيا للملء الثالث ، مما يخلق بيئة متضاربة غير صحية مع تمثيليات أقليمية ودولية لمحاولات فاشلة لتقريب وجهات نظر بين الدول الثلاثة لا يمكن التقريب بينها.
وطالب علام في تصريحات صحفية بضرورة إيجاد موقف مصري معلن في غياب السودان المبتلى بأزمة الانقلابات، مطالبا دولة العسكر بتوضيح موقفها مما يحدث والتساؤل حول إلى أين نحن سائرون ؟ وهل نحن نقدر الأزمات والكوارث التي سوف يسببها سد النهضة لمصر والمصريين ؟
وحذر من أن المخطط الأثيوبي لاستنزاف الوقت مازال مستمرا والخيارات تقل تدريجيا، مؤكدا أن هناك تغيرا جذريا يحدث معنا وحولنا لأسباب تبدو متشابكة وشديدة التعقيد، في الوقت الذي يزعم فيه نظام السيسي أن حصة مصر من مياه النيل خط أحمر ممنوع الاقتراب منه، ولا يمكن تجاوزه لكن على الأرض لا توجد جهود لردع أثيوبيا أو الضغط عليها لتغيير موقفها المتعنت.